الخميس ٢٠ نيسان (أبريل) ٢٠٢٣
بقلم أحمد إلياس تابر محمد

بطل الزلزال

قصة للأطفال

توقفت سيارة تحمل التلميذ (سالم) أمام باب المدرسة. نزل الأب ليحضر المقعد المتحرك، من الصندوق الخلفي للسيارة، فيُدفع به سالم، وهو من ذوي الإحتياجات الخاضة، إلى داخل المدرسة.. كان أول أيام العام الدراسي الجديد في مدرسة مرحلة الأساس. سارع تلميذ كان يقف أمام باب المدرسة، يبدو أنه كلن ( كان) في إنتظاره، ليساعد سالم على النزول من السيارة إلى الأرض. وبعد معانقة طويلة تخللتها الدموع بين التلميذين أحضر الأب المقعد المتحرك، ونادى التلميذ بإسمه:-

مرحبا سامي. كيف احوالك ووالديك لعلهما بخير؟

مرحباً عمو سليم كلنا بخير.

أتمنى لكم عاماً دراسياً جديدا طيبا.. أإنتقلت (هل انتقلت) للصف السادس؟

شكرا عمو. نعم. أنا وسالم في الصف السادس.. فقد أحرزنا ذات الدرجات في نهاية الخامس، تهانينا لكم.. ووالدي يبعث لك بتحياته قبل أن يغادر قبل قليل..

في تلك الأثناء كان الأب، بمساعدة من سامي، قد وضع سالم على المقعد وهمَّ بدفعها ( بدفعه).. إلا أن سامي قال له، في أدب جم، وإبتسامة عريضة يشرق بها وجهه، وبعد ان وضع حقيبته المدرسية في حجز زميله بقرب حقيبته :-

إذا سمحت عمو.. دعنى أدفع مقعد أخي إلى داخل المدرسة وتفضل أنت للحاق بعملك..

ولكن يا إبني..

تريد أن تقول أنني لا أقوى على دفعهأ (دفعه)؟ بل أقوى فقد قضيت العطلة الصيفية كلها أمارس رياضة ألعاب القوى والسباحة.. أنظر..

وأمسك سامي بمقودي المقعد ودفعه بقوة ومهارة والأب ينظر إليه في إعجاب وهو يبتسم إبتسامة فرحة حقيقية.. وقد نفرت من عينيه دمعتان، قال وهو يحاول مداراتهما:-

ما شاء الله سامي، بالفعل لقد غدوت قويا.

وقد تحدثت مع المدرب لإلحاق سالم بصالة التدريب.. فطلب مني إحضاره ليرى ماذا يمكن أن يقوم به، إلم ( إن لم) يكن لديكم مانع..

تدخل سالم في الحوار وهو يخاطب أباه:-

نعم يا أبي أود أن اتلقى تدريباً مع سامي..

رد الأب وهو يشعر بفرح كبير. فقد عثر على أخٍ حقيقي لولده الوحيد، وها هو يشجع ولده على ممارسة الرياضة متحديا إعاقته، التى أحدثتها حالة من مرض شلل الأطفال وهو رضيع:-

جيد جداً يا إبني سأحضره للمركز متى ما طلبت مني.. والآن ساتركه معك وأنصرفْ. إلى لقاء في نهاية اليوم الدراسي.

إلى لقاء عمو..
إلى لقاء أبي..
ودع الأب الزميلين وانصرف مغموراً بالفرحة والسعادة.

داخل المدرسة صاح سامي ينادي زملاء دفعته في صف( إجتهاد):-

هلمو يا زملاء صف إجتهاد لتحية زميلنا سالم..

أقبل التلاميذ في حماس كبير لتقديم واجب التحية لزميلهم وهم في فرح عظيم، وتقدم إثنان منهم لحمل حقيبتي سالم وسامي إلى داخل الفصل وهم يداعبونهما. كما تقدم بعض المعلمين ومدير المدرسة لتحية سالم..

كانت بداية جميلة أدخلت الفرح في نفس سالم.. وبدأ اليوم الدراسي بعد عرض طابور الصباح والإستماع لتوجيهات المدير للتلاميذ في بداية العام الجديد. أدخل سامي المقعد المتحرك داخل الصف، وبعد أن أجلس سالم على مقعد الدراسة، عاد بالمقعد المتحرك فأوقفه قرب باب الصف في الخارج، وفي داخله جلس الصديقان على مقعدين متجاورين. وبدأ اليوم الدراسي الأول وسامي يعين سالم على مناولة الكتب ودفاتر تسجيل الدروس، والتي تم توزيعها على التلاميذ من معلمي الحصص الدراسية المختلفة.

في إستراحة الإفطار يُخرج سامي صديقه سالم إلى باحة المدرسة. يجلسان فيحضر سامي صندوقا (صندوقي) الوجبتين، وكانا قد أحضراهما كل من منزله، فيتقاسما الطعام معا بعد أن يقوم سامي بمناولة إناء المياه وقطعة الصابون لصديقه لغسل يديه قبل تناول الوجبة وبعدها. ثم يأخذه سامي في جولة حول الملعب الرياضي ليشاهدا معا بعض النشاطات الرياضية التى يقوم بها التلاميذ فيما تبقى من زمن الإستراحة، فيعودان فبل دقائق من قرع جرس نهايتها فيغشى به حمام ذوي الإحتياحات الخاصة، ثم يعودا للفصل.

عقب نهاية اليوم الدراسي يقوم سامي بجمع الدفاتر والأقلام وأدوات الهندسة في عُلبتها الصغيرة، فيودعها حقيبة زميله إستعدادا للمغادرة، يدفع سامي المقعد المتحرك إلى داخل الصف ليُجلس عليه سالم، فبخرج به إلى الشارع في إنتظار والديهما.. فيقوم سامي بمعاونة والد سالم لوضعه في مقعد العربة والمقعد المتحرك في صندق (صندوق) السيارة الخلفي.

كان ذلك ترتيباً يتم يوميا، لا يفترقان طوال اليوم. حتى إذا حانت عطلة منتصف الفترة، حيث إصحب، خلالها، سامي صديقه سالم لصالة الألعاب الرياضية، كما وعده... فيعودا للمدرسة، عقب إنتهاء العطلة، وقد حلَّ الشتاء. عندها يواصل سامي معاونة سالم على وضع ملابس التدفئة- المعطف وغطائيِّ الرأس والعنق- حتى يتأكد أن سالم متدثِّر من البرد.. وفي الفصل يساعده على خلعهما لدفء الفصل. فيواصل سامي معاونة سالم كما رأينا..

في يوم والمعلم يلقي دروسه على التلاميذ أحسو بهِزة إرتجفت لها أقدام التلاميذ والمقاعد والأدراج. سرعان ما قُطع التيار الكهربائي فساد الظلام، والنوافذ مغلقة لتحافظ على التدفئة، فانطلقت صافرة إنذار المدرسة تعلن وقوع هِزة أرضية، وقد تعلم الجميع أن يتركو (يتركوا) كل شئ ويغادرو (يغادروا) الفصول في سرعة، ولكن بنظام، وكانت قد تمت عمليات تدريب متعددة لمواجهة الكوارث.. الوحيد الذى ليس له قدرة على الخروج في سرعة (بسرعة) هو سالم.. لم ينتظر التلاميذ أية لحظة للتفكير في أى شئ سوى مغادرة الفصل عدا تلميذان (تلميذين).. إنهما سالم وسامي..

في سرعة، كأنها البرق،"إختطف" سامي صديقه سالم، ودونما تفكير في ذاته أو سلامته، وقام بثلاثة عمليات في آنٍ واحد تحرك بسالم وهو يحمله على عاتقه، ثم جرى نحو النافذة فكسر مقبضها في عنف ففتحها، ثم قفز منها وأرتمى على الأرض وظهره إليها، ممسكاً بسالم فوق صدره وهو يصيح فيه:-

أرفع رأسك.. أرفع رأسك لا (لكي لا) يرتطم بالأرض..

وظل ممسكا به وهو يقفز واقفاً على قدميه محتضناً صديقه في قوة هائلة.. وركض به نحو الملعب الرياضي الخالي من المباني- كما قالت تعليمات السلامة التى تعلمها في المدرسة- فوضع سالم على الأرض وهو يلهث من الجهد، وجسمه يتصبب عرقه (عرقا)، برغم البرد القارس، وتحسس جسده وهو يسأله في هستيريا:-

هل أنت بخير..هل أنت بخير هل أصبت؟.

ساد صمت للحظات حسبها دهرا.. قبل أن يدخل سالم في نوبةٍ من البكاء ممزوج بالفرح.. ويرد من خلال نشيجه وهو يضم صديقه سامي إلى صدره:-

بخير يا أخي.. بخير يا أخي..

نسىَ كل من بالمدرسة، من مدير ومعلمين وتلاميذ وعاملين، أمر الزلزال، هزته وارتداداتها، والفصول البعيدة عن الملعب تتهاوى، مبنىً بعد آخر، فهرعو (فهرعوا) إلى حيث يرقد الصديقان في وسطه وهما متعانقان.. فألجمت الدهشة ألسُن الجميع.

= انتهت =

قصة للأطفال

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى