الخميس ٢٢ آذار (مارس) ٢٠١٨
بقلم أمينة شرادي

المرأة لا تنتمي إلى القضايا الكبرى في الممارسة السياسية

منذ الاستقلال، والمرأة المغربية تقاوم كل أشكال التمييز والتهميش الممنهج أحيانا واللاإرادي أحيانا أخرى نتيجة موروث ثقافي. شاركت قبل الاستقلال في المقاومة ضد الاستعمار بشكل تلقائي ودون أي تمييز نوعي يجبرها على البقاء في البيت بحجة الضعف وعدم القدرة. لأن هذا التمييز الجنسي هو عبارة عن لعبة ثقافية منذ الصغر تلعب بين الذكر والأنثى نتيجة تربية تمييزية تعيد انتاج تقاليد وعادات متجذرة في الأسرة العربية.

فكانت الانتفاضة الفكرية والاجتماعية والثقافية في ظل سياق عام خلال مرحلة الستينات وما بعد. خروج المرأة للشارع والعمل وتحقيق تواجدها الشرعي في ظل سيرورة اجتماعية واقتصادية وثقافية. فكانت الجمعيات النسائية التي ظهرت كمساند لنهضة المرأة في كل المجالات. وبدأ التمرد على تلك اللعبة المترسخة في النفوس والعقول بشكل جد قوي، فاقتحمت المرأة مجالات نضالية كانت حكرا على الرجال الحاملين للتوجه الذكوري. طبيعيا أن تجد مقاومة ممن كان يحتكر الكلمة والصورة، فقاومت من جديد وبشكل آخر فهناك من استشهدت وعذبت في سيبل التغيير والعيش الكريم للفرد دون تمييز كالشهيدة «سعيدة المنبهي". لكن الحصار الفكري والمجتمعي جبار وقاسي جدا لدرجة ان على المرأة المناضلة المتشبعة بشكل حقيقي بالمساواة الفعلية والحقوقية تخطيها لدرجة التضحية بنفسها أو بحياتها العائلية والشخصية.

العمل السياسي او النقابي هو عالم ذكوري بامتياز رغم الظاهر منه ورغم كل الشعارات التي يحملونها داخل هذه التجمعات. وتواجد نساء مغربيات في أعلى مراكز قيادية قليل جدا ولا يترجم الخطابات الحزبية أو النقابية التي تنادي بالمساواة والمناصفة. هناك محاولات تمييزية أو ما يسمى بالتمييز الإيجابي من أجل أن تقتحم المرأة أكثر وأكثر العمل السياسي والنقابي.

لكن ما يعوق هذه الفكرة هو تغلغل الفكر الذكوري داحل هذه الأحزاب والنقابات ويرفض بشكل غير مباشر منافسة المرأة له. هذا الفكر الذي لا تهمه الكفاءة الذكورية بقدر ما يطالب بقوة بالكفاءة في صفوف النساء. مثال بسيط، من أجل أن تشارك المرأة وتحضر وتتسلق أدراج المسئولية، لابد من مراعاة خصوصية اجتماعية وثقافية لا يمكن أن نتخلص منها بشكل سهل وسريع، وهو أوقات الاجتماعات؟ أو أماكن الاجتماعات.؟

فرض أسلوب في التعامل مع المرأة يضطرها أحيانا الى التخلي رغما عنها وعن طموحها وكفاءتها العلمية والمهنية. لا بد من التخلص من الأنانية الذكورية التي تجعل الأجهزة النقابية والحزبية تعرقل سير المرأة الى الأمام وعدم الثقة في قدراتها الفكرية والقيادية. غياب الديمقراطية التي تنادي بها هذه الأجهزة داخل بنياتها. وخير دليل على ذلك، هو غياب تام للمرأة المناضلة في البرامج الحوارية التي تناقش مواضيع سياسية أو فكرية أو اقتصادية. ألا يوجد بداخل هده الأجهزة أطر كفأه من النساء لمناقشة هذه المواضيع؟ أم أننا لم نتخلص بعد من "لعبة الذكر والأنثى" ونعتبرها لا تصلح الا لشؤون المرأة والأسرة؟؟ الخبرة السياسية مذكرة في كل القنوات التلفزية المغربية؟؟وجواب القناة عن هذا الغياب تعيده الى الأحزاب بالدرجة الأولى لأنهم يقترحون دائما أسماء رجال؟؟وكأن المرأة ديكور من ديكورات المشهد السياسي والنقابي تؤثثه متى احتجنا اليها في الانتخابات، في التصويت، في الحضور أمام الكاميرات....

أين هي الديمقراطية التي تنادي بها هذه الأحزاب التقدمية؟ ان لم تمارسها داخل أجهزتها بكل قناعة وشفافية، فليس لها الحق أن تطالب بها غيرها. والحاملين لهذه الأفكار التقدمية، كيف يمارسونها داخل بيوتهم. وهي معضلة أخرى تكشف عن سولك ازدواجي يتعايشون معه لدرجة الايمان بضرورته. كيف يمكن أن يرفع الرجل السياسي والنقابي صوته مطالبا بالمساواة والعدل والكرامة للنصف الآخر من المجتمع، وفي بيته يمارس لعبته الذكورية؟ المشهد السياسي المغربي يعرف الكثير من النفاق الاجتماعي والسياسي، وتبقى ورقة المرأة، الورقة الرابحة لمن يجيد استغلالها أحسن استغلال. المرأة المناضلة داخل هذه الأجهزة التي هي عبارة عن صورة مصغرة للمجتمع الحامل للفكر الذكوري والمتشبع به، يجب عليها أن تناضل على عدة جبهات:

 تحقيق وجودها كمناضلة دون أدنى تمييز جنسي.

 احترام تواجدها داخل هده الأجهزة الذكورية دون أي عنف رمزي أو جسدي.

العمل أكثر وأكثر لثبت بأنها لها الكفاءة والأهلية في القيادة أو الترشيح.

 محاربة المجتمع الأكبر بكل مكوناته وأطيافه الرافضة لأي تواجد نسائي داخل المشهد السياسي.

للمرأة قضية، وقضيتها أكبر من كل الاهتمامات السياسية ان لم نقل هي الاهتمام الأول. لأنها تعتبر من الفئات الأكثر فقرا وتهميشا وجهلا بحقوقها كمواطنة واستغلالا. هناك استثناءات نجحت وتبوأت الصدارة، لكن الاستثناء لا يخلق القاعدة. وحتى هذا الاستثناء لم يستطع الانفلات من الفكر الذكوري. لما نتحدث عنه وعن نجاحاته وقدرته على التسيير أو التأطير أو القيادة، نربط حديثنا وتحليلنا بكونها امرأة؟؟؟وكأنها معجزة لا تتكرر. خطابنا ملغوم ويحمل ثقافة متخلفة اتجاه المرأة. إذا كنا نستعمل ورقة المرأة من أجل الوصول وتحقيق أهداف شخصية والتربع على عرش القيادة أو المسئولية، فليس لنا وجود على صعيد المجتمع ولا نساهم في أي تطور مجتمعي وتبقى توجهاتنا الكبرى المبنية على الحقوق الإنسانية والمساواة الفعلية مجرد شعارات تردد من حين الى آخر وتدخل في إطار لعبة كبرى. المجتمع أعرج إذا مشى برجل واحدة. والأحزاب التقدمية والباحثة عن التغيير الثقافي والاجتماعي والاقتصادي، لا يتأتى ذلك دون اشراك المرأة كفاعل حقيقي ومهم وليس وسيلة أو مكمل لحاجة في نفس يعقوب. متى نؤمن بإن قضية المرأة قضية من القضايا الكبرى؟؟؟


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى