الأحد ١٨ تشرين الأول (أكتوبر) ٢٠٠٩
بقلم أوس داوود يعقوب

النازيون الجدد يسرقون تاريخنا

سياسات صهيونية شرسة لتهويد حضارة و تراث القدس الشريف

(إذا حصلنا يوما على القدس وكنت لا أزال حيا ًوقادرا ًعلى القيام بأي شي فسوف أزيل كل شي ليس مقدسا لدى اليهود فيها، وسوف أحرق الآثار التي مرت عليها قرون).
مؤسس الحركة الصهيونية (تيودور هرتزل)

تتمتع القدس دون غيرها من المدن عبر التاريخ بمنزلة ومكانة رفيعة، مستمدة ذلك من تلاقي الأبعاد الزمانية والمكانية والروحية فوق أرضها المقدسة، ضاربة جذورها منذ الأزل، تحمل اسمها الكنعاني، وهي ملتقى الاتصال والتواصل بين القارات، وهي مهد الرسالات السماوية، ولب صراعنا مع الكيان الصهيوني الغاصب وجوهره.

ومنذ أن كانت القدس وهي تشغل اهتمام العالمين، وتشهد موجات الغازين وتشمخ بانتصارات المحررين، وقد زاد الاهتمام بالمدينة مع الغزوة الصهيونية الأخيرة لفلسطين بمساعدة القوى الاستعمارية التي أنشأت هذا الكيان واعترفت به (دولة) على الأرض الفلسطينية في 15/5/1948 ليبدأ الصراع العربي الصهيوني، الذي يطلق عليه اليوم الكثير من أبناء امتنا (نزاعاً)، ونصر نحن وغيرنا من الشرفاء في العالم على انه صراعٌ، صراعٌ مازال محتدماً، وعلى كل المستويات في الساحات الدولية بالرغم من اتفاقات السلام المذلة، والمشاريع الدولية المختلفة، يزيده شدةٌ الممارسات الفاشية الصهيونية المتلاحقة، والتي تبلغ أوجها اليوم بالحفريات التي تهدد القدس ومسجدها وتنقل الصراع إلى الذروة. بينما العرب نيامٌ، لا يحرّكونَ ساكنا، و الفلسطينيون، أصحاب الحق المغتصب، تتقاتل قياداتهم على سلطة، هي ليست إلا بعضُ وهمٍ.
والشيء المؤكد هو أنّ: (الحرب الصهيونية الحالية تنطوي ومنذ قيام دولة الاحتلال على شطب وتشويه كلّ ما هو ليس يهودياً وتدمير الآثار التي مرت عليها القرون).انطلاقا من تصريحات هرتزل
وعليه فإنّ التصفية الحضارية مستمدّة من النظرة اليهودية لكلّ ما هو غير يهودي، مشيراً إلى أنّ الأيدلوجية الصهيونية قائمة أصلاً على قِيَمٍ عنصرية ذات طابع استعماري وهي في جوهرها أيضاً مستمدّة من روح الثقافة الغربية تجاه كلّ ما هو غير غربيّ.
  أربع مراحل صهيونية لتهويد المدينة
تأتي مدينة القدس في المقام الأول في المخططات الصهيونية، وهي قمة أطماعها الأولى ونقطة ارتكازها، ومركزاً للتطلعات الدينية والقومية اليهودية، من ذلك إنشاء بيت (قلداس) أو الهيكل كما يطلقون عليه.

وتشير الكثير من الدراسات التاريخية والسياسية إلى أن البلدة القديمة داخل الأسوار قلب القدس وقصبة فلسطين حيث الحرم الشريف وكنيسة القيامة والبراق تتألف من خمسة أجزاء مجموع مساحتها أقل من كلم مربع واحد، وهذه الأجزاء الخمسة هي: الحرم الشريف، والحي العربي الإسلامي، والحي العربي المسيحي، والحي الأرمني المستعرب، والحي اليهودي القديم قبل 1948 أصغر هذه الأحياء لا تتعدى مساحته خمسة دونمات، وتعود معظم ملكيته إلى وقف ذرية إسلامية يقطنه حوالي 2000 من المستأجرين اليهود بيد أن حكومة تل أبيب سارعت بعد الاحتلال إلى مصادرة الأملاك العربية المجاورة، وضمها إلى الحي اليهودي بحيث تضاعفت مساحته عشرين ضعفًا أقيمت عليها مبان جديدة يسكنها اليوم حوالي أربعة آلاف إسرائيلي، ومع ذلك بقيت الأكثرية الساحقة داخل البلدة القديمة عربية إلى يومنا هذا، حيث يبلغ تعداد العرب فيها حوالي خمسة وثلاثين ألف نسمة، مقابل أربعة آلاف وخمسمائة إسرائيلي.
و يذكر المرحوم روحي الخطيب (أمين القدس) إن تهويد مدينة القدس وتغيير بنيتها السكانية يمكن أن يكون قد تم في إطار أربع مراحل هي:

المرحلة الأولى: 1907 - 1917
المرحلة الثانية: 1918 - 1948
المرحلة الثالثة: 1948- 1967
المرحلة الرابعة: 1967 – 1981

ومما لاشك فيه أن المرحلة الرابعة متواصلة إلى يومنا هذا بوتيرة متسارعة فمنذ مؤتمر أنابوليس الذي عقد في تشرين الثاني 2007، ومدينة القدس تتعرض، وبقية أراضي الضفة الغربية، إلى مجزرة ديموغرافية تشهد عليها ما ذكرته دائرة شؤون المفاوضات في منظمة التحرير الفلسطينية عن أن وزارة الإسكان الصهيونية أصدرت جملة قرارات للشروع في عمليات البناء لإقامة 4486 وحدة استيطانية منها 92 وحدة في منطقة القدس التي يقول مدير عام مؤسسة الحق إن أكثر من27 ألف منزل عربي فيها مهدد بالهدم.

هذا في الوقت الذي يجري فيه حفر ثلاثة أنفاق تحت البلدة القديمة في سلوان الواقعة عند الطرف الجنوبي الشرقي من السور الجنوبي للبلدة القديمة من القدس، وصولاً إلى حارة باب المغاربة المجاورة للمسجد الأقصى
مما يعني أن المدينة المقدسة تشهد اليوم أكبر عملية تغيير ديموغرافي منذ العام 1967، ومن يتوقف عند هذه المجريات يتضح أمامه أبعاد المشروع الصهيوني الذي بدأه مؤسسه تيودور هيرتزل، مؤسس الحركة الصهيونية، في المؤتمر الصهيوني الأول في مدينة بال بسويسرا 1897.

ولعل أخطر ما تتعرض إليه القدس ليس اقتحام 135 عنصرياً باحة الأقصى يوم 19/10/2008 بل هو تداعيات افتتاح رسمي لكنيس يهودي يوم 12 تشرين الأول عام 2008 أقيم على أرض وقف إسلامي) حمام العين) الذي يبعد بضع عشرات الأمتار عن المسجد الأقصى من جهة الجدار الغربي للمسجد. وخطورة هذا الكنيس، الذي أطلق عليه "خيمة إسحاق" تكمن في ارتباطه بشبكة أنفاق وحفريات تحت وفي محيط المسجد الأقصى حيث تتواصل الحفريات في 18 موقعاً في مختلف جهات المسجد وأسفله، ومن أخطر تلك الحفريات ما يسمى الطريق الهيرودوتي (نسبة إلى هيرودوس) والذي يمتد بطول 600 متر ويربط ساحة البراق بالمدخل الجنوبي لمدينة داوود) البلدة القديمة من سلوان).

و قد سعت منذ استيلائها على المدينة إلى تشويه وتدمير المعالم الإسلامية التي تزخر بها المدينة القدس، حيث تنتشر في ارجاء القسم القديم منها، حيث تشتمل على مجموعة منها، كمسجد القدس الشريف ومسجد قبة الصخرة المشرفة والمسجد الأقصى المبارك، والجامع العمري وحائط البراق، هذا إلى جانب الأماكن الوقفية الإسلامية المتعددة والمدارس الإسلامية التي تعني بتدريس العلوم الشرعية واللغوية، كما يوجد العديد من الزوايا الإسلامية إلى جانب الآثار التي خلفها المسلمون، والتي مازالت من أبرز المعالم في تلك المدينة.

