الاثنين ١٤ كانون الأول (ديسمبر) ٢٠١٥
بقلم رامز محيي الدين علي

براءة الحمار من أوصاف الفجار

إذا أخطأ أحد الناس خطأ فادحا يستحق اللوم والتأنيب عليه.. قالوا: حمار! علما بأن الحمار لا يمكن أن تدفع به حمرنته إلى مثل ذلك الخطأ!!

إذا استبد حاكم بشعبه وتفرد في قراراته التعسفية الهوجاء.. قالوا: حمار! والحمار أعدل الخلق في تعامله مع إخوانه الحمير.. ولم نر حمارا واحدا عبر صفحات التاريخ قد استبد بأي جماعة من الحمير!!

إذا زاد مال أحد الخلق وراح يكلم الناس من منخريه! قالوا: حمار!! ولم نسمع عن حمار في كل أصقاع المعمورة زاد غناه عن حاجته اليومية في العيش والبقاء!!

إذا وقع أحد البشر ضحية زواج فاشل، فاستبدت به زوجته وقادته كما تشاء! قالوا: حمار! ولم تشرع محكمة واحدة في العالم عقد زواج لحمار تدينه بهذه التهمة.. وهو سيد يتمنى سيادته الكثير ممن لا يأكل الشعير!!

إذا خدش مشاعر الناس مغن بصوته القارح وحباله الصوتية الغليظة وحركاته الصبيانية القليلة الحياء! قالوا: حمار! والحمار لم يفرض صوته الأوبرالي الطبيعي على حي من الأحياء أو إسطبل من الإسطبلات، ولم يباه بصوته أحدا، ولم يسابق به نظراءه!! والعلم عند الله والبشر، أنه ينهق لحاجة في نفسه أو لإيصال رسالة بريدية عبر الهواء لتنبيه السامعين بوجوده!!

إذا أخفق أحد قادة الحرب في تدمير البشر وهدم المنازل فوق رؤوسهم، ولم ينفذ الخطط التدميرية الإجرامية بحذافيرها.. قالوا: حمار! والحمار لم يحمل خنجرا واحدا ليدافع به حتى عن نفسه، ولم يهبه الله سبحانه وتعالى سوى رفسة يرد بها كيد الكائدين!!

إذا احتسى أحد الندامى عدة ليترات من الخمر، ووصل إلى مرحلة الخلاعة والسكر، وراح يتقيأ من الطعام والشراب مما لا تتحمله معدة الحمار.. قالوا: حمار! والمسكين لا يعرف من المشروبات الروحية سوى الماء ومن المأكولات الشهية سوى الشعير والحشائش الطبيعية!!

إذا قاد أحد الشبان الطائشين المتهورين سيارته في الشارع العام بطريقة بهلوانية جنونية غير مبال بأرواح الناس.. قالوا: حمار! والحمار لم يركب السيارة إلا حينما يأخذه صاحبه لبيعه في ( البازار ).. ولم يتجاوز سرعته الطبيعية إلا حينما يبحث عن رفيقة تؤنسه لحظة من لحظات العمر المغمورة بالكد والشقاء.. فتشعره بوجوده!!

إذا أوقف أحدهم سيارته أمام أو خلف سيارات الآخرين وحرمهم من زحزحة سيارتهم شبرا واحدا من مكانها وأخرهم عن مواعيد عملهم.. قالوا: حمار! والحمار يأبى إلا أن يقف في المكان المناسب، ولم يعرقل يوما حمارا آخر

للذهاب إلى الحراثة.. بل يساير جميع قطعان الحيوانات ويمشي معها إحساسا بمشاركة وجدانية!!
إذا حضر أحد المترفين سمرا ليليا لراقصة أو مغنية، وراح ( يرشرش ) الأوراق النقدية بين نهديها.. قالوا: حمار! والحمار لم يذق من ليالي السمر غير تلك اللحظات التي يدعه فيها صاحبه يرعى في البرية بحرية، وقبل مغيب الشمس يعود إلى حظيرته مطمئن النفس دون أن يفقد عقله ولا أرديته ولا قواه!!

إذا تصارع وحوش حلبات المصارعة أو الملاكمة على الحلبة وخرج أحدهم حتى عن طبيعة الوحوش بضرب خصمة بطاولة أو كرسي حديدي.. قالوا: حمار! والحمار لم يلمس طاولة أو جدارا إلا ليحك جسده لإزالة غبار أو خنفساء علقت بجسده!!

إذا غامر أحدهم في السباحة في عرض البحر وكانت الأمواج هوجاء.. وتعرض للهلاك ثم الغرق.. قالوا: حمار! والحمار لا يجازف بحياته من أجل شربة ماء من نهر تتدفق مياهه وتلاطم حافتيه!!

إذا أخفق طالب في دراسته ولم يكن أمامه ما يعيق نجاحه من معوقات النجاح.. قالوا: حمار! ولم يذكر التاريخ حمارا قصر عن أداء عمله إلا لسبب صحي أو تقصير من صاحبه في توفير الطعام له بشكل منتظم لبناء جسده وقوته!!

إذا حكم قاض بغير العدل بين متخاصمين.. قالوا: حمار مرتش! ولم نر حمارا واحدا انحاز لحمار قوي على حساب حمار مستضعف.. بل رأينا الحمير تتراكض من أجل حماية حمار ضعيف من جور حمار قوي راح يتشبه بالبشر في جبروته!!
إذا خرج الولد على طاعة أبيه وعصى أوامره ولم يبر بوالديه.. قالوا: حمار! ولم نسمع ولم نقرأ في قصص الحمير قصة جحش انقلب على والديه وعصاهما من يوم أن وجد الحمير على سطح الأرض منذ خمسة آلاف عام لميلادهم.. بل رأينا أولاد الحمير الجحاش يمشون خلف آبائهم وأمهاتهم كالحملان الوديعة!!

إذا انقلب الأخ أو الابن أو أحد المقربين على حكم الزعيم.. قالوا: حمار! وليس في تاريخ الحمير قصة تروى عن انقلاب أو انفلات أو تآمر أو خداع أو دهاء أو بغاء.. وإنما رأينا حمارا نابها يقود غيره من الحمير دون إكراه أو استبداد!!
إذا حصل أحدهم على شهادة الدكتوراه في فرع من فروع العلم بواسطة أو بمال أو لمكانة سلطوية فخرية.. ولم يميز بين الطيخ والبطيخ لا في ذلك العلم ولا في غيره.. قالوا: حمار! وليس في قصص الحمير قصة لشهادة مزورة ولا فخرية ولا غيرها تدعي لصاحبها الفضل وعلو المكانة.. بل شبهت الشريعة أمثال هؤلاء بالحمار يحمل أسفارا!!

إذا.. وإذا.. وإذا.. من أخطاء البشر وفواحشهم وظلمهم واستبدادهم وحماقاتهم.. النتيجة فجور وظلم وإجحاف بحق مخلوق خدم البشر وأخلص لهم أكثر من
خدمة البشر وإخلاصهم واحترامهم لبني البشر من جلدتهم..

فرفقا بالحمير أيها البشر الغفير، ولا بد من الترحم على نهيقهم الذي يحمل آلام البشرية وهمومها، ويعبر عن الصرخة الصادقة تجاه وحوش الآدميين وحماقاتهم التي تأباها كل شرائع السماوات وأعراف الإنسانية!!


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى