المولوي والمثنوي وتأثیره فی الأدب والتصوف
– علي عادل نيا نجف آبادي
– خريج جامعة آزاد الإسلامية في کرج
الملخص
إنّ هذا المقال الذي یحمل عنوان «المولوي والمثنوي وتأثیره فی الأدب والتصوف» يوضح لنا بأن تأثير المولوي، ليس محدوداً في الأدب الفارسي فقط، بل أثر الشاعر علی اللغات الأخری، ومنها اللغة العربية، وحتی تأثر في بعض بلاد الشرق والغرب وأيضاً فی کلّ العالم. فحاولتُ أن أبيّن تأثير المولوي من نواحي مختلفة.
الکلمات الدلیلیة: المولوِي والمثنوي، مولانا جلال الدین، المولوي والتصوف، المولوي فی الأدب العربي.
المقدمة
الحمدلله الذي يؤتي الحكمة من يشاء، ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً. والصّلاة والسلام علی من بعثه رسولاً يعلم الكتاب والحكمة، ويدعوإلی سبيل ربّه بالحكمة والموعظة الحسنة وعلی وصيه وباب مدينة علمه وكلمته، وعلی سائر خلفائه المعصومين الهداة المهديّين، لاسيّما الّذي لبس للحكمة جنّتها وأخذها بجميع أدبها من الإقبال عليها، والمعرفة بها، والتّفرغ لها، وهي عند نفسه صالّته التي يطلبها، وحاجته التي يسأل عنها.
يَِِِســـألُ العَـقلُ من اللهِ الأدبفهولِلخَيـــِر ولِلــــفيض سببادبُ المـــرءِ به فـيضُ الألهمَن عَری عَنهُ جفــا نهجُ الحياهمَن تنــائی عَنهُ لِلشَّرِّ اقـتربذاك بركانٌ به الجــــوالتـَّهب
إنّ للإسلام أعظم تأثير في تحوّل الفكر الذي شهدته البشرية لما يملكه من سعة وشمول حيث غيّر أكثر المفاهيم والأفكار السائدة وأبقی أثراً مناسباً للحياته الماديّة والمعنوية.
ليس الادب العربي، في البيئة الأولی للدعوة الإسلامية، ببعيد عن التطوّر، فتأثر الأدب من الفكر الإسلامي في قيمه وأهدافه ومراميه، بل أينما وصل نور الإسلام، تأثر به أدب الأقوام الذين إعتنقوه ولعل من اهم العوامل المؤثرة في الأدب الفارسي دخول الأسلام إلی تلك الديار الّتي نكهة روحية خاصة بل نستطيع القول بأن الشعر العربي والشعر الفارسي قد يكاد التأثير فقد أعطی الأدب الفارسي الشعرالعربي عمق المعني وجمال التصوير وعمق الحكمة وإتساع الافق وقد اعطی الشعر العربي الشعر الفارسي العروض والبديع والمصطلحات الدينيّة ولكن هناك حقيقه واضحة يستطيع كل متأدب أن يلمسها وهي إننا إذا ألقينا نظرةً عامةً علی الشعر العربي والشعر الفارسي، وجدنا أنفسنا أمام أدبين يكاد يكونان واحدا من حيث التصوير والتشبيه والكناية والبديع بحيث إذا قمنا بترجمة أدب إلی لغة أخری يكون علی المترجم صعباً أن يفرق بينهما ويعيد كل أدب إلی أصله وذلك لأن الإتصال بين هذين الأدبين يكون إتصالاً كاملاً، إما أن يترجم أحد الأدبين إلی الآخر فيحتاج إلی موضوعات عقلانية ونفس أدبية شفافة الّتي تتوفر فيها مفردات اللغة ومفاهيمها التي تترجم لها النص بحيث يتطابق المعنی مع اللفظ إتساعاً وشمولاً.
حیاة الشخصیة
اسمه: «جلالالدين محمد، واشتهر بـالمولوي وبـمولانا جلالالدين الرومي نسبة إلی بلاد الروم، حيث قضی اكثر حياته في قونيّه، وهي في تركياً حالياً.
كانت ولادته في مدينة بلخ يوم السادس من ربيع الاول عام 604هـ، الموافق لديسمبر 1027م، ولذلك لقب احياناً بجلالالدين محمد البلخي، والملاحظ أن كلمة المولوي التي اشتهربها منسوبة من مولانا. وتوفی سنة 672هـ في قونية وعاش ثماني وستين سنة وقد دفن فيها. وكان والده محمد بن الحسين الخطيبي البكري والشهير بـبهاءالدين، وهومن العلماء ايضاً وقد لقب بـسلطان العلماء، تلقی ابنه بعض العلوم والمعارف عنده» [1]
«وقد ألقت عائلة الرومي الرّحل في مدينة قونية سنة 638 هـ التي كانت في ذلك الوقت عاصمة الحاكم السلجوقي (علاءالدين كيقباد) وفيها توفي والده بهاءالدين عام 628هـ وخلفه ابنه جلالالدين بمهمة التدريس والفتوی فيها.
«يصف الدكتور (كفافي) ديوان المثنوي بقوله: «ان روعة المثنوي تأتي من انه يتناول الحياة بكل جوانبها، لانكاد نري موضوعاً من موضوعات الاخلاق والسلوك لم يطرقه الشاعر، ولكن سبيل معالجته لم يكن سبيل الواعظ، بل سبيل الشاعر الفنان. وكذلك حفل المثنوي بالقرآن، والحديث، وقصص الانبياء، والقصص الشعرية، والفلك، والاساطير، والعادات، والفلسفة، والكلام، والطب، بل ولا نكون مبالغين اذا قلنا انه كشف عن معرفة جلالالدين بألعاب التسلية الشائعة من: شطرنج، ونرد، وكرة، وصولجان.» [2]
«ويقول الشيخ محمد تقی جعفري في شرحه الموسع للمثنوي: «ان جلالالدين ذكر في المثنوي الكثير من الحكايات والامثال، واستنتج منها الكثير من الدروس والمطالب. والظاهر أنّ بعض هذه الحكايات حقيقية وواقعية، وبعضها ليست كذلك. ويمكن القول بان المثنوي يحتوي علی الكثير من الحقائق العميقة. تمكن جلالالدين من التوصل إليها بفكره المنسحم، وبهيجان قلبه الروحاني، ثم عرضها في قالب الالفاظ الشعرية التي لم يمكنها أحياناً من استيعاب افكاره ومشاعره، وهذه الحالة من الهيجان الروحي تصل احياناً الی الذروة من التهابها في شعر المثنوي، وبذلك تضفي روعة وقيمة اكثر علی هذا الديوان، ولاتلاحظ مثل هذه الحالة في اي عمل من الاعمال العرفانية شرقية كانت اوغربية». [3]
وذكر الأستاذ المطهري: «بأن المولوي كان أشعرياً في المذهب، ولكن سيطر العرفان العميق علی أفكاره وأحاديثه». [4]
«وقد ذكر الشيخ محمد تقي جعفري: في كتابه (كتاب المثنوي)، وكما قال الأستاذ الدكتور زرين كوب: لم يدع جلالالدين إلی ترك الشريعة والتسليم المطلق للشطحيّات الصوفية، كما انه لم يقبل إلی الاتجاه للفقر، والعزلة، والرهبانية. فانه يری بان الانسان الكامل هوالذي يجمع بين الصورة والمعني.» [5]
بل إنه لا يری وجود الزوجة والولد حجاباً، فهوتماماً كالمتكلمين، ولكن جلالالدين يستعين بالأقيسة التمثيلية والتشيبهات الشعرية لا ثبات وتأييد المعتقدات والمبادئ القرآنية واهل الشريعة. ويحاول ألا يعرض بعض القضايا والمسائل أمثال حقيقة التوحيد، وواقع الروح، وكيفية الحشر والنشر، وحدود الجبر والاختيار، يحاول ألا يعرض جميع تلك واقعّية الحوادث علی وفق مذاق أهل الشريعة، وفي ذلك كله يری بان لباب الشعرية وجوهرها هوالعشق. ويمكن القول بأن جلالالدين لم يقف موقف المعارض للدين في كتابه المثنوي، بل انه يقول: بان الدين في الواقع هواسمی الطرق والطريق الوحيد للقاء الله. ويلزم علی الانسان ان يدرك الهدف من التعاليم والتوصيات الدينية، حتی يمكنه أحسن بإستفادة من الدين. «ويقول الشيخ محمد تقي جعفري في كتابه المذكور: «ولا يلاحظ في أي موضوع من مواضيع المثنوي بأن جلالالدين لم يكترث بالدين، وإن الدين مختص بعامة الناس. اجل وكما قلنا بان لجلالالدين بعض التفسيرات والتأويلات الشخصية حول مجموعة من المفاهيم الدينية لم يتقبلها الآخرون، ولكن هذا الامر لايوجب التهجم العنيف علی أثر من أعظم آثاره الثقافة الإسلامية علی مستوی الثقافة العالمية، والتراث الإسلامي العالم.
ثم يلخص الشيخ جعفري رأيه في ديوان المثنوي بقوله: «فلايمكن ان نحتمل بأن جلالالدين كان يستهدف إشاعة العرفان السلبي مع احاطته بمنطق الحياة والدين الإسلامي، وعلی تقدير وجود بعض الاحاديث في كتابه المثنوي التي تدافع عن العرفان السلبي، فيمكن تفسيرها وتأويلها كما حاولنا ذلك في هذا الكتاب. ان رجل اصحاب الاستدلال المنطقي من خشب، وإن الرجل الخشبية صلبة لامرونة فيها ولاتمكين. إن كلام هؤلاء كلام جاف ميت لا روح فيه ولا حياة، ولا تأثير فيه ولا جمال، لانه يصدر عن قلب ميت، وكيف يؤثر ويثمر كلام ميت يصدر عن ميت؟». [6]
المولوي في عصرنا الحاضر
في أمريكا المهيمنة علی العالم بماديتها فقد هيمن عليها بإنسانيته مولانا الرومي، فكان الشاعر الأكثر رواجاً وانتشاراً فيها من غير منازع. وقد بيع من كتاب (الرومي الأساسي)، الصادر عن دار نشرها برسان فرانسيسكوعام 1995 مثلاً أكثر من مائة ألف نسخة، وجنت من ثمار مبيعاته ربحاً كبيراً، وتسابقت دور النشر الكبيرة والصغيرة في أمريكا إلی نشر قصائده بتشكيلات وترجمات جديدة إضافة إلی ما لا يحصي من الكتب والمقالات التي تتحدث عنه. ويقول «فوتينوس»: من الواضح أن هناك كتباً اكثر بكثير مما كان متوفراً قبل بضع سنوات، وهناك منافسة أكبر بكثير، ومع هذا فهناك أيضاً شهية الرومي تفوق كل ما سبق بكثير. وفي طريقها إلی السوق كان مزيد من (الروميات) يتدفق لأشباع النهم المذهل لأعماله، ويتم توقيت صدورها عادة في موسم الأعياد وتبادل الهدايا للاستفادة الأكبر من أرباحها التجارية.
آخر شاعر كلاسكي في ايران هوملّا جامي، مدح مولانا جلالالدين وقال عنه: ليس نبيا، ولكن لديه كتابا، ومقولتاه المتمثلتان في أن مثنوي جلالالدين بأبياته الأكثر من ستة وعشرين ألفا هوتقريباً ترجمة كاملة للقرآن بالفارسية، وأن مولانا لديه تقريباً وضع نبي أتی بكتاب مقدس لأمته، رددهما بين الفنية والأخری المعجبون بجلالالدين الرومي وأتباعه في كل زاوية من العالم». [7]
«الإعجاب الذي أظهر بالرومي في الشرق والغرب بلغ ذروة جديدة سنة 1973 م، وهي ذكری مرور سبع مائة سنة علی وفاته. ليس في قونية فقط، حيث يدفن الشاعر الصوفي، وفي تركيا علی الجملة حيث، عقدت اللقاءات الدولية، ونشرت الكتب العلمية الرصينة والمبسطة، بل احتفلت ايران أيضاً بذكری الشاعر العرفاني الأعظم في اللغة الفارسية.
وقد نظمت محاضرات عديدة حول الرومي والمظاهر المختلفة لشعره وتعاليمه في باكستان وأفغانستان، وحتی أيضاً في بلدان الغرب. والعلماء وعشاق مولانا جمعوا حولهم كثيراً من المعجبين في سنة الرومي: هولندا ألمانيا وبريطانيا العظمی وجامعات مختلفة في الولايات المتحدة شاركت في لقاءات الذكری، كما فعل مستشرقون في ايطاليا وسويسرا وبلدان أخر. هذا بعض ما جاء في الشمس المنتصرة. وليس من العجيب أن الأتراك كانوا، وما يزالون، مولعين جدا بمولانا جلالالدين الذي أخذ لقبه من أرض الروم، أي الأناضول، حيث أمضی معظم حياته». [8]
المولوية إنتشرت إلی العالم الإسلامي من مدينة قونية التي كانت مركز المولانا جلالالدين الذي كان في حياته بعقد اجتماعاً خالصا، والذكر والسماح المعروف عند الناس بالفتلة، وبعد مدة قصيرة انتشرت المولوية علی يدأحفاد مولانا والشيوخ المولويين في الأناضول والبلاد الإسلامية، وبعد ذلك أسست في ديار الشام مولويخانه، (التكية المولوية) التي تمثل الثقافة المولوية وفكرتها، ومن بينها مولويخانه حلب. اسست مولويخانه بسوريا في خمس مدن، هي: الشام، وحماه، وحمص، واللاذقية، وحلب، ومن بين هذه المراكز مولويخانه حلب تعتبر أكبرها وأهمها» [9]
مولانا والتصوف في الأدب
لقد لهج أعداء الإسلام من المستشرقين والمستغربين والمتربصين بالتصوف من خصومه المعروفين بادعاءات شاذة عن سنن الحقيقة تزعم استمداد التصوف -كلا أوبعضاً- من مصادر أجنبية عن الإسلام: هندية أويونانية أوفارسية أومسيحية أوغيرها.
«التصوف بالمعني العلمي: هوعلم قصد لإصلاح القلوب وإفرادها لله عما سواه. أوهوكما قال الإمام الشعراني (علم أنقدح في قلوب الأولياء) حين استنارت بالعمل بالكتاب والسنة فكل من عمل بهما أنقدح له من ذلك علوم وأدب وأسرار وحقايق تعجز الألسن عنها نظير ما نقدح لعلماء الشريعة من الأحكام حين علموا بما علموه من أحكامها، فالتصرف انما هوزبدة عمل العبد باحكام الشريعة إذا خلا عمله من العلل وحظوظ النفس». [10]
في حياة الشاعر جلالالدين الرومي البلخي المعروف بالمولوي محطات عديدة محطات ادبية وعرفانية لونت أدب هذا الشاعر بلون العرفان الإسلامي أوالتصوف الإيراني كما يحلولبعض الكتاب من العرب وغيرهم من المستشرقين الذين درسوا حياة المولوي وتتاجاته الأدبية ذكر ذلك.
نعم إلی جانب مجالس المثنوي كانت هناك مجالس يومية تعقد في كل يوم تحرر وتسجل فيها أحاديث مولانا، وقد تاتت هذه المجموعة فيما بعد عن كتاب لمولانا عرف بكتاب فيه ما فيه وكان حسامالدين الجلبي يشرف علی هذه المجالس وما كان يدون من المثنوي وغيره وحتی غزليات الشاعر الرومي. وكان حسام الدين بالاضافة إلی ذلك يسجل اقوال مولانا ويدونها. ويذكر المؤرخون ان حسام الدين كان يكتب مكاتيب الرومي بخطة ويقوم بإرسالها إلی من يريد مولانا ارسالها اليهم. وكانت تلك الفترة، فترة الإستقرار والهدوء الروحي لمولانا، وهذا الهدوء الروحي هوالذي أثمر عن المثنوي وكان بمثابه السلم الذي قاد مولانا إلی مراتب عرفانية اسمي، انها والحقيقة تقال فترة عروج المولوي في سماء العرفان.
مرد خدا مست بود بی شـرابمرد خدا سير بود بی كبــــــابمرد خدا واله وحيــــران بودمرد خدا نبود خورد وخـــوابمرد خدا نيست ز باد وز خاكمرد خدا نيست ز نـــار وز آبمرد خدا بحر بود بی كـــــرانمرد خدا بارد دربی سحـــــابمرد خدا عالم از حق بـــــــودمرد خدا نيست فقيه از كتــــاب
بمعني:
العارف ثمل بلا شـــــــــــــــــــــــــــرابالعارف شبع بلا شــــــــــــــــــــــــــــواءالعارف واله وحيـــــــــــــــــــــــــــرانالعارف ليس به حاجة إلی طعام اوسباتالعارف ليس من ريح وتـــــــــــــــرابالعارف ليس من نار ومـــــــــــــــــــاءالعارف بحر لا شاطئ لـــــــــــــــــــــهالعارف يمطر رتلي بعد السّحـــــــــــابالعارف عالم من الحـــــــــــــــــــــــــقالعارف ليس فقيها من الكتـــــــــــــــاب
تأثير التصوف لمولانا علی الأدب العالم
كلٌّ من يقــــــرأ المثنوي صباحاً ومساءً، تكون نار جهنم عليــــــه حراماً.
فالمثنويّ المعنويّ لمولانا، هوالقــــــرآن باللفظ البهلويّ.
"البروفسورة أناماري شيمیل"ماذا سأقول في مدح هذه الشخصية النبيلة؟ليس نبياً، ولكن لديه كتاباً.مثنــــــــــويّ معنـويّ مـولـويهســـــت قرآن در زبان پهلويمن نميگويم كه آن عالي جنابهســت پيغمبر، ولي دارد كتاب
تلك هي الكيفية التي مدح فيها ملا جامي (تـ897هـ1492م)، وهوآخر شاعر كلاسيكي في ايران، مولانا جلالالدين. ومقولتاه المتمثّلتان في أن مثنوي جلالالدين بأبياته التي تزيد عن ستة وعشرين ألفاً هوتقريباً ترجمةٌ كاملة للقرآن بالفارسية، وأن مولانا لديه تقريباً وضْع نبيٍّ أتی بكتاب مقدس لأمته، رددهما بين الفنية والأخری المعجبون بجلالالدين الرومي وأتباعه في كل زاوية من العالم». [11]
الإعجاب الذي أظهر بالرّوميّ في الشّرق والغرب بلغ ذروة جديدة سنة 1973م، وهي ذكری مرور سبع مائة سنة علی وفاته.
ليس في قونية فقط، حيث يدفن الشاعر الصوفي، وفي تركيا علی الجملة حيث عقدت اللقاءات الدولية، ونشرت الكتب العلميّة الرصينة والمبسطة؛ بل احتفل إيران أيضاً بذكري الشاعر العرفانيّ الأعظم في اللغة الفارسية. وقد نظمت محاضرات عديدة حول الرومي والمظاهر المختلفة لشعره وتعاليمه في باكستان وأفغانستان، وحتی ايضاً في بلدان الغرب. والعلماء وعشّاق مولانا جمعوا حولهم كثيراً من المعجبين في سنة الرومي: هولندا وألمانيا وبريطانيا العظمي وجامعات مختلفة في الولايات المتحدة شاركت في لقاءات الذكري، كما فعل مستشرقون في إيطاليا وسويسرا وبلدان أخر.
«فی أخيرة، نشرت جامعة طهران ترجمة شعریة عربیة للمثنویّ بعنوان جواهر الآثار، عبدالعزیز صاحب الجواهر. ونقل عبدالوهاب عزّام مقاطع شهیرة قلیلة من المثنویّ الرومی والدیوان إلی اللغة العربیة. ورغم هذه المحاولات یستحیل الحدیث عن تأثیر حقیقیّ لشعر جلال الدین الرومی فی العرب وحتی عن معرفة مناسبة لاسمه بینهم. ورغم ذلك، ومجاراة للاهتمام الجدید بالتقلید الصّوفی الذی یشاهد فی السنوات الأخیرة فی الشعر العربیّ الحدیث یظهر اسم الرومیّ فی أمکنة غیر متوقعة: فی قصیدة لطیفة حول شکوی الناي، أعدّها الشاعر العراقیّ عبدالوهاب البیاتی لذکری الشاعر الیساری الترکیّ ناظم حکمت، حیث یکون روح الرومی علی نحومفاجیء تماماً حاضراً فی جمال تامّ». [12]
مختلف تماما الوضع فی ایران والبلدان الواقعة شرق إیران. إذ یقال إن مصلح الدین سعدی الشیرازی، تـ691 هـ. طلب منه أن یختار أحسن قصیدة یعرفها، فاختار أحداً غزليات الرومیّ وحتی لوکان هذا قصّة ملفّقة علی نحورائع فإننا قادرون علی التاکدّ من أنّ کثیراً من الفرس حتی زماننا هذا سیصدرون حکماً مماثلاً.
وبعد خمسين سنة، مضي الموظّف المدنيّ البريطانيّ هـ.ت.سورلي، الذي خصص كتاباً مفيداً للشاعر السندي، إلی حدّ تصور أن شعر شاه عبداللطيف ليس سوی تطوير إسلامي هندي لفلسفة جلالالدينالرومي وأنه سيكون كافياً لمؤلف رسالوأن يكون مطلعاً علی المثنوي وحده. ولا شكّ في أن سورلي علی حقّ، لكنه لم يثبت نظريته علی نحومفصّل. وهذا، في أية حال، سيكون أمراً سهلاً وقد أقحم شاه عبداللطيف في شعره الفكرة الشهيرة بشأن العميان والفيل، واثنتين من الإشارات الأخر إلی المثنوي. علی أنّ المثال الأكثر روعة هوالمثال الموجود: اولئك الذين فيهم ظمأ- الماء ظميءٌ إليهم أيضاً.
«هذا المقبوس من المثنويّ، يشير إلی حقيقة أنّ الحق والانسان يعملان معاً – لوكان منبع العشق غير عطشان لشوق الإنسان، فكيف يمكن للإنسان أن يجرؤ علی الاشتياق لمنبع الحياة البعيد الغووفي سلسلةٍ طويلة من الأدبيات في (ج10-15) يعترف الشاعر السند علی نحوواضح بأنه مدينٌ للروميّ. كلّ بيت يبدأ بالبيان: هذه فكرة مولانا الرومي، وبعدئذ يشرح نظريات الوحدة والكثرة، والعشق والاشتياق.
ومعروف أيضاً أنّ شاه لطيف كان علی وفاقٌ تامّ مع شاه إسماعيل الصوفيّ، الذي كان مشهوراً بتلاوته للمثنويّ. وبين شعراء السّند المتأخرين، الذين عرفوا جميعاً آثار الرومي جيداً، يمكن أن نذكر بيدل الروهري الذي قرأ المثنويّ علی واحدٍ من قادة العرفان الكبار في اسند، الشيخ علي كوهر شاه أصغر الذي لعبت أسرته دوراً مهماً في تاريخ التصوف في وادي السند. ويحدثنا المؤرخون عن أنّ بيدل كان مرتاحاً في أثناء مرضه بتلاوة المثنويّ، ويتضمّن شعره في اللغة السنديّة والسيرايكية والأورديّة والفارسيّة إشارات عديدة إلی أشعار الروميّ وإلی شمس تبريز. وقد ألّف ايضاً كتاباً غريباً يسمي مثنوي دلكشاف يتألّف من مجموع من المقبوسات القرآنية والأحاديث النبوية وأشعار من المثنويّ وأشعار من رسالولشاه عبداللطيف: هذه العناصر الأربعة وضعت معاً لنظهر طريق التصوف الأسمي.» [13]
وفي أسرار الذات، يظهر مولاناالروميّ ليس بوصفه الدليل الروحيّ للشاعر فقط؛ ففي الفصل 16 يوصف لقاؤه الأول الأسطوريّ مع شمس تبريز، مما سيرمز إلی لحظة الالهام من خلال العشق. يضحي الرومي الخضر عند إقبال، ذلك العبقريّ الذي يوجه السالك الصوفي، العارف لنبغ ماء الحياة الذي يوجه مريده نحوه. وفكرة كون الرومي خضر الطريق نفسها تعرض مرّة أخري في حوار في بال جبريل، وهوديوان شعر باللغة الأوردية نشر بعد خمس عشرة سنة من نشر قصيدة إقبال العظيمة الأولی التي حملت هذا العنوان في المجموعة الأولی من أشعاره الأورديّة المسماة بانك درا 1340هـ، وفي المثالين كليهما يضع إقبال مشكلاته أمام مرشده الذي يحلها بأشعار مختارة اختياراً ذكياً من المثنوي:
الشيخ الرومي هوالمرشد ذوالقلب المضيء،أمير قافلة العشق والسكر،الذي منزله أرفع من القمر والشمس،والذي يصنع من المجرّة طنباً لخيمته.
فالروميّ، الذي هومعلم العشق والشوق، صار عند إقبال القوّة المواجهة لقوي العقل البارد والفلسفة الجافة. وقد صار اسمه واسم ابنسينا الفيلسوف مجرد رمزين لتقابل القلب والعقل واختلافهما: فهوأستاذ التأمّل العشقيّ الذي يطير مباشرة إلی الحضرة الإلهية بينما تتثاقل الفلسفة وراء علی طرق ترابيّة. والدليل الروحي الوحيد الشبيه بالرومي هوفي نظر إقبال الشاعر الألماني غوته؛ ولذلك يخترع مشهداً في الجنة حيث يلتقي هذان المرشدان. كلّ منهما ليس نبياً لكنّ لديه كتاباً: مولانا لديه المثنويّ، وغوته لديه فاوست، وكلّ منهما يقرّ بأفضليّة العشق نصيب آدم، علی العقل الشيطانيّ. عرف إقبال أنه:
لن يطلع روميّ آخر من رياض شقائق النعمان في ايران، ولذلك أخذ المهمة من دليلة الروحيّ بعد أن تعلم دقائق العشق منه. حرق نفسه في حروفه، ويأمل الآن أن يفتح ثانية حانة الروميّ، لأنّ المجتمع المسلم نسي الخمرة الروحية للعشق الإلهيّ. لأنّ: من عين الرومي الثمله استعرت السرور من مقام الكبرياء.
تلك هي الكيفية التي يحول فيها إقبال البيت المعروف لشاعر عراقيّ حول الخمرة الأولی التي استعيرت من العينين الثملتين لساقي الأزل.
لم يظلّ تأثير الرومي مقصوراً علی منطقة الحضارة الإسلامية. فقد اجتذبت آثاره اهتمام الباحثين الأوروبيين في مرحلة مبکرة نسبياً من دراسات المستشرقين.
لمولوي فکان ذا مقدرة نادرة المثال علی عرض الموضوعات العرفانیة وإیراد الأمثلة واستخلاص النتائج من بحوثه وتبیان المعاني العرفانیة الحکمیة العریصة بلغة بسیطة واضحة. ومنظومته المثنوي المعنوي ودیوانه الغزلي وقصائده ورباعیاته جمیعاً من أعالي نموذج الشعر العرفاني الفارسي والعربي.
ومولانا جلالالدینالرومي، أعظم متصوفی الفرس فکان صاحب اکبر مدرسة صوفیة في شرقنا الإسلامي، وربما کانت مدرسته نسیجاً وحیداً بین المدارس الفکریة التي نشأت في تلك الأزمنة.
«شرح مولانا آراءه وأفکاره فی المسائل الدینیة والصوفیة والأخلاقیة والفلسفیة فی المثنوي، وصور عواطفه في دیوانه الکبیر والمثنوي بصورة رائعة، حتی عدّه الأدباء الکبار قدیما وحدیثا زعیماً لمدرسة الأشعار الصوفیة الإیرانیة.
وخلاصة القول أن المولویة کانت بمثابة مؤسسة الدولة بدأ من القرن السابع عشر المیلادي ومن ثم فقد صرف الوزراء والسلاطین همتهم إلی رعایة هذه المؤسسة حیناً فحیناً، اما الاتباع الذین اتبعوا سبیل نفوذ وتأثیر هؤلاء فقد تدفعوا وانثالوا في جماعات تتری إلی المولویة، وکان الصدر الأعظم صوفي محمد باشا (تـ 1649م) والموصوف في کتاب حدیقة الوزراء بأنه الباطل العظیم شدید الظلم والفساد، یقف في الصلاة لیحول دون إنقاد حیاة من یؤمر بقتله مهما کان المشفع فیه». [14]
الشاعر الفارسي جلالالدين الرومي من أهل القرن السابع الهجري، الذي يعتبر شاعر التصوف الأعظم الأمثل في الأدب الفارسي، وكتابه المعروف بالمثنوي أروع وأشهر منظومة صوفية، وكانت عقيدته أن العلوم والفنون المكتسبة متعلقة كلها بالدنيا ولاتغني عن الإنسان شيئاً إذا أراد الآخرة ومعرفة الله، وأن التوفيق إلي المعرفة الإلهية فوق كل تلك العلوم والفنون. أما العلم الحقيقي فهونور يلقيه الله في قلوب المؤمنين لتنير به والله يهدي من يشاء لنوره.
إن تراث جلالالدين الشعري ينقسم من حيث الشكل إلي ثلالة أقسام هي الديوان، الذي سمي بديوان شمس تبريز، والرباعيات والمثنوي». [15]
فأمّا الديوان فيشتمل في أكثرة علی غزليات صوفية يبلغ عددها نحو3500 غزلاً نظمت فی بحور عديدة، كما يضمّ أيضاً ملمعات تركية وعربية ويونانية، وقصائد وترجيحات فارسيّة. ويبلغ عدد أبياته–في أقدم النسخ الخطية المعروفة نحو43 ألف بيت، وذلك حسب إحصاء قام به أستاذ إيرانيّ معاصر كرس أكثراً بحاثه لدراسة الروميّ، هوالأستاذ بديع الزمان فروزانفر.
«أما الرباعيات فينسب إلي شاعرنا منها 1659 رباعياً عدداً أبياتها 3318، وبعض هذه الرباعيات قد يشكّ في نسبته إلی الشاعر، ولكن الكثير منها يمكن أن يعدّ بحق من إنتاجه، لما يتجلي فيه من مطابقته لتفكيره وأسلوبه.
أما الأثر الثالث فهوالمثنوي: وكلمة المثنوي تعني ذلك النظم الذي يعرف بالمزدوج في العربية، وهويعتمد في التقفية علی توحيد القافية بين شطري كل بيت من أبيات المنظومة. فكل بيت من الأبيات تكون له قافيته المستقلّة، وبهذا تتحرّر المنظومة من القافية الموحدّة التي طالما عاقت شعراء العرب عن نظم المطولات. فهذا التعدد في القوافي هوالذي مكن شعراء الفرس من نظم الملاحم المطولة علي الأوزان العربية، والأنطلاق بها إلي أبعد مدی أرادوه. وقد سمّي جلالالدين كتابه هذا المثنوي. وينقسم هذا الكتاب إلي ستة مجلدات تضم نحواً من خمسة وعشرين ألف بيت.» [16]
والإيرانيون يعظمون هذا الكتاب إلي أبعد الحدود. وقد بالغوا في تعظيمه حتی سموه قرآن بهلوي أي قرآن الفارسية. يقول جلالالدين في مقدمة العربية:
«هذا كتاب المثنوي؛ وهوأصول أصول أصول الدين، في كشف أسرار الوصول واليقين، وهوفقه الله الأكبر، وشرع الله الأزهر، وبرهان الله الأظهر، مثل نوره كمشكاة فيها مصباح، يشرق إشراقاً أنور الإصباح... وهوجنان الجنان، ذوالعيون والأغصان.... الأبرار فيه يأكلون ويشربون، والأحرار فيه يفرحون ويطربون؛ وهوكنيل مصر شراب للصابرين، وحسرة علي آل فرعون والكافرين.» [17]
علي كل حال؛ كتاب المثنوي هذا يعد أثراً من الآثار الأدبية الخالدة، يرتفع فيه الشعر إلی مستوي عالمي فذ.
المولوي والمثنوي
«اشتهر المثنوي في شرق العالم الإسلاميّ، وانتشرت تعاليمه، وتناوله الدارسون والشراح من كافة هذه الشعوب الإسلامية، وظهرت له في كل أقطارهم شروح وترجمات. وعظم شأن جلالالدين بين أبناء تلك الشعوب، واحتلّ بينهم المنزلة التيّ هوجدير بها كمعلم روحيّ كبير. كما قدّر لأفكاره وآرائه أن تجد سبيلها من جديد إلی الفكر الإسلامي في الحديث، علی يدالشاعر الهندي الكبير محمد إقبال، الذي كان له الفضل الأكبر في وضع الأسس الروحية لدولة الباكستان. لقد اعترف إقبال في مواضع عديدة من منظوماته بفضل جلالالدين عليه في بناء فلسفته. ومن أمثلة ذلك ما قاله في مقدمة منظومته الفارسية أسرار خودي (اسرار الذات). وفي هذه المنظومة تحول العشق الصوفي عند إقبال إلی عشق للأمل والمثل الأعلی. وتقوم فلسفة إقبال علی إيجابية روحية، تؤمن بهذه الحياة، وتعدّها حقيقة لاسبيل إلی إنكارها، وتهماجم السلبيّة التي قال بها بعض الصوفية المسلمين. فالقيم الروحيّة-في رای إقبال- تعصم الإنسان من الوقوع في قبضة المادية، وتبعده عن المصير الذي انحدر إليه العالم في العصر الحديث». [18]
«وخلاصة القول أن جلالالدين في الوقت الحاضر –بإجماع الدارسين من أهل الشرق والغرب وبين العرب. يعدّ بلاشك أعظم شعراء الصوفية في كل زمان ومكان، وواحداً من شعراء الإنسانية الافذاذ». [19]
«لقد ظفر المثنوي منذ بداية ظهوره بما هوجدير به من العناية. لقد كان يصادف آذاناً صاغية حين يهتف به صاحبه، أومن يرويه عنه. وكلام ابن بطوطة –الذي سبق أن نقلناه- ينبيء بشيء من ذلك، ويبين كيف أن المريدين كانوا يتبعون الشاعر ويكتبون ما يهتف به من الشعر، وكيف أنهم صنعوا من ذلك الشعر كتاباً سمّوه المثنوي وأن المثنوي كان موضع الاعتبار بين سكان تلك البلاد، وكيف أنهم كانوا يقرأونه في أيام الجمعات. وكذلك تضمنت الأوقاف التي أوقفت علی ضريح الشاعر ما ينصّ علی الإنفاق منها علی قراء المثنوي». [20]
استطاع بما أوتيه من علم ومعرفة وحجة اقناع من اقناع جلال الدين الرومي بتغيير حياته الفلسفية والأدبية تغييراً شاملاً، وجعله يعرض عن الوعظ، وينصرف إلی حياة التأمل والتفكير، وينطلق ليجسد انفعالاته العقلانية بفيض غامر من الشعر الحقاني بلغ أسمی مراتب الذكاء والعبقرية، حيث يقول من قصيدة له:
أين المسلمون . . . ما التدبير . . وأنا نفسي لا أعرف نفسي . . . !!فلا أنا مسيحي، ولا أنا يهودي، ولا أنا مجوسي، ولا أنا مسلم ... !!!ولا أنا شرقي، ولا أنا غربي، ولا أنا بري، ولا أنا بحري...ولا أنا من عناصر الأرض والطبيعة، ولا أنا من الأفلاك والسموات ...ولا أنا من التراب، ولا أنا من الماء، ولا أنا من الهواء، ولا أنا من النار...ولا أنا من العرش، ولا أنا من الفرش، ولا أنا من الكون، ولا أنا من المكان...ولا أنا من الهند، ولا أنا من الصين، ولا أنا من البلغا...ولا أنا من الكون...ولا أنا من ملك العراقين، ولا أنا من بلاد خراسان...!!
ولا أنا من أهل الدنيا، ولا أنا من أهل العقبی، ولا أنا من أهل الجنة، ولا أنا من أهل النار...
ولا أنا من نسل آدم، ولا أنا من نسل حواء، ولا أنا من أهل الفردوس، ولا أنا من أهل جنة الرّضوان...!!
وإنما مكاني حيث لامكان، وبرهاني حيث لابرهان...
فلا هوالجسد ... ولا هوالروح ... لأنني أنا في الحقيقة من روح الروح الحبيب.
هذا هوجلالالدينالروحي كما وصف نفسه في هذه الأبيات التي تجسد المبادي الأخوية الإنسانية، ووحدة الأديان، وتدل علی شوقه للانصهار في بوتقة الكل.
لقد كان الحكيم جلال الدين الرومي يتمتع بمناقب سامية، وأخلاق عالية وأفكار عرفانية خلاقة، لم نجد في كتاباته وأشعاره ما يشير إلی أنه حاول التقرب من الملوك أو ذوي النفوذ، بل علی العكس ارتبط ارتباطاً وثيقاً بتلاميذه ومريديه، ووقف ذاته علی مساعدة الفقراء والمحتاجين، وتقديم المساعدات للضعفاء والمعوزين، بامانة وإخلاص، وإبتعد عن كلّ ما يمت إلی السياسة والإمارة والملك.
«وعاش طوال حياته بعزة وكرامة، لم ترهبه الجيوش، أوتعصف بمشاعره وأحاسيسه قوتها وجبروتها مهما كبرت عظمت، ولم يخف يوماً من الطغاة الذين كانوا في زمانه مسلطين علی العالم. وتوفي يوم الأحد في 5 جمادي الإخر سنة 672 هجرية، بالغاً من العمر ثمانية وستين عاماً». [21]
ويقول أتباعه ومريدوه وتلاميذه بأن آخر وصاياه كانت:
أوصيكم بتقوی الله في السر والعلانية وبقلة الطعام، وقلة المنام، وقلة الكلام، وهجران المعاصي والاثام، ومواظبة الصيام، ودوام القيام، وترك الشهوات علی الدوام، واحتمال الجفاء من جميع الأنام، وترك مجالسة السفهاء والعوام، ومصاحبة الصالحين والكرام، فإن خير الناس من ينفع الناس، وخير الكلام ما قل ودل والحمد لله وحده.
لقد قال جلال الدين الرومي في مقدمة المجلد الأول من المثنوي: إن المثنوي هوأصل الدين، في كشف أسرار الوصول واليقين، وهوفقه الله الأكبر وشرع الله الأزهر، وبرهان الله الأظهر، مثل نوره كمشكاة فيها مصباح، يشرق اشراقاً أنور من الإصباح، وهوجنان الجنان، ذوالعيون والأغصان، منها عين تسمی عند أبناء هذا السبيل سلسبيلاً، وعند أصحاب المقامات والكرامات خير مقاماً وأحسن مقيلاً، الأبرار فيه يأكلون ويشربون، والأحرار منه يفرحون ويطربون، وهوكنيل مصر شراب للصابرين، وحسرة علی آل فرعون والكافرين كما قال: يضل به كثيراً ويهدي به كثيراً. كان عصر جلال الدين الرومي عصر بحث وتنقيب حول الآراء الفلسفية، لاسيما في المدارس الشعبية بقونية، ويظهر من آرائه في التصوف خلال أشعاره في كتابه المعروف (المثنوي) أنه تأثر بآراء الصوفية الذين كانويعيشون قبله، وكان لهم آثار صوفية بأفغانستان وازدهرت الدراسات الإسلامية في ذالك العصر، فكان من واجبه التصدي لكل ما يحدث بين المسلمين من الجدال والإختلاف الفكري الذي يتسبب في تفرق الناس وتحزبهم.
تأثير أشعار مولانا علی الأدب
فقد تأثر بعض شعراء العراق ومصر ولبنان وسوريا وسواها من الأقطار العربية بترجمة رباعيات. كذلك انصرف فريق من الاختصاصيين في آداب الأمم الشرقية في الوطن العربي إلی نقل بعض آثار الفارسية الشعرية إلی العربية، وماتزال هذه الحركة ناشطة بصرف النظر عن قيمة هذه المنقولات التي يختلط فيها منقول النافذ إلی أسرار الفارسية ومعميات الشخصية الشعرية الإيرانية.
قابل ذلك من الجهة الإيرانية، منذ الخمسينيات، بوجه خاص، اهتمام بآداب العربية أخذ يتعاظم شيئا فشيئا، وقد شهدت هذا النمويومئذ إذ قصدت العاصمة الإيرانية لتحضير الدكتوراه في الأدب الفارسي، منتدباً من قبل الحكومة اللبنانية.
ترجمت بعض آثار العلماء ومجموعات لكتّاب وشعراء بالعربية، ونشرت في المجلات أوفي كتب في طهران وسواها، إلا أن قيام الثورة الإيرانية فتح باب التفاعل بين العرب وإيران علی مصراعيه.
ولايخفی علی القارئ الحصيف والمثقف العريق والشاعر الملهم أن صياغة الشعر المترجم شعرا تتنكب عن حرفية النص الأصلي النابع من عبقرية لغة بعينها لها مصطلحاتها وأخيلتها وخصائصها العاطفية والموسيقية، إذ إن للغة المنقول إليها –وهي، في هذا المقام، العربية- مثل تلك الخصائص ووجوه التفرد، لذلك، يعمد ناظم النص الفارسي شعرا عربيا إلی نقل أجوائه العاطفية وهالاته الخيالية وبيانه النابع من ذات اللغة إلي العربية مراعياً الشؤون ذاتها بالنسبة إلی العربية.
إن الكلام الآسر الذي ساقه هذا الشاعر في خطة شعراء خراسان متأثراً بمبنی شعرهم وأسسه ليتجلی لنا في حلاوة وجمال وبهاء ينفرد بها من دون سواه. وهوبيان يقوم علی البساطة والسلاسة والإبلاغ والبعد عن التكلف». [22]
وهذا الشعر من مولانا.
«النــــای
اسمع الشكوی من الناي الحـــــــزينقصة الفرقة يحكيها الأنيـــــــــــــــنقطّعوا القصباء فالتــــــــــاع القصبواستحالت للوری بوق العــــــــــتبليت صدري يتشظّی بالفـــــــــــراقكي أبثّ الكون سرّ الإشتيــــــــــــاقشطّت الدار بنا عن اصلنــــــــــــــــايا حنين الروح أرجع وصلنـــــــــــاقد لقيت الناس في كل البــــــــــــلادحزن من بانوا وأفراح العبـــــــــــادفاصطفوني خلّهم من ظاهــــــــــريواستكنّ السرّ دون الناظـــــــــــــــرمكمن السرّ خدين للأنيــــــــــــــــــنبيد أنّ النور محجوب جنيــــــــــــــنليس بين الجسم والروح حجـــــــابأعطني السلطان أنفذمن الإهـــــــــابأنّّة الناي سعير لاهـــــــــــــــــــــــواءمن تفته النار لايعطي البقـــــــــــــــاءمن لهيب العشق زعقات القصــــــبسورة الراح من العشق نصـــــــــبقد غدا الناس حدينا للمشــــــــــــــوقفي نواه يستحيل السرّ بــــــــــــــوقمن رأی سمّا وتریاقا بنــــــــــــاي؟آسيا، صبّا ومجنونا بـــــــــــراي؟قصّ أسمار الدروب الداميــــــــةقيس ليلی في جنون الباديــــــــــــهمن سوی المجنون يدري سرّنـا؟مثلما النطق يناجي أذننــــــــــــــالولا آه الناي ماكان البشـــــــــــرشهدهم شاروا ولا كان الثمـــــــردورة الأيّام شلّت بالحــــــــــــزنقاسمتنا الشوق عوداً للوطــــــــــنإن تك الأزمان ولّت لاتخــــــــف!ليس إلِّاك ملاذ قد وقــــــــــــــف.
في عصر الرومي كان عدد كبير من العلماء والفنانين والصوفية من كل أنحاء شرق العالم الإسلامي يبحثون عن الملاذ في كونيا التي كانت أحد الأماكن القليلة في زمن دمرت فيه فلول المغول أجزاء واسعة من الدولة الإسلامية.
ولذلك انتعشت الحياة الفكرية والدينية في هذه المدينة بشكل كبير. وكانت الفارسية هي اللغة المثقفين، غير أن العامة كانوا يتحدثون إما اليونانية –لأنه كان يوجد في إكونيوم جزء كبير من النصاری شديدي الإيمان– وإما التركية. وكان الرومي يستخدم كلتا اللغتين في أشعاره.
بعد موت الرومي بقليل اشتهرت أعماله وخصوصا المثنوي في كل المنطقة المتحدثة بالفارسية، وامتدت شهرته إلی الحدود الشرقية للعالم الإسلامي. وقد كان تأثيره في شرق البنغال في القرن الخامس عشر كبيرا لدرجة أن أحد المؤخرين كتب إن براهما المقدس يقتبس من المثنوي.
إن جلالالدينالبلخي –رحمه الله– الذي قل نظيره في تعمقه في الأدب الصوفي والتعريف بالتصوف، وقل نظيره في القرون الأخيرة، يقدم لنا المعرفة الصوفية في صورة متكاملة، ليس تصوف شاعرنا من النوع السلبي الذي يدع الحياة ويعدها شراً تورطت فيه البشرية، بل هوتصوف بناء يحاول أن يرسم المثل العليا في الإنسان نفسه، في الإنسان الذي يتعمق في حقائق الكون ويجعل من التفكير سبيلاً للوصول إلی الحق والصدق والصواب.
ومن ميزة هذا الشاعر الصوفي الذي ترك تراثاً ثميناً يباهي به المسلمون هوأنه لم يكن يميل إلی التصوف الجاف أوالتصوف السلبي حسب تعبير بعض المؤلفين، بل كان صوفياً بمعناه الحقيقي ومفهومه الايحابي، وكان شاعراً فناناً، أدبيأ عالماً، وسياسياً، عالج المشاكل العلمية بطريق دقيق يطمئن إليه الباحثون في عصرنا هذا، عالج المشاكل وأثبت أنه ليس في طريق العلم أية عقبات.
«ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين» يأخذ طريقه إلی أداء رسالته، ويتوجه إلی الدنيا ومشاكلها، فيدرس الفكر والذكر، ويتعمق في الكون وهولا يزال جالساً لدي هذا الوالد العظيم الذي بشر بما يئول إليه مستقبل هذا الطالب الذكي الشاب المتفتح – يتحير من الجفاء والظلم الذي يتسم به البشر-
يفكر في هذا كله – يفكر ليعرف الإنسان ويعرفه.
نام احمد چون چنين ياری كنــــدتا كه نورش چون مدد كاری كنـــدنام احمد چون حصاری شد حصينتا چه باشد ذات آن روح الأميـــــنصبر تلخ آمد وليكن عـــــــــــاقبتميوهی شيرين دهد پر منفعـــــــتگفت اي نور حق ودفع حــــــرجمعني الصبر مفتاح الفـــــــــــرجاي لقاي توجواب هر سئــــــــوالمشكل از توحل شوبي قيــل وقالترجمان هر چه ما را در دلســــــتدستگير هر كه پايش در گلســـــــتمرحبا يا مجتبي يا مرتضــــــــــيأن تغب جاء القضا ضاق الفـــضاأنت مولي القوم من لا يشتهـــــــيقد رأي كلا لئن لم ينتـــــــــــــــهبمعنىإن يَكُ اسمُ المصطفی يُحمی الغَريقكيفَ مَن في نورهِ يَغشی الطريـــــقإن يَكُ اسمُ المصطفی حِصنُ حَصينذاتَ طه رَحمة لِلعالميــــــــــــــــــنبَعدَها السَفاح لايُلقی الحـَــــــــــــمیإذ باذيال الوَزير إعتصِمــــــــــــــــاقد جَرَعتُ الصَبر مُراً إنّـــــــــــــماكانَ عُقبَی الصَبر حلواً شبـــــــــــمايا شعاع الحَق، قد زالَ الحـَــــــــرَجأنتَ مَعنَی الصَبر مِفاتحُ الفــــــــرَجباللقاء إنحل لنا كُل ســُــــــــــــؤالفعَرفناهُ بلا قيـــــــــــــــــــلَ وقالكلُّ ما في سِرُنا أظهـَـــــــــــــــرتهُكلّ مَن أشقی بما أسعـَـــــــــــــدتهُمَرحَباً بالمجتبــــــــــی يا مُرتضیإن تغب جاءَ القضا ضاقَ الفَضــاأنتَ مَولی القـَــــوم مَن لا یَشتهيقد رَأی كلاً لئـــــــــــــــن لم يَنته