قامت قوات الاحتلال بهدم 14 مبنى تاريخيًا وإسلاميًا في 14 من يونيو 1969م بواسطة الجرافات الصهيونية، وفي العشرين من الشهر نفسه قامت بمصادرة 17 مبنى، منها المدرسة التنكرية في باب السلسلة والتي استعملتها مقرًا للجيش الصهيوني. وقد حُرص على الاستمرار بالمطالبة بالكشف عن جانبين كاملين من الحرم الشريف، ويشكلان المنصة الضخمة التي يقوم فوقها المسجدان من ناحية الركن الجنوبي الغربي بالقرب من حائط المبكي القائم الآن، وحتى بوابة القبائل في الطرف الشمالي الشرقي، حيث يوجد على امتداد تلك المسافة التي تبلغ ثلاثة أرباع كيلومتر الأوقاف الدينية، والتي تضم المدارس ومساحات تكايا، فضلاً عن مئات العرب الذين يعيشون في تلك الأماكن، ومع ذلك أخذت السلطات الصهيونية بالبدء في أعمال الحفر في مناطق متعددة منها:

أ – أسفل الجدار الغربي للقدس إبتداءً من الزاوية الجنوبية وتجاه الشمال حتى أصبح طول هذه الحفريات الآن حوالي 340 مترًا على شكل نفق يبلغ عمقه تحت الأرض 9 أمتار، الأمر الذي أحدث تصدعًا في بعض الأبنية منها: المدرسة العثمانية – عقار الشهابي – المدرسة المنجكية التي تضم مقر الهيئة الإسلامية العليا للقدس دائرة الأوقاف الإسلامية، كما أخذت في استخدام النفق للصلاة من قبل المتدينين اليهود.

ب – حفريات جنوب المسجد الأقصى، وقد قام بهذه الحفريات البروفيسور "مزار" من الجامعة العبرية حيث اكتشف آثارًا إسلامية وبيزنطية، وتم حفر وإزالة التراب من جنوب جدار الأقصى لعمق كبير.

ج – حفريات النبي داود والتي يشرف عليها "إيجال شيلوح" على أرض عائلة أبي السعود العربية.

د – حفريات قلعة القدس التي بناها السلطان العثماني سليمان القانوني.

وفي أغسطس عام 1969م تعرض المسجد الأقصى إلى عملية إحراق على يد صهيوني متطرف حيث تباطأت سلطات الاحتلال الصهيونية في عملية إطفاء الحريق، مما سبب أضرارًا بالغة الأهمية بالمسجد الأقصى، والتهمت النار الجناح الجنوبي الشرقي منه، وقضت تمامًا على المنبر المطعّم بالعاج، الذي أقيم في عهد نور الدين، كما أن الأضرار أصابت سقف المسجد.

وقد أباحت السلطات الصهيونية إقامة الصلوات الدينية داخل الحرم الشريف لليهود.

ويتضح لنا من خلال تلك الممارسات التي قامت بها السلطات الصهيونية والاعتداء الصارخ على المقدسات الإسلامية ما يلي:

1 – تباطؤ سلطات الاحتلال الصهيوني في إنقاذ المسجد، وترك النيران تسري في الجناح الشرقي للمسجد وأعمدة الدخان ترتفع منه إلى عنان السماء مؤكدين على الجريمة التي ارتكبت.

2 – كان لنشوب الحريق أثره في جماهير القدس المسلمة حيث سارع عشرات الآلاف من كل صوب إلى المسجد، وأخذوا في إطفاء النار بكل وسيلة.

3 - استنكار العالم الإسلامي لتلك الجريمة الشنعاء التي قامت بها سلطات الاحتلال الصهيوني.

4 – مخالفة السلطات الصهيونية للقانون الدولي بشأن المناطق الأثرية والإسلامية.

وفي أغسطس عام 1970م قامت السلطات الصهيونية بمصادرة الأراضي التي تقع حول مدينة القدس وقراها، كقرى الرام وقلنديا وبيت حنينا في الشمال من القدس، وقرى النبي صموئيل وبيت أكسا في الغرب، وقرى بيت صفاتا وصور وباهر في الجنوب، تحقيقًا لأهدافها التوسعية الرامية إلى إقامة القدس الكبرى.

ورغم ذلك أخذت السلطات الصهيونية في زيادة أعمالها من خلال عرض البروفيسور "يامين مزار" مدير الحفريات الصهيونية في 2/8/1971م على موشي ديان - وزير الدفاع الصهيوني آنذاك شرحًا تفصيليًا عن الحفريات التي تتم بالقرب من الحائط الجنوبي للقدس، وكان ديان قد أعطى توجيهاته وتوصياته بضرورة عدم التأخير في عمل الحفريات (يجب العمل على كشف وإعادة ترميم كافة ما يتعلق بأيام الهيكل الثاني، وأفَضّل أن أرى السور كما كان في عهد الهيكل الثاني).

وفي مايو عام 1972م ازدادت المحاولات الصهيونية في عمليات الحفر بامتداد حائط المبكي حيث تم الكشف عن 180م، ليتبقى 160م للوصول إلى الركن الشمالي الغربي، حيث حدثت تصدعات لمبانٍ ترجع للعصر المملوكي، وأصبحت مهددة بالانهيار، كما استمرت السلطات الصهيونية في عمليات الحفر التي أحدثت فجوات صغيرة في جدار الحرم المكشوف، ورغم الجهود المضنية لمحاولة وقف الحفر إلا أن الحكومة الصهيونية لم تستجب للنداءات بل زادت في تيار السيطرة والانتقام، ووجهت نداءً إلى اليهود، قالوا فيه: (أيها المقاولون بالمدينة أين جراراتكم وآلاتكم التي أدّت عملها كما يجب في أول ليلة لتطهير الأرض أمام حائط المبكي (أي إزالة حي المغاربة)، لقد قررت البلدية إزالة الأحياء الفقيرة والخرائب، ولابد من تنفيذ هذا القرار بدون خوف أو خجل، ولابد من إصدار الأوامر لإخلاء المئات الذين يسكنونها).

وقد قامت دائرة الأوقاف العربية في القدس بالتصدي لتلك المحاولات الصهيونية، منها ما تم خلال إصدار البيانات للأهالي، وتنبيه السكان إلى المحاولات الصهيونية عن طريق الجرافات التابعة لها بالاعتداء على منطقة سلوان بالقدس ومساحتها 36 دونمًا، وتقع في الجهة الجنوبية الشرقية من المسجد الأقصى في منطقة باب الرحمة وامتداد المقبرة الإسلامية.

ورغم ذلك لم تكتف السلطات الصهيونية، بل أخذت بوضع لافتات داخل الحرم القدسي تؤكد فيها بأن المنطقة لمكان جبل الهيكل، كما أخذت في تشجيع الرحلات المدرسية المنتظمة للحرم بحجة التواجد اليهودي. وأخذوا يطالبون اليهود بالقيام برحلات إلى القدس ثلاث مرات في السنة لأداء (الحج)، واعتبروها قبلة الصلاة اليهودية، كما اتبعوا التقويم اليهودي.
وفي 12 من أغسطس عام 1980م قام الكولونيل "وارن" بفتح النفق الواصل بين سور القدس الغربي وسبيل قايتباي، وكانت نيتهم الاستمرار في حفر الخندق المتجه نحو الصخرة المشرّفة، ولولا أن دائرة الأوقاف الإسلامية أقفلته بجدار أسمنتي لكانت الحكومة الصهيونية قد تمكنت من الوصول إلى أهدافها حول هذا النفق.

  دولة الإرهابيين وإرهاب الدولة
لم تقف تلك المحاولات بالتعديات على المسجد الأقصى من خلال الممارسات الصهيونية السابقة، بل أخذت مجموعة إرهابية في يناير 1984م بالقيام بمحاولة تدمير الأقصى، ولما افتضح أمر تلك المجموعة هرعت الشرطة الصهيونية إلى المكان، واتهمت عضوين من رابطة الدفاع اليهودي المتطرفة التي يتزعمها الحاخام "مائير كاهانا" وألقت القبض عليهما، ثم أطلقت سراحهما، وسرعان ما برّأت ساحتهما من التهمة التي وجهتها إليهما. وإن دل ذلك على شئ فإنه يدل على التواطؤ مع المتطرفين اليهود للعمليات الإجرامية ضد المسلمين ومقدساتهم الدينية، وليس أدل على ذلك من التقرير الخاص بسؤال أحد أفراد تلك المجموعة، ويدعى "شمون بردة"، الذين قاموا بالتخطيط لتدمير الحرم القدسي الشريف عام 1984م والذي يبين من خلال أقواله أن العملية ما هي إلا عملية منظمة ومدروسة، ووفق مسار زمني كامل لها.

كما أخذت بالعودة إلى عمليات الحفر تارة أخرى بالاشتراك مع وزارة الآثار والأديان وبلدية القدس لشق نفق أسفل أبنية دائرة الأوقاف والمدرسة العمرية؛ لتتصل بالبركة المزدوجة أسفل الأبنية وشمال أسفل طريق المجاهدين وبيت صهيون والمحلات التجارية. ويتسع النفق في اتجاه الشرق ويشكل نفقًا آخر يمتد أسفل المدرسة العمرية. والنفق عبارة عن رواق طويل يزيد عرضه في المتوسط على المتر بينما ارتفاعه متران على الأقل وهو محفور على طول الجدار الغربي للحرم الشريف وأسفل ممتلكات عربية، ويبلغ طوله 470 مترًا.

كما أخذت السلطات الصهيونية في العمل لحفر نفق على هيئة نصف دائرة يزيد ارتفاعه على المترين ويبلغ عرضه مترًا ونصف المتر، وحفرت منصة تحت الأرض بهدف الفصل بين الخزانين اللذين كانت تربطهما قبل ذلك فتحتان كبيرتان على منسوب المياه. والهدف من ذلك هو مضاعفة القدرة الاستيعابية للنفق الذي أصبح معلمًا من معالم القدس لابد أن يحج إليه اليهود.

وقد وجدت عملية الحفر هذه استنكارًا من العديد من الجهات وعلى رأسها إدارة الأوقاف الإسلامية في القدس حيث تمّ عقد اجتماع عاجل لبحث تلك المسألة في 11 من يوليو 1994م حضره كل من ممثلي الأوقاف وممثلين عن الجانب الصهيوني ومدير شركة تطوير القدس، ومستشار الآثار في الحي اليهودي، والمشرف على تنفيذ مشاريع التطوير والحفريات، وقد ادعى الجانب الصهيوني بما يلي:

1 – أنه تمّ إنجاز النفق الدائري ويجرى العمل في المنطقة التي تتسع شرقًا.

2 – العمل يجري ببطء لتجنب اهتزازات أو تشققات في الصخر الطبيعي التي تستند عليها أساسات المباني الإسلامية أعلى المنطقة.

3 – ذكر "وان بهات" المسؤول الصهيوني أن الهدف المباشر للنفق الدائري أو المنطقة المتسعة إلى الجانب الشرقي هو: تمكين مجموعات الزوار من الدخول والخروج عبر النفق في وضعه الحالي، حيث إن الدخول والخروج من جانب واحد.

4 – رغبته في الاستمرار في الحفر شرقًا للتمكن من إيجاد مخرج للنفق، وأن أصحاب المحلات هم الذين يضغطون لفتح النفق في نقطة ما في شارع المجاهدين للاستفادة من دخول وخروج السياح.

5 – طلب الجانب الصهيوني فتح منفذ في الشارع لإزالة الطمي الناتج عن عملية الحفر على أن يكون مقاس خط الفتحة في حدود 40 سم.

إلا أن إدارة الأوقاف في المدينة قد ردت على تلك الآراء الصهيونية بأن الهدف من عمليات الحفر هو ما يلي:

1 – أن النية تتجه إلى فتح مخرج للنفق، وفي موقع بديل لشارع باب الغوانمة.

2 – أن الحفريات تتم في الصخر الذي يشكّل أساسًا للمباني الإسلامية والمدرسة العمرية، وهو اعتداء صارخ على ممتلكات الأوقاف.

3 – أن الحفر يتم دون إطلاع مسبق للأوقاف بل هناك ادعاءات مستمرة بأن أعمال الحفر قد توقفت.

4 – أن الحفريات هي مقدمة لحفر في اتجاه الشرق أسفل المباني في الجهة الشمالية من الحرم الشريف.

5 – أن الاستجابة للطلب الخاص بعمل فتحة لإخراج الطمي يعني في حد ذاته الموافقة الضمنية على الحفريات التي يتم تنفيذها.

6 – المطلوب الكشف عن مكان الحفريات.

ويتضح لنا من خلال تلك الحفريات ما يلي:

أ – إن السلطات الصهيونية إنما تقوم بعمليات الحفر هذه من أجل طمس معالم الآثار الإسلامية الموجودة بالمنطقة.

ب – يتخيل الصهاينة وجود آثار بالمدينة أسفل الآثار الإسلامية.

ج – محاولة السلطات الصهيونية الدائمة لطمس معالم العديد من المقابر والآثار في شارع المغاربة، وكذلك المناطق التي تحيط بباب الأسباط وباب الرحمة في محاولة منها لطمس المعالم، والتي يذكر منها على سبيل المثال عدد من الصحابة منهم عبادة بن الصامت أول قاضي لمدينة القدس الذي عينه عمر بن الخطاب، وقبر الصحابي الشداد بن أوس.

وأخذت المحاولات الصهيونية في الاستمرار حيث حاول مئة متطرف يهودي دخول حرم المسجد الأقصى ومسجد قبة الصخرة في القدس بمناسبة يوم الحداد اليهودي المزعوم "تيشا بيان"، وهو ذكرى تدمير هيكل سليمان الذي يعتقد اليهود أنه كان مبنيًا في هذا المكان، وأن الرومان هدموه عام 370م، وهؤلاء اليهود يطمحون إلى هدم المسجد لإعادة بنائ الهيكل المزعوم.

كما سمحت السلطات الصهيونية والمحكمة العليا للمتطرفين اليهود بالصلاة في المسجد مما شكل سابقة خطيرة تهدد بمضاعفات مأساوية حيث وضّح مدير أوقاف القدس (عدنان غالب الحسيني) بأن الفلسطينيين منذ البداية اعترضوا على محاولات المحكمة الصهيونية للتدخل في الشؤون الإسلامية بالقدس.

وقد كانت السلطات الصهيونية في الآونة الأخيرة قد زادت تعسفها تجاه المسلمين ومشاعرهم حتى في إقامة صلواتهم، وذلك بمنع آلاف المصلين من أداء صلاة الجمعة في المسجد الأقصى حيث حوّل الجيش الصهيوني المدينة إلى ثكنة عسكرية، وقام بنشر أكثر من 2000 جندي تساندهم طائرات الهليكوبتر والعربات المدرعة على طرق الضفة المؤدية إلى القدس.
كما أخذت وبصورة مفاجئة بالتوسع في حفر النفق بطول 488 م امتدادًا من حائط المبكي، ومرورًا بالمسجد الأقصى المبارك للوصول إلى طريق الآلام الذي سار فيه السيد المسيح قرب الأسباط في الحي المسلم في القدس، وهذا في حد ذاته انتهاك جديد للمقدسات الإسلامية.

  ممارسات يومية لتزوير التاريخ
تعددت إجراءات تهويد مدينة القدس إبان الانتداب البريطاني (مرحلة ما قبل الانقسام) وبعد الحرب العربية الصهيونية الأولى (مرحلة الانقسام) وبلغت ذروة تلك الإجراءات بعد اغتصاب القدس العربية في حرب عام 1967، تنوعت تلك الإجراءات آنئذ فشملت الإدارة والتعليم والبنية التاريخية وإقامة المستوطنات وتغيير البنية الديمغرافية للسكان وإزالة المعالم التاريخية التي تعطي المدينة العربية هويتها تهدف سلطات الاحتلال من وراء تلك الإجراءات إلى جعل مدينة القدس يهودية خالصة بسكانها وتراثها وعمارتها وإدارتها وهي سائرة الى يومنا هذا في ذلك.

وبعد ثلاثة عشر عاماً من إجراءات الضم والتهويد أقرت الكنيست ما سمي بالقانون الأساسي للقدس الموحدة والذي نص على " اعتبار مدينة القدس بشطريها عاصمة موحدة لدولة الاحتلال، ومقراً لرئاسة الدولة والحكومة والكنيست والمحكمة العليا ". ومن أجل تهويد المدينة وإتمام ذلك بسرعة قامت حكومة تل أبيب بعدة إجراءات. أهمها إقامة المستوطنات الصهيونية داخل المدينة العربية وتأسيس شركة ترميم الحي اليهودي وتطوير البلدة القديمة في القدس محدودة الضمان،كما جرى تغيير أسماء الشوارع والأماكن العربية إلى أسماء عبرية وغيرها من الإجراءات التعسفية.

ومن أخطر ما تتعرض له المقدسات الإسلامية والمسيحية من جانب العدو الصهيوني، خطر الهدم بسبب الحفريات والتدنيس المستمر من خلال محاولات اقتحام ساحة الأقصى ومحاولات هدمه والعمل على بناء الهيكل المزعوم، ومحاولة السلطات الصهيونية عزل الأماكن المقدسة عن بقية المدينة، وكذلك استيلاء اليهود على حائط البراق والادعاء بأنه "حائط المبكى" حتى يجدوا لهم مكاناً مقدساً يحتجون به على حقوقهم الدينية في المدينة. ولقد مرت حفريات الصهاينة المحتلين بالعديد من المراحل، مثلت نموذجاً للاعتداء على الحضارة الإنسانية ونموذجاً للتشويه والتزوير التاريخي لم تشهد له البشرية مثيلاً. ولعل أخطرها التوسع في شق الأنفاق تحت ساحة الحرم الشريف وبجوار أساسات المسجد الأقصى.

وقد أكدت مواقف دول العالم من احتلال القدس الشرقية في عام 1967 الوضع الخاص للمدينة، وفي هذا السياق أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية في 14 من تموز/يوليو عام 1967 على لسان ممثلها في الجمعية العامة (آرثر جولدبرج) أنها تعتبر القدس واحدة من أقدم مدن العالم، والولايات المتحدة ترى أن القدس الشرقية التي احتلتها "إسرائيل" عام 1967 منطقة محتلة تخضع لقانون الاحتلال الحربي، ولا يجوز لإسرائيل أن تقوم بإدخال أي تغييرات عليها.

وفي 14 من تموز/يوليو عام 1967 أصدرت الجمعية العامة قراراً استنكرت فيه رفض الكيان الصهيوني تنفيذ قرارها رقم (2253)، والذي أكدت فيه عدم شرعية الإجراءات التي اتخذتها إسرائيل لتغيير الوضع القانوني للمدينة، وكررت دعوتها لدولة الاحتلال إلى إلغاء جميع الإجراءات التي اتخذتها والامتناع عن اتخاذ أي عمل من شأنه تغيير وضع القدس.
إن قرار الكيان الصهيوني باتخاذ القدس عاصمة أبدية لها يُعد تحدياً صارخاً للشرعية الدولية، ويتعارض مع أحكام القانون الدولي وجميع القرارات الصادرة عن مجلس الأمن، وفي مقدمتها القرار رقم (250) لعام 1968، والذي يدعو فيه مجلس الأمن الكيان الصهيوني إلى الامتناع عن إقامة العرض العسكري في القدس ؛ لأن ذلك سوف يزيد من حدة التوتر في المنطقة، وسيكون له تأثير سلبي على التسوية السلمية، وطالب كيان العدو أن تمتنع عن القيام بالعرض العسكري.
كما أصدرت الجمعية العامة، كذلك، القرار رقم (2254) لعام 1968 الذي اعتبر جميع الإجراءات الإدارية والتشريعية التي قامت بها الكيان الصهيوني، بما في ذلك مصادرة الأراضي والأملاك التي من شأنها أن تؤدي إلى تغيير الوضع القانوني للقدس، إجراءات باطلة ولا يمكنها تغيير الوضع فيها.

  تهويد قطاع التعليم
منذ شهر آب / أوغسطس 1967 أي بعد شهرين من سقوط المدينة اتخذت حكومة الكيان الاسرائيلي عدداً من القرارات المتعلقة بقطاع التعليم في مدينة القدس والضفة الغربية المحتلة. حيث قررت فيما يتعلق بالقدس الإلغاء النهائي للبرامج التعليمية الأردنية التي كانت مطبقة سابقا في مدارس المدينة وإبدالها بالبرامج التعليمية المطبقة في المدارس العربية في الاراضي المحتلة سنة 1948. الا أن هذا الاجراء التعسفي لم يطبق على باقي مدن الضفة الغربية المحتلة، وانما تم الإبقاء فيها على البرامج والمناهج والكتب التعليمية الأردنية بعد فرض تعديلات على عدد من الكتب الخاصة بالتربية الإسلامية والتاريخ والجغرافيا وقد كان في ذلك إشارة واضحة على تفرقة سلطات الاحتلال المتعمدة ضد مدينة القدس عن باقي مدن الضفة الغربية.

كما سعت هذه السلطات لفرض البرنامج التعليمي الإسرائيلي بصورة تدريجية، مع تضييق الخناق على المدارس الخاصة (الأهلية) وذلك باصدارها " قانون الإشراف على المدارس رقم 5729 لعام 1969 والذي شمل الإشراف الكامل على جميع المدارس بما فيها المدارس الخاصة بالطوائف الدينية إضافة للمدارس الأهلية الخاصة.

كما فرضت على هذه المدارس وعلى الجهاز التعليمي فيها الحصول على تراخيص إسرائيلية تجيز لها الاستمرارية في ممارسة نشاطاتها، وكذلك الإشراف على برامج التعليم ومصادر تمويل هذه المدارس. عامدة في هذا السياق إلى تشوّيه الحقائق التي تضمنتها المناهج المقرة من قبلها، من ذلك الإساءة لديننا الحنيف وللأنبياء والرسل والحضارة العربية الإسلامية، وتزييف الحقائق التاريخية وطمس مادة العقيدة الإسلامية وتشويهها فرأت أن الإسلام هو " مجرد تربية روحية" وأن تاريخ الإسلام هو تاريخ فتن وكوارث وحاولت إقناع التلاميذ بالأفكار الإسرائيلية. وعملت على تغييب السور المتحدثة عن بني إسرائيل والفساد في الأرض أو السور والآيات التي تحث على القتال والجهاد واستبدالها بتدريس التوراة و"الأساطير اليهودية".

وفي مادة الأدب العربي تم تغييب دراسة الشعر العربي في الجزء المتحدث عن البطولات العربية وعن فلسطين واعتماد مواد خاصة بما يسمى الأدب الإسرائيلي كقصص وروايات إسرائيلية عن المحرقة وغيرها.

أما في مادة التاريخ فتم تقسيم المنهاج المعتمد بتخصيص نصف المناهج للتاريخ العربي كما يكتبه ويراه المؤرخين الإسرائيليين والنصف الآخر خصص للتاريخ العبري واليهودي.

واستكمالا لمشروعها التهويدي بدلت أسماء المناطق العربية بأسماء إسرائيلية مؤكدة ذلك في المناهج التعليمية، لترسيخ هذه الأسماء في أذهان الناشئة العرب. فكان أن حرفت أسماء المدن الفلسطينية الرئيسية من العربية إلى العبرية فأصبحت كما يلي:
  نابلس: شخيم وتعني في العبرية النجد.
  الخليل: هبرون وتعني الصعبة.
  بيت لحم: بيت لخم وتعني بيت الخبز.
  القدس: أورشليـم.

وفي دراسة للباحث طاهر النمري بعنوان (اضاءات على التعليم الفلسطيني في القدس) بيّن الباحث أن السلطات الإسرائيلية منذ احتلالها لمدينة القدس في عام 1967م وهي تسعى جاهدة إلى تقويض قطاع التعليم وربطه بجهات التعليم الإسرائيلي إشرافا وإدارة عبر سلسلة من الإجراءات والقرارات السياسية ومن أهمها ضم المدينة المقدسة بعد احتلالها مباشرة وإغلاق مكتب تربية وتعليم محافظة القدس ونقله إلى مدينة بيت لحم، مما افقد الجانب الفلسطيني حق الإشراف على المؤسسات التعليمية الرسمية والخاصة في مدينة القدس ومحافظاتها وتبع هذا القرار إصدار الحكومة الإسرائيلية قرارا آخر يقضي بتطبيق القانون الإسرائيلي مما أسمته قوات الاحتلال بالقدس الموحدة مما ترتب عليه إسرائيليا إلغاء العمل بقانون التربية والتعليم الأردني رقم 16 لعام 1967 والذي يحدد النظام التعليمي ويوجه المسيرة التعليمية ومؤسساتها التربوية واستبدالها بالتشريعات والنظم الإسرائيلية لإلحاق المدارس الحكومية الثانوية بجهاز المعارف الإسرائيلي إضافة إلى قرار ثالث أصدره ضابط التربية والتعليم في الحكمية العسكرية في بيت ايل (موقع عسكري يحتوي محكمة عسكرية يقع على الحدود الشمالية لمدينة رام الله) والذي يقضي بفصل مدينة القدس عن انتدابها في الضفة الغربية إداريا وماليا.

وفيما يتعلق بالقرار الإسرائيلي بالإشراف على جهاز التربية والتعليم الفلسطيني في المدينة المقدسة يرى النمري أن هذه المحاولة الجديدة تأتي استمرارا لمحاولات سابقة وتطبيقا لقانون إسرائيلي يحمل رقم 564 لعام 1969م والذي أصدرته الحكومة الإسرائيلية ووافق عليه الكنيست الذي يقضي بحق إشراف كل من وزارة المعارف الإسرائيلية على التعليم بالمدينة ومؤسساتها الرسمية وغير الرسمية وهذا القانون هو الذي يعتمد عليه الإسرائيليون في تبرير قرارهم الأخير بشأن السيطرة على جهاز التعليم الفلسطيني ومحاولة تهويده.

وقد بذلت سلطات الاحتلال في كافة مؤسساتها المحلية، الرسمية وغير الرسمية، سعيها الحثيث لتهويد التعليم والثقافة من خلال التأكيد على المحافظة على التراث والثقافة اليهوديتين ومحاربة اللغة العربية. وذلك استجابة لدعوات قادة الفكر الصهيوني المتطرف فبعد حرب يونيو/حزيران 1967 ذكّرت صحيفة "دافار" الصهيونية بدور، ما أسمته، الشبيبة الطلائعية المحاربة التي تأسست سنة 1948 في "مكافحة اللغة العربية من أجل تهويد أرض إسرائيل وإرجاعها الى سابق عهد الآباء والأجداد وتغيير المعالم الطارئة عليها من العرب ومن لغتهم الدخيلة".

وفعلا توالت المخططات الإسرائيلية لطمس معالم الثقافة العربية والإسلامية في المدينة والعمل على إحلال الثقافة العبرية مكانها.

إلا أن هذه الإجراءات قوبلت بالرفض من قبل المدرسين العرب وتلاميذهم فوقعت العديد من المواجهات مع قوات الاحتلال، بعد أن أضرب المعلمون و التلاميذ عن التوجه إلى المدارس التي اكتست بصبغة عبرية. وأدى ذلك إلى اعتقال عدد كبير من المدرسين والتلاميذ والأطر التعليمية. مما دفع بسلطات الاحتلال إلى فتح ست مدارس بالقوة خلال الأيام الثماني عشرة الأولى من بداية السنة الدراسية عام 1967-1968، كما عمدت إلى تعيين مدرسين جدد من حملة الشهادات الثانوية (البكالوريا) دون إن يكونوا مؤهلين للقيام بهذه المهمة، إلا أنها لم تتمكن من فرض إرادتها. واستمر هذا الإجراء أكثر من شهرين لتسمح بعد ذلك بتدريس المنهاج الأردني في المدارس الخاصة والمدارس التابعة لوكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين( اونروا)، في حين طبق المنهاج الإسرائيلي في العام الدراسي 1968-1969. وتم اعتماد المناهج الإسرائيلية المعتمدة في المدارس العربية داخل فلسطين المحتلة عام 1948 خاصة في المرحلتين الابتدائية والإعدادية وبقي هذا الحال حتى نهاية عام 1971.

أما في العالم الدراسي 1972-1973 فقد اتبعت السلطات الإسرائيلية سياسة أخرى وهي استمرار تطبيق المناهج الإسرائيلية في الصفوف الابتدائية، أما في الصفوف الإعدادية والثانوية فتم اعتماد مناهج معدة من المناهج الأردنية والمناهج الإسرائيلية.

وقد كانت تلك إشارة مهمة إلى أن سلطات الاحتلال لم تتمكن من تحرير المناهج التي أرادت، فتمت العودة للعمل في تدريس المناهج الأردنية في الضفة الغربية والقدس والمناهج المصرية في قطاع غزة، وذلك طبعاً بعد حذف كل ما يتعلق بتاريخ وحقوق الشعب الفلسطيني والنصوص المتعلقة بالصراع مع اليهود في الماضي والحاضر وآيات الجهاد والقتال وكل ما يشير إلى الوحدتين العربية والإسلامية، حتى الكلمات التي تشير إلى العزة والشجاعة فقد تم استبعاد كل ذلك بهدف عزل أبناء فلسطين عن قضيتهم وعن تاريخهم العربي الإسلامي المجيد وما فيه من بطولات وعبّر.

إلا أن عزوف التلاميذ المقدسيين عن الالتحاق بالمدارس الحكومية التابعة للحكم العسكري الإسرائيلي أدى بالسلطات الإسرائيلية إلى التراجع عن تطبيق المنهاج الإسرائيلي بشكل تدريجي في المرحلتين الابتدائية ثم الإعدادية وأخيرا الثانوية وقامت بإعادة تدريس المناهج الأردنية المطبقة في جميع إنحاء الضفة الغربية ولكن مع الإبقاء على حصة اللغة العبرية في جميع المراحل إضافة إلى تدريس عدد من الكتب الدينية الإسرائيلية وكان ذلك في منتصف ثمانينات القرن الماضي، أي في العام الدراسي 86-87.

وتقسم المدارس في مدينة القدس إلى ثلاثة أقسام حسب الجهة المشرفة عليها:
وهي مدارس حكومية تشرف عليها سلطات الاحتلال عبر ما يسمى" وزارة المعارف "من خلال بلدية القدس و المدارس الخاصة وتشرف عليها مؤسسات خاصة وإدارات أجنبية، وأخيرا المدارس التابعة لوكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين (الاونروا وتشرف عليها إدارة تابعة للوكالة ضمن اتفاق إسرائيلي مع الوكالة لإدخال التغييرات التي تقررها سلطة الاحتلال على المواد المدرسة فيها.

وتحتل منطقة القدس المركز الأول في النسبة التي يمثلها القطاع الخاص ويتمثل هذا الواقع في ارتفاع نسبة المدارس والطلبة والمعلمين في هذا القطاع عن نسبتها في كل المدارس الحكومية أو المدارس التابعة لوكالة غوث اللاجئين.

ويعود سبب ذلك إلى أن أهالي التلاميذ فضلوا تجنيب أبناءهم المدارس الحكومية الخاضعة لسلطة ومدارس وكالة الغوث، وتوجيههم نحو المدارس الخاصة التي تشرف عليها إدارات أجنبية وتدرس المناهج الخاصة ببلدانها (الفرنسية أو البريطانية أو الأمريكية) عبر عدد من المؤسسات الدينية المسيحية التي سمح لعدد منها أيضا تدريس المناهج الأردنية.

وقد أدى هذا الإقبال على المدارس الخاصة إلى قيام بعض الفعاليات الفلسطينية المقتدرة والحريصة على إبعاد الأجيال الفلسطينية الناشئة عن المخططات الإسرائيلية إلى إنشاء المزيد من المدارس الخاصة لاستيعاب اكبر عدد ممكن من تلاميذ أبناء منطقة القدس فيها بأسعار رمزية.

غير أن الإجراء الإسرائيلي في العام الدراسي 86-87 القاضي بالتراجع عن تطبيق المنهاج الإسرائيلي بشكل تدريجي في المرحلتين الابتدائية ثم الإعدادية وأخيرا الثانوية و إعادة تدريس المناهج الأردنية المطبقة في جميع إنحاء الضفة الغربية، أدى إلى عودة التلاميذ نحو المدارس الحكومية والمدارس التابعة لوكالة غوث اللاجئين وتناقص المدارس الخاصة، مع أن القطاع الخاص لعب دورا بارزا في مقارعة المناهج الإسرائيلية والمخططات الصهيونية.

التعليم في القدس بعد اتفاقية أوسلو:
تعيش القدس اليوم في وضع متأزم من جميع جوانب حياة سكانها وفي مقدمتها النظام التعليمي ومشاكله المتأصلة التي نجمت عن تراكم السلبيات على مدى سنوات الاحتلال على امتداد السنوات الدراسية 1967 – 1993.

وكان ابرز هذه المشاكل وأهمها محاولات حكومات الاحتلال المتكررة والمستمرة لفرض المناهج الإسرائيلية على مدارس القدس العربية التابعة لسلطتها من خلال بلدية القدس.

في العام 1993م تم التوصل الى إعلان المبادئ الفلسطيني الإسرائيلي الذي عرف باتفاق أوسلو أو اتفاق غزة أريحا أولا بعد محادثات سرية جرت في العاصمة النرويجية أوسلو وبشكل مواز لمحادثات واشنطن المنبثقة عن مؤتمر مدريد.

وتضمن إعلان المبادئ الذي وقع في 13/9/193 (17) مادة و(4) ملاحق ومحضر اجتماع تناولت مجموعة من القضايا كالحكم الذاتي وبروتوكول إعادة انتشار للقوات الإسرائيلية من قطاع غزة ومدينة أريحا وبروتوكول إسرائيلي فلسطيني في القطاعات الاقتصادية والتنمية.

وعن موقع القدس في اتفاق أوسلو فقد كانت المدينة ضمن الموضوعات التي تم تأجيلها إلى مفاوضات الوضع النهائي ليتم بحثه فيه، حيث ورد في المادة الرابعة من الإعلان المشؤوم انه تم استثناء الشطر الشرقي من القدس المحتلة عام 1967 من المناطق الخاضعة لسيادة السلطة الفلسطينية لكنه تم الاتفاق فيما بعد على أن يسمح لسكان القدس بالمشاركة في الانتخابات التشريعية الفلسطينية من خلال الإدلاء بأصواتهم في مكاتب البريد وان يكونوا ممثلين في المجلس التشريعي.
هذه الخطوات جعلت وزارة التربية والتعليم الفلسطينية تولي اهتماما بالغا لوضع التعليم في القدس الذي يشكل واحدة من ابرز هموم واهتمامات المسؤولين بالوزارة فتم إعداد التقارير لدراسة الوضع التعليمي في القدس خاصة في ظل المحاولات الإسرائيلية المستمرة لإلغاء المنهاج التعليمي العربي فيها والعمل على فرض المناهج الإسرائيلية بدلا منه.

ويلاحظ هنا أن عدد المدارس التابعة لسلطات الاحتلال ازداد عما كانت عليه قبل اتفاق أوسلو بأربعة مدارس في حين انخفض عدد المدارس الخاصة إلى 32 مدرسة بعد أن كان 56 مدرسة مع بروز المدارس التابعة لوزارة التربية والتعليم الفلسطينية التي أوكل الإشراف عليها لدائرة الأوقاف وذلك بعد أن قررت حكومة الاحتلال العام 1997 فرض برامجها على المدارس العربية في القدس الشرقية.

ففي 3 حزيران/ يونيو 1997 ذكر المتحدث باسم بلدية القدس هاغاي الياس لوكالة "فرانس برس" أن إسرائيل قررت فرض برامجها على المدارس العربية في القدس الشرقية بغية إنهاء تدخل السلطات الفلسطينية في النظام التربوي وان لجنة وزارية مختصة بشؤون القدس قررت حظر البرامج الأردنية في مدارس القدس الشرقية وإحلال برامج إسرائيلية مكانها".
وأضاف: "إننا نعلم أن المدرسين يستخدمون كتبا أردنية وهذا الأمر سوف يمنع، وسيستخدمون الكتب التعليمية التي يستخدمها العرب في إسرائيل وذكر أن اللجنة قررت تغيير البرامج من اجل منع أي تدخل من جانب السلطة الفلسطينية في إدارة وتنسيق مدارس القدس الشرقية".

كذلك صرح رئيس بلدية القدس – حينها- ( ايهود اولمرت ) بأن احد القرارات الهامة التي اتخذتها اللجنة الوزارية لشؤون القدس يقضي بأن تتولى دائرة التربية والتعليم التابعة للبلديات وحدها الإشراف على امتحانات التوجيهي ( البكالوريا) في القدس الشرقية بعيداً عن أي تدخل للسلطة الفلسطينية، وأكد انه تم تشكيل لجنة لتضع منهاجا في المدارس العربية بالقدس الشرقية شبيه بالمنهاج الحالي المطبق في المدارس العربية داخل إسرائيل.

أما "ديفيد بازايلان" الناطق باسم رئيس الوزراء الإسرائيلي (بنيامين ناتنياهو) في ذلك الوقت فقد قال "أن ثمة قلقا أساسيا يتمثل في المدارس العربية في القدس الشرقية التي ظلت تتبع المنهاج الأردني منذ عام 1967 مع تغييرات طفيفة وان هذه المدارس تستخدم خرائط لم يرد عليها كلمة إسرائيل وهو تعبير ضمني يرى في إسرائيل دولة غير شرعية".

وقد استهجنت السلطة الفلسطينية موضوع إحالة إشراف بلدية القدس على التعليم في القدس الشرقية باعتبار ان هذه القضية تربوية ولا يجوز تدخل البلديات فيها، حيث لا يتدخل في امتحان شهادة الثانوية العامة (البكالوريا) رؤساء بلديات في نابلس أو جنين أو خان يونس.

واعتبر مسؤول ملف القدس وعضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية –حينها – المرحوم فيصل الحسيني أن ايهود اولمرت يعود بالناس الى الوراء الى وقت سابق أي لعام 1967 حيث أجواء الحرب والكراهية وقال: "ان الاقتراح لا يدمر عملية السلام فحسب، وإنما يدمر أي نوع من الأمل في التعايش".

وردا على هذه الإجراءات الإسرائيلية أصدرت شبكة المنظمات الأهلية الفلسطينية بيانا جاء فيه:" إن القرار الإسرائيلي يعد منعطفا خطيرا في مسلسل تهويد القدس وتغيير معالمها وطابعها العربي ومن شأن تنفيذه أن يؤدي إلى هجرة آلاف الطلبة من المدينة.

إن معركة الدفاع عن عروبة التعليم في القدس هو مهمة كل المواطنين الفلسطينيين وكل المؤسسات الرسمية والأهلية.
وفي هذا الصدد تؤكد شبكة المنظمات الأهلية الفلسطينية على عدة نقاط منها:

  رفض القرار الإسرائيلي بفرض نظام التعليم اليهودي على مدارس القدس باعتباره قرارا غير شرعي، وبشكل خاص امتحان البجروت الإسرائيلي الذي يعني إعادة العمل بمنهاج إسرائيلي.
  العمل بكل الوسائل على عقد امتحانات التوجيهي "الثانوية العامة" في القدس وليس خارجها مهما كانت الضغوطات.
  رفض مبدأ الوصاية على شؤوننا التربوية والتعليمية في مدينة القدس المحتلة ومن حقنا إرجاع العصمة لاتخاذ القرار التعليمي لمؤسساتنا التعليمية التي أغفلتها حكومة إسرائيل في أعقاب حرب يونيو/حزيران عام 1967م.
  عدم الاعتراف بقانون 564 لعام 1969م الذي يمنح سيطرة وزارة المعارف الإسرائيلية ودوائر بلدية القدس على شؤون التعليم العربي لمدينة القدس العربية وفرض مناهجها التعليمية على مدارسها.

وفي 16/6/1998م ذكرت صحيفة القدس تحت عنوان (إسرائيل تتراجع عن فرض برامجها التعليمية في مدارس القدس الشرقية) "ذكرت الإذاعة الحكومية أن الحكومة الإسرائيلية تراجعت في الوقت الراهن عن فرض البرامج المدرسية الإسرائيلية على الفلسطينيين في القدس الشرقية وقالت الإذاعة "إن حكومة بنيامين نتنياهو أخذت بالاعتبار تحذيرات أجهزة الأمن التي أبدت خشيتها من وقوع أعمال عنف إذا طبقت إسرائيل مشروعها في الوقت الراهن". وتعطي البرامج الإسرائيلية مكانا طاغيا للتاريخ اليهودي إضافة إلى اللغة العبرية ويكاد ينعدم فيها أي ذكر للتاريخ الفلسطيني".

وفي العام الدراسي 1999/2000م عملت سلطات الاحتلال على فرض المنهاج التعليم الإسرائيلي على 34 مدرسة في القدس المحتلة تخضع لإشراف دائرة المعارف في بلدية اولمرت وقد قررت البلدية كخطوة أولى حصر جميع الكتب التي تدرّس في مدارسها بمطابع خاصة داخل الكيان الإسرائيلي للحيلولة دون قيام السلطة الوطنية الفلسطينية بوضع شعارها بعد الطباعة والتغيير في بعض المفاهيم وحذف كلمة فلسطين أينما وجدت واستبدالها بكلمة (إسرائيل) وكذلك حذف كل ما يتعلق بالهوية الفلسطينية والأمة العربية.

ولا تزال حكومة الاحتلال الإسرائيلي حتى يومنا هذا تلوح بفرض مناهجها التعليمية في المدارس العربية في مدينة القدس الشرقية هادفة من وراء ذلك كله إلى تعميم العدمية القومية في مجالات الانتماء للقيم التراثية والحضارية والوطنية العربية.

  تهويد القضاء
نهجت سلطات الاحتلال الصهيوني في مجال القضاء، نفس التيار الذي اتبعته في تهويد قطاع التعليم، حيث أدركت خطورة القضاء وما يتمتع به من نفوذ بين رجال القانون والدين على حد سواء، وهو ما ترفضه السياسة الصهيونية شكلاً وموضوعًا. وعلى هذا الاتجاه اتبعت سياسة دمج القضاء في القدس بالقضاء الصهيوني، من خلال إصدار قانون خاص بذلك (رقم 39)، بنقل محكمة الاستئناف من القدس إلى مدينة رام اللـه، كما أصدرت قرارًا بإلغاء المحكمة الابتدائية في القدس. وقامت أيضًا بفصل جميع المحاكم النظامية في القدس عن النظام القضائي في الضفة الغربية، وقامت أيضًا بفصل جميع المحاكم النظامية في القدس عن النظام القضائي في الضفة الغربية، حيث ظلت تلك المدن والقرى بالضفة الغربية تعمل في ظل النظام القضائي الأردني، بينما اتبع القضاء الصهيوني في مدينة القدس، وقد اتّبِعت لذلك العديد من الخطوات منها:

أ - نقل دفاتر المحاكم السجلات وأثاثها إلى المحاكم الصهيونية.

ب - إصدار تعليمات إلى القضاء والجهاز المعاون له بتقديم طلبات الالتحاق إلى وزارة العدل الصهيونية.

ج - رفض الاعتراف بأي أحكام تصدر عن المحاكم الشرعية في القدس، ونفى رئيس المحكمة الشرعية في القس، وإعطاء صلاحيات المحكمة الشرعية في القدس إلى المحكمة الشرعية بيافا.

د - إيقاف كل القرارات الصادرة عن دائرة المحاكم الإسلامية، وتجاهل ما يدور في الأوقاف الإسلامية.

هـ - إصدار وزير الأديان الصهيوني قرارًا ينص بعدم شرعية المحكمة الشرعية في القدس من الناحية القانونية في الدولة.

  قرارات دولية جائرة
يواصل العدو الصهيوني بأشكاله وألوانه، متطرفين وغير متطرفين ارتكاب الجرائم بحق مدينة القدس، وبأساليب وأدوات مختلفة يجعلها غير قابلة للحل والتفاوض أو الاتفاق كما يعلن ذلك صراحة حكام الكيان الصهيوني.

ومنذ أن احتل الصهاينة القدس الغربية في حرب 1948، صدرت القرارات الدولية من هيئة الأمم المتحدة والمنظمات التابعة لها مثل قرار مجلس الوصاية التابع للأمم المتحدة رقم 114 في 20 من كانون أول/ديسمبر عام 1949، والقاضي بإبطال إعلان إسرائيل القدس عاصمة لها، ومن ثم أصبح المركز القانوني للجزء الغربي من القدس والذي احتلته إسرائيل عام 1949، من قبيل الأراضي المحتلة التي تخضع لاتفاقية جنيف الرابعة.

ولكن بعد أن تم توقيع اتفاقية هدنة إسرائيلية أردنية عام 1949 تأكد تقسيم المدينة واقعياً بين الطرفين، ولكن إسرائيل عبرت عن أطماعها التوسعية وأعلنت أن حرب عام 1948 قد بدلت عناصر جديدة مما أقرته المنظمة الدولية عام 1947، إلى أن أصدرت هيئة الوصاية التابعة للمنظمة الدولية نظام الإدارة الدولية الخاص بالمدينة المقدسة في نيسان/أبريل عام 1950، هذا بالنسبة للجزء الغربي للمدينة من حيث الوضع القانوني.

أما بالنسبة للوضع القانوني للجزء الشرقي، فيعد منذ عام 1949 حتى عام 1950 أرضاً فلسطينية ضُمت على أنها وديعة إلى الأردن. وفي عام 1950 حدث تطور آخر، فلم تكتف إسرائيل بما اغتصبته من القدس في إطار ما أسمته "التقسيم الفعلي"، وأعلنت في 23 من كانون ثاني/يناير عام 1950 أن القدس كلها وبدون تحديد هي عاصمتها السياسية، فما كان من الحكومة الأردنية إلا أن قررت هي بدورها إتباع سياسة "الأمر الواقع"، فضمت المناطق التابعة لها في القدس وضواحيها وفي الضفة الغربية من الأردن إلى المملكة الأردنية في 22 من نيسان/أبريل عام 1950، واستمر هذا الوضع حتى عام 1967 حيث تم احتلال القدس الشرقية، فأصبحت أرضاً محتلة مثل سابقتها ــ القدس الغربية ــ خاضعة لاتفاقات جنيف.

ومنـذ عـام 1967 حـاولت إسـرائيل تطـبيق مـزاعمها تجاه القدس عبر جملة مـن السياسات والإجراءات والقوانين التي هدفت إلى خلق وقائع مادية لتغيير الوضع القانوني للمدينة المقدسة بما يخدم المخطط الصهيوني الرامي إلى تهويدها، وبكلمات أخرى إدخال تغييرات جوهرية على التركيب السكاني والوضع الجغرافي والإداري والاقتصادي، لتحويل الفلسطينيين في القدس إلى "أقلية هامشية تختفي تدريجياً"، بينما يتعزز الوجود اليهودي في المدينة. وفي الحقيقة شـملت السـياسات والإجراءات الصهيونية كافة أوجه الحياة واتخذت جميعها طابعاً عنصرياً.

اعترض العرب على هذه الإجراءات وأوصلوا شكواهم إلى هيئة الأمم المتحدة، فأصدرت الهيئة قرارات بتاريخ 1967/7/4 و1967/7/14 اعتبرت بموجبها الإجراءات الصهيونية باطلة، وطالبت بإلغائها والعدول فوراً عن اتخاذ أي عمل من شأنه تغيير الوضع في القدس.

وتُعد هذه القرارات، وقرارات مماثلة بشأن القدس أوضح تعبير عن حظر ضم الإقليم المحتل وفرض السيادة الصهيونية عليه أو اتخاذ أية تدابير ذات طابع سيادي ؛ لأن سلطة المحتل على الأراضي هي سلطة مؤقتة بحكم الأمر الواقع ويمكن اعتبارها حقاً "مشروعاً".

وقد جاء القرار الدولي رقم 252 ليستنكر إقدام إسرائيل على ضم القدس، وليؤكد عدم مشروعية الإجراءات ووجوب المحافظة على وضع القدس.

ومع ذلك لم تأبه إسرائيل بموقف الأسرة الدولية وتمادت في إجراءاتها غير القانونية بشأن القدس لتبلغ ذروتها في عام 1980، عندما أقر الكنيست الصهيوني قانوناً "أساسياً" يعلن أن القدس هي العاصمة الموحدة لإسرائيل، مما دفع مجلس الأمن مرة أخرى إلى إصدار القرار رقم (478) في (20 من آب/أغسطس عام 1980)، وأهم ما جاء فيه: التأكيد على أن "مصادقة إسرائيل" على القانون الأساس للقدس، الذي أصدره الكنيست تشكل انتهاكاً للقانون الدولي، وتؤثر على انطباق اتفاقية جنيف الرابعة على جميع الأراضي المحتلة بما في ذلك القدس، وأكد القرار على عدم الاعتراف بــ "القانون" وغيره من أعمال الصهاينة التي تستهدف تغيير معالم القدس ووضعها.

  تعددت التسميات والقدس واحدة
قبل الاحتلال البريطاني البغيض لفلسطين (سنة 1917م) لم تكنْ هناك سوى قدس واحدة، هي تلك التي تحيط بها أسوار سليمان القانوني التي بناها السلطان الكبير في منتصف القرن العاشر الهجري، إضافةً إلى مجموعة من الأحياء أقامها العثمانيون خارج سور القدس في الشمال والشرق والجنوب، مثل حي الشيخ جراح في الشرق، وحي المسعودية في الشمال...
وفي أثناء الاحتلال البريطاني تلاعب المندوبون الساميون بالحدود البلدية للمدينة المباركة، فركَّز رسمهم لحدود بلدية القدس على التوسّع جهة الغرب عدة كيلومترات؛ حيث الكثافة السكانية لليهود أعلى، أمّا في الجنوب والشرق حيث السكان عرب فلم يتجاوزْ الامتداد بضع مئات من الأمتار، فمُنِعت قرى عربية كبيرة من الدخول ضمن الحدود البلدية للقدس، وهي قرى: الطور، ودير ياسين، وسلوان، والعيسوية، والمالحة، وبيت صفافا، وشُعفاط، ولَفتا، وعين كارم.

هنا ظهرت القدس كمدن عدّة لا كمدينة مسلمة واحدة:
 فـ"القدس القديمة" أو العتيقة هي تلك الموجودة داخل سور سليمان القانوني، ومساحتها 8،71 دونماً (الدونم= 1000م2)، وطول السور 4،20كم2، وتقوم على أربعة جبال هي: جبل الموريا، وجبل صهيون، وجبل أكرا، وجبل بزيتا، ويوجد الحرم القدسي الشريف في الجنوب الشرقي للقدس القديمة فوق جبل الموريا.
 و"القدس الشرقية" هي القدس القديمة نفسها مضافاً إليها الأحياء التي زادها المسلمون خارج السور، مثل حي الشيخ جراح، وحي باب الساهرة، وحي وادي الجوز. وقد ظهر هذا المصطلح مع احتدام الصراع بين المسلمين واليهود في فلسطين قبل قيام الكيان الصهيوني، فقد تركّز العرب في شرق المدينة بأغلبية كبيرة، في حين تركّز اليهود بأغلبية ساحقة في غربها، فسُمِّي القسم الشرقي بـ"القدس الشرقية"، وأُطلق على الجانب الغربي اسم "القدس الغربية".
 و"القدس الغربية" هي القدس الجديدة التي نشأت في ظلّ الانتداب البريطاني على فلسطين؛ لتستوعب الهجرات اليهودية المتتالية، وقد اتسعت اتساعاً كبيراً، وضمّها البريطانيون إلى الحدود البلدية للقدس عام 1946م، فصارت مساحة القدس كلها 19000كم2؛ أي أكثر من عشرين ضعفاً من القدس العتيقة.
 و"القدس الموحدة" مصطلح يستعمله اليهود دلالةً على القدسيْن معاً (الشرقية والغربية)؛ لأنّ المدينة انقسمت عقب حرب سنة 1948م، فسيطَر الصهاينة على الجانب الغربي منها، واحتفظ الجيش الأردني بقيادة عبد الله التل -رحمه الله- بالجانب الشرقي، وحين سيطر اليهود على القدس كلّها يوم 7 يونيو سنة 1967م وحَّدوا المدينة وأصرّوا على فكرة "القدس الموحدة عاصمة أبدية لـ(إسرائيل)!!.
 و"القدس الكبرى" هي القدس الموسَّعة التي يحاول الصهاينة بها صنع هوية للمدينة تنمحي معها هويتها الإسلامية، فتبدو الأغلبية السكانية اليهودية كاسحة، وتصبح مساحة الأرض التي يسيطر عليها العرب صغيرة جدّاً بالنسبة لما يسيطر عليه اليهود.

ويستهدف مشروع القدس الكبرى تطويق الأحياء العربية في المدينة القديمة، وفصلها عن الأحياء العربية القائمة خارج السور؛ لإجبار العرب على معيشةٍ صعبة تذوب هويتهم معها، أو يضطرون إلى الهجرة من بيوتهم وأوطانهم.
وأيا كانت الأسماء والمسميات، فإنّ القدس بقديمها وجديدها وشرقها وغربها ، كانت وستبقى أبد الدهر، مدينة عربية إسلامية.

ونعرف الآن أن ما يزيد عن ستين عاما من جهود تكريس معالم هذه النكبة، فشلت في تحقيق هدف إزاحة مكانة القدس فلسطينيا، وعربيا، واسلاميا

إن معركتنا مع العدو الصهيوني معركة طويلة بدأت منذ أكثر من مائة عام وربما تستمر لبضعة عقود قادمة. وإن سنة التغيير في الكون وسنة التدافع بين الأمم وسنن النصر كلها تقتضي منا أن نبقى مؤمنين باللّه أولاً ثم بحقنا في تحرير أوطاننا ومقدساتنا، والعمل الدؤوب في سبيل ذلك بالكلمة المقاتلة والمساندة الفعالة والجهاد بمـختلف صـوره إلى أن يـأذن اللّـه بالنـصر مـن عنـده: وما النصر إلا من عند اللّه ، ولينـصرن اللّـه مـن ينصـره إن اللّه لقوي عزيز ، واللّه غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون .

سياسات صهيونية شرسة لتهويد حضارة و تراث القدس الشريف

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى