الثلاثاء ٢٢ أيار (مايو) ٢٠١٢
بقلم عادل عامر

انحراف من عارض الشرع بالعقل

قد ضل في ذلك فئات كبيرة من الناس في الماضي والحاضر، وهذه بعض النماذج في التعامل بين العقل والنقل: تمجيد العقل والبعد عن النص: المعتزلة نموذجا: قدم المعتزلة العقل على النصوص الشرعية، ومن أجل ذلك بدؤوا في تأويل الآيات المحكمة لتناسب عقولهم، ثم رفضوا الأحاديث الصحيحة إذا تعارضت مع عقولهم، وقد اشتمل منهجهم العقلي على خطوتين: الأولى هي: تطهير الفكر من الإلف والعادة. والثانية هي: تحكيم العقل تحكيما مطلقًا،فجعلوا العقل هو الحكم الذي يحكم كل شيء والنور الذي يجلو كل ظلمة، وبسبب أم يرجعون إلى عقل الواحد منهم اختلفوا اختلافًا كبيرا فيما بينهم، وتطاولوا على الصحابة إذا لم يقولوا بقول عقولهم؛ فبعدوا عن النص وبعدوا عن الاستنارة بنور الوحي، سموا بالمعتزلة لاعتزال "واصل بن عطاء " حلقة "الحسن البصري " بسبب خلافه معه في الموقف من مرتكب الكبيرة،- وهم فرق عديدة، أوصلها بعض المصنفين في الفرق إلى عشرين، أشهر رجالهم "واصل بن عطاء " و"عمرو بن عبيد " و"أبو الهذيل العلاف " و"الجاحظ " و"الجبائي " و"القاضي عبد الجبار " وغيرهم. غرور العقل: الفلاسفة نموذجا: ما ظنوه حكمة من كتب المنطق والفلسفة اليونانية ثم حاكموا النصوص المحكمة إلى فهمهم للمنطق والفلسفة التي يظنوا حكمة، وابتدعوا بعقولهم قواعد أعجبوا حتى حاكموا الوحيين إليها فما وافقها أخذوا به وما خالفها أعرضوا عنه أو نفوه أو أولوه؛ إذ إن العقول المغرورة لديهم هي المرجع في الحكم، وإليها يؤول الأمر؛ إذ أم اغتروا بعقولهم وأعجبوا فاضطربوا وتخبطوا وتناقضوا وتفرقوا، ورجع كثير ممن كان ذو دين منهم عن ذلك سير على خطى الضلال.. العصرانيون أو التنويريون نموذجا: العصرانيون لا نعني أم مجرد الانتماء إلى هذا العصر، ولكنها حركة سعت إلى تطويع مبادئ الدين لقيم الحضارة الغربية ومفاهيمها، ومن ثم إخضاع الدين لتطورات هذه الحضارة، ووجهة نظرها في شؤون الحياة، فهم يرون أن التقدم العلمي والثقافة المعاصرة يستلزمان إعادة تأويل التعاليم الدينية التقليدية على ضوء المفاهيم الفلسفية والعلمية السائدة، وهم امتداد لفكر المعتزلة في تقديم العقل على النقل؛ لذا أكثروا من مدحهم، وامتداد للمدرسة الإصلاحية التي أرادت أن تلعب دور "لوثر " و"كلفن " زعيمي "البروتستانت" المسيحية في إرادة وضع وتأسيس دين حديث للمسلمين، وامتداد للحركة التغريبية التنصيرية التي تسمى تبشيرا أو استشرافا، فقد قدموا عقولهم فشككوا في القرآن و السنة، ودعوا إلى تطوير الدين، وتنحية الشريعة، وفصل الدين عن الدولة، والدعوة إلى وحدة الأديان، والتجديد في الفقه بل وأصوله، وتقديس العقل وتقديمه على النص. تمجيد العقل والتجربة وإلغاء الغيبيات: المادية البحتة (التمتع الغربي) نموذجا: فيعتبرون الغيب نقصا والتعلق به تعلق بالخرافة!!، وكل واقع يمكن إدخاله في المعمل وعمل التجارب عليه للتأكد منه!!، ويعلم العقلاء منهم ضعف حجتهم؛ إذ إن ما أدخلوه المعمل يعرف عقلاؤهم أن ما عرفوه عنه أقل بكثير مما يجهلونه عنه، ولا زال في علم الغيب بالنسبة لهم، وأن غاية ما يدعون أنه خرافة هو ما لا يعرفونه، ولذا تجد فريقًا منهم نظرا لهذا التطرف يتجه مباشرة للتطرف الآخر وهو إلغاء العقل وتمجيد الخرافة أو إنكار حقائق العقل والحيرة والاضطراب كالسفسطائيين، وهو ما سيأتي بيانه - إنكار حقائق العقل.. السفسطائيون نموذجا: لم يكن السفسطائيون مدرسة فلسفية و لكنهم كانوا طبقة من المعلمين الرحل، منتشرين في بلاد اليونان في القرن الخامس قبل الميلاد، و كانوا يتخذون لهم طلابا و يتقاضون أجرا على تدريسهم، يقول بعضهم: "ليس من المهم أن تعلم شيئًا عن الموضوع لتجيب، فلا تحتل الحقيقة المرتبة الأولى في اهتماما أم"، كان هؤلاء المعلمون يدرسون كيف تكسب خصمك بكل وسيلة، خاصة بخداع المنطق وتمويه الحقيقة، ومن أجل ذلك سمي اللعب بالألفاظ "سفسطة". اتجه السفسطائيون بعنايتهم إلى الحياة العملية ولم تعد الفلسفة النظرية تحظى باهتمامهم، و المحور الذي دارت حوله فلسفة السفسطائيين جميعا هو العبارة الشهيرة:" الإنسان مقياس كل شيء"، و نفي أي وجود خارجي مستقل عما في أذهاننا.. فما

تراه هو حقيقي بالنسبة لك حتى لو خالف ما يراه الآخر الذي يكون حقيقيا بالنسبة له أيضا، ووصل بنظريته إلى منتهاها فقال باستحالة وجود الخطأ. وقالوا: "لا شيء موجود " و "إن وجد شيء فلا يمكن أن يعرف" و "إذا أمكن أن يعرف فيستحيل إيصاله للغير"، و كانت النتيجة الحتمية لهذه الفلسفة أن الحق نسبي ولا يوجد قانون أخلاقي عام، وليس للسفسطائيين تعاليم فلسفية إيجابية،و لكن من نتائج هذه الفلسفة إكبار شخصية الفرد، وألا تفرض عليه الآراء فرضا، و لكنهم أهملوا الحقيقة الخارجية المستقلة عن الإنسان نتيجة لسوء الاستدلال، فوصلوا للشك الذي دعاهم إلى الدعوة إلى الشيء ونقيضه، وإنكار الأسباب والحقائق، فليس هناك سبب، وما تراه ليس بالضرورة حقيقة؛ إذ الحقيقة ذاتية لا موضوعية كما تقدم، وكلامهم أشبه ما يكون بكلاما أنين وهذيان السكارى، وإن اعتقدوا ذلك حكمة وذكاء وعمقًا في الفهم، وكان من أسباب انتشارها خاصة في السفسطائيين الجدد ردة فعل للمادية الموغلة وللخرافيين الحمقى، فأنكروا هم أيضا الحقائق المادية، مع إنكارهم للحقائق الروحية، وللسفسطة تمثيلها في كثير من العلوم الحديثة، ولها تطبيقا المختلفة في الفكر والفلسفة. إلغاء العقل وتمجيد الغيبيات.. الخرافيون نموذجا: كردة فعل لتمجيد العقل وإلغاء الغيبيات والروحانيات والتعاملات المادية البحتة ظهر الاتجاه الخرافي الذي يمجد الروح والغيب ويلغي الفهم والعقل، فأحوالهم مبنية على ذهاب العقل كالوجد والوله والسكر التي يعبرون في ذات الله، ونصوصهم مبتوتة العلاقة بالعقل، فهم يحدثون بقلم عن الله بلا واسطة، وفهمهم بعيد عن العقل فمعاصيهم عبادة، والواقع السيئ إرادة من الله لا يجوز تغييره، والقرآن له تفسير ظاهر وباطن، والحديث إنما هو للتبرك، وبحديث يحكمون على الأحاديث، الله لديهم في كل مكان، والولي لدى بعضهم خير من النبي، فهو - أي الولي - إذا أراد شيئًا فإنما يقول له كن فيكون، كرامات أوليائهم مبتوتة عن العقل؛ فربما كان من الكرامات أن يخطب عريانا!! أو أن يأتي حمارا عيانا، العبادات إنما هي للعوام بينما خواصهم لهم أحوالهم الخاصة، وربما سقط عن خواصهم التكليف لبلوغه اليقين، يلغون العقل بالتهويل والتعظيم للمشايخ وادعاء حب وآل بيته، إن أنكرت عليهم أخطاءهم الواضحة بالنص أو بالعقل فأنت لا تحب الرسول الرسول ولا تقدر آل البيت ولا الصالحين، وإن رأيت أهمية إصلاح الأوضاع فأنت لديهم مخالف بعقلك ومعترض على إرادة الله، إن وحدت الله وطلبت منه وحده ولم تدعو غيره من حي أو ميت فأنت لا تقدر لديهم لأهل الفضل فضلهم، وبالجملة فهم هدموا النص والعقل في طريقهم - كما يزعمون - لإعلاء شأن الروح والغيب. إيمان بالنص واحترام للعقل.. الإسلام الحق نموذجا: فللنص توقيره واحترامه ولا يجوز التقديم بين يديه، ولا يخالف النص العقل البتة، ومن ظن أن هناك تعارض بين عقل صريح ونقل صحيح إنما أتي من ضعف علمه إذا ظن الدليل صحيحا أو من ضعف عقله إذا فهم فهما سقيما، فلا هداية بلا نقل، إذ به عرفت الشرائع والحلال والحرام، ولا يكلَّف المكلف ما لم يكن يملك العقل؛ فالنص لا يمكن أن يفهم بدون عقل، والتكليف لا يصح بلا عقل، وكل حال فقد العقل فهو ناقص، كما أن العقل لا يمكنه أن يستقل بمعرفة الحق والخير عن الوحي، فالعقل يجب أن يكون تابع لقائد له هو الوحي أو النص. هل هناك ضوابط لحرية الفكر ؟ العقل والفكر يحتاجان إلى مساحة ليتحركا فيها، وعلى قدر هذه المساحة تصبح حرية الفكر وبقدر الحواجز الفكرية وضيق مسافة الحركة بقدر تقييد الفكر، والأصل في الإسلام حرية الفكر، وإنما يقيد عن آلات التي لا يعرفها ولا يحسنها، ويطلق فيما عدا ذلك، بل ويأمر المسلم بالتدبر والتفكر والتفقه، وهنا يطرح سؤال: هل هناك حرية مطلقة للفكر بدون ضوابط في أي شرع أو في أي بلد ؟، الذي يبدو أنه ما من شرعة في الدنيا ولا بلد في الدنيا إلا ويضع قيود على حرية الفكر إذ لا يمكن أن يترك العقل بدون أي ضوابط، ثم أي عقل هو الذي يرجع إليه، ولتوضيح ذلك نضرب الأمثلة التالية:

المثال الأول: نص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر في العاشر من ديسمبر عام ١٩٤٨ م في المادة رقم ( ٢٩ )، على أن "يخضع الفرد في ممارسة حرياته وحقوقه للحقوق التي يعينها القانون ".

المثال الثاني: نص إعلان حقوق الإنسان الفرنسي في حرية التعبير في المادة ( ١١ ) منه؛ حيث نصت على أن "لكل مواطن الحق في حرية التعبير والكلام والكتابة والنشر، على أن يكون مسئولًا عن ذلك في الحدود التي يضعها القانون". المثال الثالث: "الولايات المتحدة الأمريكية " لا تسمح بقيام حزب شيوعي ولا بحرية الدعوة إلى الشيوعية.

المثال الرابع: بريطانيا لا تسمح بالدعوة إلى إلغاء النظام الملكي.
وهكذا جميع الدول الغربية تضع قيودا على الحرية. إذًا فكل الدنيا تضع حدودا وضوابط للعقل البشري، وإن اختلفت في شيئين رئيسين هما:

ما هي هذه الضوابط؟

وما مرجع وضع هذه الضوابط؟

وقد تحدثنا عن مرجع الفكر لدينا نحن المسلمون، وهو السؤال الأول والأخطر، وتحدثنا عن التخبطات التي قد تسمى عقلية أو تنويرية وهي أقرب إلى التخبطات الذهنية والشطحات العقلية، والآن نتحدث عن ضوابط حرية الفكر وضوابط تسويقها لدى أمم العالم ولدينا نحن المسلمون في شرعنا فوضى حرية الفكر بدون دين! في إحصائية في أمريكا عن من يحدد المبادئ والأخلاق جاءت الأرقام كالتالي: ٩٣ % ليس هناك شخص يحدد الشيء الأخلاقي في حيام، بل هم يقررون ذلك بناءً على خبر أم وأهوائهم ٭ بل أحيانا نزوام. ٨٤ % لديهم استعداد لمعارضة التعاليم الدينية الموجودة في ديانام. ٨١ % خالفوا فعلًا بعض التعاليم الدينية لا خاطئة من وجهة نظرهم. ٭

وقع من خالف الشرع بما يظن أنه عقل في مزالق كثيرة منها:

١- مضاها أم لإبليس: [ حيث عارض أمر الله بعقله.. (قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين) [ص: ٧٦

٢- مشاة الكفار في اعتراضهم على الشرع: مثل قول الله - سبحانه وتعالى- حكاية عنهم: (وقالوا لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين [ عظيم) [الزخرف: ٣١

٣- إتباع الهوى:
قال الله - عز وجل- : (فإلم يستجيبوا لكم فاعلموا أنما أنزل بعلم الله وأن لا إله إلا هو فهل أنتم [ مسلمون) [هود: ١٤

٤- وقوعهم في الشك والحيرة والتخبط.

انحراف من ألغى العقل: كردة عكسية لتمجيد العقل، وقع آخرون في خطأ لا يقل فداحة عن الأول وهو إلغاء العقل وعدم الاعتراف بدلالته، إذ العقل لديهم مما يبعد عن الله وصرف عن القلب وجمعيته على الله، فابتعدوا بآرائهم وأحوالهم عن العقل، فانحرفوا إلى الخرافة، وابتعدوا عن الشرع، فأصبحوا لا ينظرون إلا إلى الأحوال القلبية وإلى التكاشفات الروحية، ويرون أن المقامات الرفيعة والأحوال العالية لا تحصل إلا مع عدم العقل، فمجدوا السكر والجنون والوله، وبالغوا فيها حتى أصبح كلامهم كله خرافات، وأحوال وتكشفات لا تفهم بالعقل بل قد تخالفه وتضاده، عند ذلك خالفوا الشرع والعقل؛ إذ الشرع لا يفهم إلا بعقل، ولا يصح التكليف إلا بالعقل.

ضوابط حرية الفكر في الأنظمة العالمية:

عندما يتحدث عن ضوابط حرية الفكر وحرية تسويقه في العالم فأم يتحدثون عن الضوابط التالية:

١- القانون والنظام العام:

كما نص القانون العالمي لحقوق الإنسان الذي ذكرناه سابقًا، ولكن يبقى السؤال عن أي قانون نتحدث؟.. القانون الأمريكي، أم المصري، أم الروسي...؟ أم ترك ذلك لكل دولة أن تحدد القانون الذي يضبط ذلك؟! ويبقى أننا نحن المسلمون نرى كفر تحكيم غير شرع الله، وصدق الله: (أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون)[المائدة: ٥٠] ، ثم إذا لم يكن الاهتداء بوحي ونور الله فهي تخبطات العقل فيما لا يستطيع أن يبلغه.

٢- السلامة العامة والصحة العامة:

إذ إن سلامة أموع وصحتهم أولى من سلامة الفرد وصحته ورأيه، وهو قريب إن لم يكن نفس حد من عبر عنه بأن حريتي تنتهي عند حرية أو حقوق الآخرين، وسيأتي الكلام عنها.

٣- الآداب العامة والنظام الاجتماعي:

ثم اختلفوا ما هي الآداب العامة أو النظام الاجتماعي؛ فهي تختلف من دولة إلى دولة، ومن شعب إلى شعب، ومن ذوق إلى ذوق؛ مما يجعل حد مثل هذا أقرب ما يكون للكلام منه للواقع، فمن الحرية لدى بعضهم الأفكار التي ترتبط بالشذوذ الجنسي، ومن الحرية لدى بعضهم تسويق الأفكار المرتبطة بالسرقة أو النهب أو...، فماذا يضبط أن ذلك من الآداب العامة أم لا إلا القانون سواءً كان قانونا وضعيا حسب الأهواء أو قانونا شرعيا مستنير منور من الوحي؟

٤- حد الأمن القومي:

فهذا حد لحرية الفكر لديهم، ويكفي أن نمارس الإرهاب بتسمية ما لا نريد أو ما يخالف أفكارنا إرهابا، ولنا بعد ذلك أن نصادر رأيك إن لم نصادرك أنت، ولدينا مستند فلقد تعديت على الأمن القومي، ولذا تمنع أمريكا الدعوة إلى الاشتراكية أيام الحرب الباردة، كما تمنع الدعوة إلى الله باسم الحرب على الإرهاب لحماية الأمن القومي!!، أما ما هو الإرهاب؟ وما حدوده؟ فليس لك الحق في مناقشة ذلك، فقتل الأطفال والنساء في البيوت بل قتل شعوب كاملة محافظة على الأمن، وقتل أو جندي محتل إرهابا يجب مقاومته!!

٥- حد حرية الآخرين:

فحريتي تقف عند حرية الآخرين، وحتى عند الاتفاق على هذا الحد، فقد يختلف الناس في حده، فأين تقف حريتي مع حرية الغير فغلَّب قوم وركزوا على الحرية الفردية، فأعطوها حدود ما كانت لها أن تبلغها دون اعتبار لصالح التمع، فالبقاء للأقوى والأصلح ولنجعل الحياة تنتخب طبيعيا فارسها؛ فتحولت الحياة إلى غابة كبيرة، وبقدر ما تستطيع أن تأكل منها وتنهش فافعل، وغلَّب قوم آخرون حرية

اطمع حتى ألغوا حرية الفرد بل وألغوا صفاته الفطرية الطبيعية التي خلقها الله فيه وعاملوه كآلة تخدم

اطمع، كأنه ليس له تطلعات، فهدموا الفرد وحريته وبالتالي هدموا اطمع وحريته.

الضوابط الشرعية لحرية الفكر:

لا يمكن الحديث عن الضوابط الشرعية للأفكار وتسويقها بمعزل عن التأكيد على أن مرجعية صواب الفكرة من عدمها ترجع للشرع كما تقدم، وغاية ما سنذكره هنا خطوط عريضة في ضوابط الأفكار وتسويقها ويبقى لكل فكرة خصوصيتها التي يجب الرجوع فيها إلى المراجع الشرعية من أجل الخروج بحكم شرعي خاص فيها، ومن الضوابط العامة:

التفكير فيما لا يدركه العقل:

فللعقل حدوده التي إن تجاوزها دخل في عوالم لا يدركها ولا يعقلها، فأي عقل يمكن – والعياذ بالله – أن يكتشف صفات الله أو أن يعرف كنهها وإن كان ولا شك يفهم معناها، وأي عقل يستطيع أن يعرف أخبار أو كنه حياة البرزخ أو الجنة والنار أو ما شابه ذلك، ولذا كان العلماء يسمون هذه القضايا بالسمعيات، إذ مبناها على السمع والنقل لا على الرأي والعقل.

مخالفة النقل الصحيح أو ثوابت الدين:

سبق أن العقل الصريح لا يعارض النقل الصحيح بحال من الأحوال، ولا يمكن تخيل الخلاف بينهما، لكن إن ظن شخص أما اختلفا في نظره وعقله وفهمه، فيجب عليه التأكد من أن النقل صحيح وفهمه له صحيح، فإن ثبت ذلك فلا يمكن أن يخالفه العقل و إلا كان ما يراه صاحبه عقلًا هو مجرد رأي خال من العقل، وكل من قال قولًا وسماه عقلًا تجد أنه يمكن أن يقال عكسه ويمنطق بطريقة أخرى ليقال: بل هذا هو العقل، فلا يوجد ما لا يمكن منطقته بطريقة أو بأخرى.
حدود حقوق الأفراد الآخرين أو التمع:

فقد نص العلماء على أنه "لا ضرر ولا ضرار"، و "أن الضرر يزال"، و"يدفع أشد الضررين بتحمل أخفهما "،و "يدفع الضرر العام بتحمل الضرر الخاص "، ووضع الإسلام حدا واضحا لا يمحو الفرد ويسحقه من أجل الجماعة، ولا يفسد الجماعة ويهلكها من أجل الفرد النهي عن روح القطيع (الإمعية): فقد ى عن الإمعية، فليس لمن ملك آلة الاجتهاد الحرية في أن يؤجر عقله لغيره ويأخذ منه، وليس

يقول يؤخذ منه كل شيء، فكلٌّ يؤخذ من قوله ويرد إلا النبي هناك في البشر أحد غير النبي شيخ الإسلام ابن تيميه – رحمه الله-: "اتفق المسلمون على أن كل أحد من الناس يؤخذ من قوله ويترك إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن كانوا مفاضلين في الهدى والنور والإصابة"، ولذا لم يقبل المولى –سبحانه وتعالى- يوم القيامة حجة من احتج بأنه أطاع سادم وكبرائهم، بل قال تعالى: (وقالوا ربنا التي ليس لها غرض إلا مجرد العبث والضياع؛ فالفكرة ليس مقصدها نفع الشخص لنفسه أو مجتمعه أو أمته، سواءً كان هذا النفع دينيا أو دنيويا، وسواءً كانت تلك الفكرة جادة أو ترفيهية، كل ذلك ليس مقصودا إنما المقصود مجرد العبث والضياع، ونحن أمة شاهدة على العالمين (وكذلك جعلناكم أمة وسطا [لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا)[البقرة: ١٤٣


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى