الاثنين ١٤ أيار (مايو) ٢٠٠٧
بقلم عادل الأسطة

بطن الشاعر... بطن القارئ

قال العرب قديماً: "المعنى في بطن الشاعر"، وعززت نظرية قصد المؤلف هذه المقولة، وعززها أيضا أصحاب المنهج الاجتماعي إلى حد ما. وقال العرب حديثاً، وأخص بالذكر الناقد السعودي عبد الله الغذامي: "المعنى في بطن القارئ". وربما تذكر المرء هنا ثانية قول المتنبي:

أنام ملء جفوني عن شواردها

ويسهر القوم جراها ويختصم

وقد عزز التأثريون هذا، فقالوا إن هناك قراءات لنص ما بتعدد القراء، وهذا ما قاله، فيما بعد، أصحاب نظرية التلقي الألمان (ياوس وايزر)، وأضافوا: إن قراءة نص واحد، من قارئ واحد، في زمنين مختلفين، تؤدي إلى قراءتين.

هذا كلام أكرره غالباً، وأتذكره كلما لاحظت خلافا بين قارئين حول نص ما، بخاصة إذا كان النص يحتمل غير تأويل. وهناك نصوص يكتبها أصحابها تحتمل غير تأويل، وهم يقصدون هذا. محمود درويش مثلا قال في مقابلات أجريت معه في السنوات الأخيرة، إنه ما عاد يكتب النص الذي يحتمل تأويلا واحدا. هذا يعني أنه كان يفعل ذلك، وما عاد. ويتأكد المرء من هذا حين يقارن أشعاره الأولى بأشعاره بعد السبعينات.

وأنا أستحضر محمود درويش هنا، لأنه صاحب النص الذي أود الكتابة عنه ليس أكثر. فمؤخراً قرأت كتاب الشاعر د. المتوكل طه "صورة الآخر في الشعر الفلسطيني: 1994-2004"، ولي عليه ملاحظات عديدة، سأكتفي منها هنا، في هذه المقالة، بواحدة، تتعلق بقراءة نص من ديوان محمود درويش "حالة حصار" (2002).

النص هو:

لنا إخوة خلف هذا المدى
إخوة طيبون، يحبوننا، ينظرون إلينا
ويبكون، ثم يقولون في سرهم:
"ليت هذا الحصار هنا علنيّ...
ولا يكملون العبارة: لا تتركونا
وحيدين ... لا تتركونا" (ص33)

ووردت العبارة في كتاب المتوكل في ص276، وقد عقب عليها:
"يشير الشاعر هنا- فيما ندعي- إلى أولئك اليهود دعاة السلام، المؤمنين بالتعايش، الذين يبكون ويحبوننا، لكنهم مغلوبون على أمرهم، ويعتقدون أننا أملهم في البقاء في هذه البلاد، صورة جديدة تماماً لإسرائيلي مختلف" (ص276).

وكنت في إحدى مقالاتي أو دراساتي- لم أعد أذكر لفرط ما كتبت عن محمود درويش- توقفت أمام هذا المقطع، ورأيت أن الأخوة فيه ليسوا من اليهود، وإنما هم من العرب. ولعل ما ساعدني على هذا الرأي مقالة كتبها، ذات نهار، الكاتب والشاعر خيري منصور عبر فيها عن الحصار الذي يعاني منه بعض المفكرين والكتاب العرب في البلدان العربية، فقد ذهب إلى أنهم يعانون أكثر مما يعاني المحاصرون تحت الاحتلال.
وبما أن محمود درويش ما زال على قيد الحياة فيمكن التوجه إليه وسؤاله، علما أن الشاعر- أي شاعر- لا يذكر بالضبط، في زمن آخر، ما الذي رمى إليه في زمن الكتابة. هذا إذا لم يردد بيت المتنبي: أنام ملء جفوني....
"المعنى في بطن الشاعر" نظرية قديمة أحدث منها مقولة المعنى في بطن القارئ. لكن القراء أنواع، وهناك مقولة الكفاءة الأدبية، فثمة قارئ كفء وآخر أقل كفاءة، وثمة قراءة محايدة وأخرى غير محايدة. أي القراءتين هي الأصح، وأي القارئين هو المحايد أو الكفء؟ لا أريد أن أقول، لأنني أحد القارئين، ولكني سأشير إلى أن المتوكل لم يكن قارئا محايدا باعترافه، إذ لم يستطع، ولا أدري كيف استطعت أن أكون كذلك حين أنجزت دراستي: اليهود في الأدب الفلسطيني.

هنا سأقول المعنى في بطن النص. من هم الأخوة؟ ما هي منطقة المدى جغرافيا، ثم لماذا يقولون في سرهم؟ ثمة أخوة خلف مدى الضفة ولا يستطيعون أن يقولوا علنا؟

قد يكون الأخوة هم عرب الأرض المحتلة، وقد يكونون بعض اليهود الذين يدعون إلى التعايش، فهؤلاء خلف مدى الضفة وسياجها، لكنهم جميعاً قادرون على أن يقولوا ما يريدون، فلا أحد يمنعهم. المثقفون العرب المقموعون في العالم العربي خلف مدى الضفة، وهم إخوة، ولكنهم غير قادرين على قول ما يريدون علناً، لأنهم لو قالوا لاتهموا بأنهم يقفون إلى جانب الأعداء.
المعنى في بطن الشاعر، المعنى في بطن القارئ، وهذا متعدد، والمعنى في بطن النص. فماذا يقول محمود درويش؟

الجمعة 23/2/2007.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى