الأحد ٣٠ آب (أغسطس) ٢٠٠٩
بقلم عزيز العرباوي

المسرح العربي في حاجة إلى تغيير

لا شك أن عصرنا في حاجة إلى إبداع ثقافة متعددة المشارب ومختلفة المواضيع تشكل هدفا في طرق باب التقدم المعرفي والحضاري الذي تعرفه الكثير من الأمم المنتشرة في بقاع العالم. كما أن عصرنا في حاجة إلى نهضة معرفية وفنية تنتشلنا من وضعنا المتردي ثقافيا وفنيا وفكريا، والذي أصبح ماركة مسجلة على جبيننا أينما رحلنا وارتحلنا وكأننا بهذا تفوقنا على الآخرين بمنتوجنا الرديء والسخيف هذا، بكل بساطة ودون تفكير ودون مجهود يذكر.

لقد ازدهر شأن الثقافة المسرحية، التي تعتبر أول الثقافات التي عرفت ميلادها في تاريخ البشرية والإنسانية، ووجدت عند الغرب أنصارا ينفقون عليها الوقت لازدهارها، وينظرون لها، ويبدعون النصوص العظيمة التي خلدت وخلود الزمن، ونوروا بها طريقهم نحو التقدم والعلم والفن العظيم، مثل بريخت وشكسبير وغيرهما من العظماء الذين أبدعوا لفن المسرح الغربي نصوصا خالدة، كانت بمثابة البداية لنسج نصوص جديدة ازدهر بها المسرح الغربي وتفوق على باقي المسارح في بلدان العالم الأخرى. وإنه لمن الغباء الفكري أن يظن المرء أن التقدم يقتصر على مجال العلوم والتكنولوجيا دون الفن والموسيقى والمسرح والتشكيل والشعر والرواية والقصة... وكل باقي أشكال الإبداع والترفيه. فهذه الأشكال الإبداعية تعتبر ذلك الزي الجميل والبراق والحضاري الذي يلبسه معظم أفراد مجتمع من المجتمعات، فيكون عنوانا لحضارته وتقدمه وتفوقه وإنسانيته... فأين نحن من هذه الثورة المسرحية والفنية التي عرفها الآخر ولازال يعيشها في أحسن حلة ولباس؟.

هذا التساؤل يبقى مشروعا مادمنا نعيش انتكاسة مسرحية عربية بامتياز، فكل النصوص التي قدمت وأبدعها كتاب وفنانون مختلفون تبقى ضعيفة شكلا ومضمونا. فإن كان بعضها ضعيفا شكلا، فلا بد أن الآخر سيكون ضعيفا مضمونا. ولذلك فنحن مدعوون إلى خلق وإبداع نصوص مسرحية عظيمة تبتعد عن الشوفينية والسكيزوفرينية المعرفية، بل تتخلى عن ثقافة التطهير والتنقية والاختيار. إن المسرح ليس صلاة ربانية، ولكنه قد يصير صلاة ثقافية وفنية إن تشبث بمبادئه وبقيم المسرح العالمي المتطور، وأداه أنصاره بكل ثقة ومسؤولية وحب فيه، لا في استجلاب عطف هذا أو إعجاب ذاك، ولنا في مسرح شكسبير وبداياته المتعثرة أفضل مثال.

لعل التصور الفكري والفني حول المسرح بصفة عامة، والذي يحمل همه الكثير من المفكرين والفنانين والمسرحيين والنقاد والغيورين على هذا النوع الفني العظيم، يبقى تصورا قاصرا لا يخلو من معاني الضعف والتراجع والخوف من السقوط في اللانجاح واللاشهرة واللاعظمة، ولذلك نستنتج أن أغلب المهتمين بالمسرح في عالمنا العربي يضعون صوب أعينهم مسألة الشهرة والنجاح والثراء قبل استحضار الأهداف الحضارية والفنية الأخرى التي تعتبر القاطرة الأولى نحو النجاح وليس العكس كما يعتقدون. وإننا هنا نجزم بيقين تام بأن مسرحنا العربي أصبح مجرد "غيتو" من "غيتوهات" تستولي على أفكارنا جميعا، لذا من المفروض التفكير في استراتيجة قد تتنوع من ثقافة إلى ثقافة، وقد تتباين من فكر إلى آخر ، وقد تختلف من فنان إلى آخر، ولكنها في الأخير تظل جوهر كل الأطراف لبلورة ثقافة مسرحية جديدة تنقذ مسرحنا العربي من الانهيار.

وقد مر المسرح العربي عبر تاريخه بالعديد من المراحل المختلفة عرف خلالها مدا وجزرا في حضوره وبقائه على قيد الحياة. وتأثر بالعديد من الأحداث التاريخية التي كادت تعصف به لولا صمود أصحابه أمام كل الأمواج العاتية للأحداث السياسية والاقتصادية والثقافية والفكرية التي عرفها العالم العربي، انطلاقا من تدهور العرب سياسيا واقتصاديا وعسكريا، مرورا بما خلفته الثورات التي عرفها العالم من نتائج كارثية على المنطقة العربية، كالثورة الشيوعية، وانهيار المعسكر الشرقي بعد ذلك، وسقوط جدار برلين، وغيرها من الأحداث العالمية المؤثرة، وانتهاء بالتدخل الذي تشنه القوى الإمبريالية والصهيونية على العالم العربي، وتأثيرها على صنع القرار فيه وعلى الحركة الثقافية والفنية العربية عموما. وهذه الأحداث ما كانت لتؤثر حتما في تطور المسرح العربي لولا تخاذل بعض أصحابه وبعض الغيورين عليه وجبنهم في مواجهة الظلم والإمبريالية والدكتاتورية كما فعل عظام المسرح الغربي عندما واجهوا الكنيسة والقوى الدينية المتحكمة في السلطة السياسية وكذا في رقاب الناس إبان الثورة الأوربية.

ومن الإنصاف أن نذكر_ في هذا السياق_ أن المسرحيين العرب بمختلف مشاربهم حاولوا ولازالوا يحاولون البقاء على أرض الواقع رغم كل المشاكل المادية والمعنوية التي يتخبطون فيها، ورغم الضغوطات التي تمارس عليهم باسم الطابوهات والمحرمات والمقدسات عند أي إبداع يبدعونه. فالمسرح ليس مجرد فن وإبداع لا تأثير له في الجمهور وعليه وفي الساحة السياسية والفكرية والفنية، بل هو الشرارة الأولى لكل الثورات الثقافية والسياسية التي يمكنها أن تحدث داخل المجتمع. وإنه لمن الغباء أن يتناسى السياسيون أن المسرح يجمع بين دفتيه مفكرين وشعراء وفنانين يؤثرون بشكل أو بآخر في العديد من الشرائح المجتمعية المختلفة، لذا وجب عليهم _ السياسيون طبعا_ النهوض بهذا الفن لخدمة الوطن ومصلحته، ولم لا لخدمة مصلحة الحزب الذي يمثلونه، فبعملون على تبني هؤلاء القائمين عليه، بل منحهم بعض المسؤوليات داخل الأحزاب السياسية كما نرى ونسمع عند الآخرين. فالحياة السياسية في حاجة إلى المثقفين والمبدعين وليس إلى الرأسماليين والإمبرياليين والجاهلين والأميين والمشعوذين.....


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى