الأحد ٥ كانون الأول (ديسمبر) ٢٠١٠
بقلم فوزي فهيم حسن

المدرسة النحوية العربية القديمة

في البداية لا بدَّ أن نتّفق على مفهوم (المدرســـة)، فبنظرنا أنّها مجموعة من الآراء يتواضع عليها مجموعة من الناس، تُشكّل رؤية ً ما، لهم طريقة في التفكير مميزة، فينهجون منهجاً للوصول إلى هدفٍ ما .
والمدارس النحوية مصطلحٌ يشير إلى اتجاهات ٍ ظهرت في دراسة النحو العربي، اختلفت في مناهجها في بعض المسائل النحوية الفرعية، وارتبط كلّ اتجاه منها بإقليم ٍ عربي ٍ معيّن، فكانت هناك مدرسة البصرة ومدرسة الكوفة، ومدرسة بغداد وهكذا ..

ولكنّ بعض العلماء لم يضعوا على تلك المدارس اسم "مدرســــة" واستندوا برأيهم على مفهوم المدرسة، ووحّدوا أنّ كلّ تلك المدارس تسير نحو هدف ٍ واحد، ورؤيةٍ واحدة، وهي النحو العربي، بثوابت كثيرةٍ ومشتركة ٍ فيما بينهم، وما كان اختلافهم إلاّ الشيء القليل بفروع ٍ صغيرة، أحياناً ما وصلت تلك الاختلافات بالرأي إلى توسعة دائرة الخلاف بين المدارس دون وجود مسبّب أو مبرّر لذلك الخلاف .
لذلك أطلقوا عليها اسم المذاهب، أي : مذهب البصرة ومذهب الكوفة ونحو ذلك .
ويميلُ الرأي لدينا إلى هؤلاء العلماء، بحيث تُسمّى كلُّ تلك المذاهب باسم المدرســة النحويــة العربيــة، بينما العديد من المعاصرين استحسنوا لفظ المدرسة فاستعاروها في مادّة الخلاف النّحوي، حتى في مسائل أدبية أخرى.
فاستخدامنا كلمة مذهب لأنّها تطلق على الطريقة التي سار عليها أحد النّحاة أو عن الخلاف النحوي بشكل ٍ عام، فنقول مذهب البصرة والكوفة، وكذلك مذهب سيبويه والكســـائي لأنّ بالأصل كما ذكرنا سابقا أنّ اختلاف المذهبين البصريّ و الكوفي ّ كان في الفروع فقط، أما الأصول فقد اتفق عليها جمهور العلماء دون خلاف أحدهـــم .

والذي يدُلّ على ذلك أنّ من الممكن أن يوافق بصريّ كوفياَ، وبالعكس، بعدة آراء، خاصة إذا كان الرأي موافقا منهج النحوي ّ .

ومما يدلّــل على ذلك أيضا خلوّ كلمة " مدرسة " من التراث العربي القديم بأن تدلّــل على المنهج النحوي، والأمثلة على ذلك كثيرة، فمنهم مثلُ ابن النديم يخصّص باباً في كتابه يُفردُ للكلام في النحو وأخبار النحويين واللغويين من البصريين، وكذلك عند الكوفييـــن .

وكذلك الزبيدي فقد وضع النحويين واللغويين في طبقات، ابتدأها بطبقات النحويين البصريين وصنّفهم إلى عشر طبقات وهكذا .
أمّا المدارس اللسانية الحديثة، ففعلاً يحقّ لنا تسميتها بهذا الاسم، لأنّ أغلب المدارس في جوهرها وأصولها تختلف عن بعضها البعض، كلّ مدرسة بنشأتها و أسباب نشأتها تُخالف المدرسة الأخرى، وحتى بهدفها المستقبلي تخالف تلك المدرسة .

وبهذا الأمر تميّزت المدرسة النحوية العربية القديمة بمحافظتها على الأصل والثابت، وبذلك وحّدت الجهود للوصول إلى الهدف الأسمى وهو خدمة لغة القرآن الكريم .
ومن هنا فارتباط تلك الدراسات القديمة وعلى رأسها المدرسة النحوية بالقرآن الكريم، يجعلها خالدة ً إلى قيام الساعة بخلود القرآن الكريم الذي هو عقيدة الأمة الاسلامية، و هو الذي أكسب اللغة العربية الشرف الأسمى لها، وجعل دراستها من العقيدة و الاهتمام بها أيضا من العقيدة .

اما إذا أردنا الاتكاء على تلك المدارس اللسانية الحديثة، فيبدو أننا قد ضللْـنا الطريق، فالكلّ يعلمُ سبب نشأة تلك المدارس، وممّن نشأت، فنحن العرب لدينا العقليّة الواضحة التي شكّلها القرآن الكريم لنا، فلا نحتاج إلى تلك المدارس لترشدَ فكرنا إلى طــُرُقه الصحيحة .

ونحن أهلُ السبق في ذلك لا نتعلّم ولا نأخذ منهم .

فالمدارس اللسانية الحديثة تتجه نحو محو ِ تراثِ الأمة العربية والانتقاص من فكرها وعقليّتها .
ولكن لابدّ أن نتعلّمها والاستفادة مما هو حَسَن منها، وتوجيهها نحو فكر الأمة العربية وعقليتها .


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى