السبت ١١ شباط (فبراير) ٢٠٠٦

بـــائع الكتب

تأليف/ هوارد باركر ترجمة / ربيع مفتاح

الشخصيات

بائع الكتب .... الرجل ... المرأة

*****

" يظهر رجل مسن بجوار عربة ممتلئة بالكتب "

بائع الكتب : هذا الحائط الذي أقف بجواره ، كم هبت عليه من رياح مسالمة وعاتية ، وكم حطت على هذه الكتب من طيور طيبة وغير طيبة ... منذ كنت صغيرا وأنا أشتم هذه الروائح ... والأن أقول :

اللعنة ... اللعنة على كل شئ...

(صمت) .. دخان سيارات وعوادمها أصوات مرتفعة .. إزعاج وضجيج .. قلق يسد شراييني وأبخرة تأكل رئتي .. إنها مؤامرة .. لا أحد يعرفها سواي .. فقدنا صلاحيتنا كبشر .

(يسحب بعض الكتب من على الرف ) ...

بالأمس بعت كتابا .. أخذت الثمن وسلمته .. ولكن سرعان ما جاءت النكسة .. فلم يكد المشتري يترك المحل ولسبب لا أعرفه ولن أعرفه ابدا رجع على عقبيه وأعاد الكتاب وطلب ثمنه .. قلت له : هل فعلت ذلك لتختبرني .. مكثت أفكر في هذا الأمر طوال الليل ... وقد وصلت إلى نتيجة وهي أن هذا التصرف الشاذ مفيد لي .. فمنذ عودة الكتاب إلى حوذتي . أصبحت المعرفة في أيد أمينه ...

وأنا كبائع كتب يجب أن أحتاط ولا أسمح لكل من يأتي أن يلمس الكتب بيديه .. نعم يجب ألا يفعلوا ذلك .. لكن .. هذا الإحساس الذي يراودني منذ سنوات .. أنا وهذه الكتب سوف يتم نفينا ثم حرقنا .. أعرف مدى صدق حدسي .. وسوف يحدث ما يراودني قريبا .

اعلم أنني سوف أحرق أنا وكتبي ... بل وكل بائعي الكتب قد تظنون أن هذه الكارثة .. ربما حدثت فقط في القرون الوسطى .. سوف تصبح هذه الكتب محرقتى وأنا محرقتها .. لعنة ما قد حطت على هذه الكتب .

(يمسك بقطعة من القماش وينفض التراب عن الكتب )

نعم .. لقد ولى زماننا .. وفقدنا صلاحيتنا .

(يظهر شبح رجل يحملق في بائع الكتب ، ينتبه بائع الكتب فجأة )

بائع الكتب : شرطي !! سوف أنصرف كما لو انني متسول وتبدو العربة وكأنها ممتلئة بالحثالة .. وليست قاطرة من الحقيقة تتعهد بإصلاح العالم .

الرجل : هل تأذن لي أن ...

بائع الكتب : تتصفح .. افعل تصفح ( يفحص الرجل بعض الكتب ) الكتب تبوح بسرها لي .. لم تعد تخفى نواياها .. أستطيع أن اشم رائحة نفحم الأوراق و اللحم .. الكتب وأنا في محرقة واحدة .. أما الان فإن المنفى ينتظرنا معا

الرجل : ( يبحث عن عنوان ما )

أبحث عن هذا العنوان ولم أجده في اي مكان

بائع الكتب : ماذا ؟

الرجل : أقول لم أجده في أي مكان

بائع الكتب : كما ترى .. إن ما تريده موجود أمامك

الرجل : صحيح .. موجود هنا ؟!!

بائع الكتب : نعم موجود

الرجل : اين ؟ (يقلب الكتاب بين يديه )

هل هذا هو السعر حقا

بائع الكتب : نعم هو ذا

الرجل : (مندهشا) .. ولكن هذا الثمن مرتفع جدا

بائع الكتب : هل تود أن يقرأه الجميع ؟!!

الرجل : لكن ذلك ...

بائع الكتب : إن الثمن يعكس قيمة الكتاب

الرجل : ربما .. لكن

بائع الكتب : على اية حال أنا لا أود بيعه

الرجل : لا تود بيع الكتاب ؟!!

بائع الكتب : نعم .. لا أود بيعه

الرجل : لكنه موجود على الرف .. والثمن مكتوب عليه

بائع الكتب : هل تعتقد أن ذلك دليل على رغبتي في بيع الكتاب ؟ .. ما ذكرته لا يدل على شئ .. ربما أفكر في بيعه يوما ما .. الله وحده يعلم من أين أتيت أيها الرجل .. على أية حال .. كيف أعرف أنك فهمت ما قلته؟ .. ربما يكون ذلك فوق مستوى فهمك .. أخشى أن يضيع هذا الكتاب ويضيع معه جهد المؤلف و الطابع و الناشر يضيع كل ذلك إذا بعته لك

الرجل : لقد بحثت عنه كثيرا .. ولم أجده في أي مكان لذا يجب أن أحصل عليه مهما كان السعر

بائع الكتب : أعتقد أن سعر الكتاب ليس مرتفعا إذا أخذنا في الحسبان .. ندرة الكتاب ثم رفضي لبيعه .. إنه بذذلك يصبح رخيصا جدا .

الرجل : معنى ذلك أنك لا تود أن تبيع ..

بائع الكتب : إذن .. أنت شرطي

الرجل : أنا .. أنا شرطي ؟

بائع الكتب : نعم .. وذلك يفسر مدى لهفتك على العنوان ، الشرطة فقط هي التي لديها هذا الإصرار على اقتفاء الأثر كما تفعل أنت

الرجل : أؤكد لك .. أنني ...

بائع الكتب : لا يهمني ما تؤكده

الرجل : اريد الكتاب

بائع الكتب : كي تحرقه . ثم تعود ليلا كي تحرقني .. لن أكون موجودا هنا سوف أكون هناك بعيدا ، لن أقول لك عن مكاني .. و الذين يريدون الحقيقة سوف يساعدونني ويقولون إنني لست موجودا أو ربما رحل إلى زيورخ

الرجل : اسمعني .. أنا لست كما تقول .. أنا أريد المعرفة وأعتقد أن هذا العنوان يحتوي الكثير منها

بائع الكتب : أو سيقولون إنني في فرانكفورت .. نعم إذا سألت عني فسوف يقولون .. في فرانكفورت

(يهز الرجل رأسه ويبدأ في التحرك)

اللعنه على كل الطغاة .. يبدو أنني لن أبيع هذا الكتاب أقسم بالله لن ابيعه لأمثال هذا الرجل

(يمسك بالمنفضة فيطير الحمام )

يبدو أن الحمام يكره مهنتي .. لكن.. رغم ضالة حجمه فإن فيمته كبيرة .. هل أصبحت آخر المدافعين عن المعرفة . أعتقد أن هذا الرجل الظالم سوف يذهب إلى المحطة ليجمع بعض أتباعه ويأتون إلى هنا كي يضربوني حتى الموت .. ولن يهتم بي أحد .. أما هو فسوف يتظاهر أنه جاء من أجل الكتاب ... لقد أخبرت ذلك طيلة عشرين عاما .. أحاول أحيانا أكثر من خمس مرات ألا أبيع الكتب لهؤلاء المتأمرين ، معاناة مضنية وكفاح مرير أن أمتنع عن البيع لأمثال هؤلاء فهم يعرضون عليّ ثلاثة أمثال سعر الكتاب .. فهذا دليل واضح على هويتهم .. ولكن إلى متى أظل أفعل ذلك ؟ وأنا أحيانا أشم رائحة المحرقة

(تظهر امرأة فجأة )

يبدو أنه قد حان وقت الرحيل فأنا هنا منذ الصباح ( يبدأ في وضع الغطاء على الكتب )

المرأة : أنت بائع الكتب ؟

بائع الكتب : لا

المرأة : عندئذ ماذا تبيع ؟

بائع الكتب : أبيع البنجر

المرأة : ولكن يديك ليست حمراء

بائع الكتب : أنت تعرفين كل شئ .. فلماذا تصرين على إزعاجي وأنا رجل عجوز .. وخلال سنوات عمري وهم يحاولون أن ينفوني .. والله وحده يعلم كم أحاول أن أتجنبهم !

المرأة : سوف أساعدك

بائع الكتب : تساعدينني ؟!!

المرأة : نعم

بائع الكتب : لست في حاجة لمساعدتك .. أنت قاتلة وعادة يبدأ القاتل بتقديم يد المساعدة .. معي صفارة وسأظل أنفخ فيها حتى آخر نفس في جسدي .. ومع ذلك فلن يلتفت إليّ أحد ممن يركبون السيارات فقط ، سوف ينظرون من النوافذ

المرأة : أنت متشائم وتتوقع موتك .. إنك تكافح وحدك من أجل ..

بائع الكتب : أشكرك فقد تزوجت أما توقع الموت أعتقد أن ذلك هو الطبيعي منذ أن نولد

المرأة : إذن .. انت فيلسوف ؟!!

بائع الكتب : لست فيلسوفا إلى الدرجة التي تعتقدينها .

المرأة : الحقيقة أنني ...

بائع الكتب : ماذا تعرفين عن الحقيقة ؟

المرأة : في العربة

بائع الكتب : لا بد أن أذهب الآن .. لدي موعد مع رجل في المسرح

المرأة : أنا السيدة ليشمان من وزارة التعليم وسوف أقوم بمصادرة هذه الكتب

بائع الكتب : ماذا تقولين ؟

المرأة : افتح العربة .. سوف أختم رسميا على كل هذا المخزون من الكتب ( تخرج شريطا لا صقا من حقيبتها )

بائع : كنت أتوقع مجيئك .. طول هذه السنوات وأنا أتوقع مجيئك

المرأة : هذا خاتم الدولة ( تتحرك حول العربة )

بائع الكتب : هذا هو حديث المحرقة، تمضي السيارات وتصادر الحقيقة

المرأة : و الحمام يطير ويحط على ...

بائع الكتب : نعم .. سوف يستمر في ذلك .. فلا أحد يستطيع أن يوقف هديل الحمام .. إن سقوط الباستيل لم يستطع أن يغير ما الفه الحمام

المرأة : هناك .. سوف تصادر كل هذه الكتب

بائع الكتب : إذن .. لن ارى النور ثانية

المرأة : إن السياسات تتغير .. وما هو غير عادي بالأمس يصبح اليوم عاديا .

بائع الكتب : يالك من فيلسوفة .. أين تعلمت وتدربت ؟

المرأة : يجب ألا تخالف الأوامر .. اليس كذلك ؟

بائع الكتب : أنا مرهق ومتألم من هذه الواقعة

المرأة : الشاحنة سوف تأتي وتأخذ ..

بائع الكتب : وسوف يأتون معها ؟

المرأة : بطبيعة الحال .. أتوقع ذلك ..

بائع الكتب : إنهم يصطادوننا .. بمثل هذا التعبير الإنساني، إن وجودنا ينتهي حين يتظاهر الطاغي بهذا الوجه الإنساني

الرجل : ( يظهر ثانية ) .. لقد أبعدتني عنك بأسلوبك الجاف .. لقد سلكت أربعة شوارع ... ثم فكرت أنني في حاجة للمعرفة .. فلماذ لا أحصل عليها ؟

إن المعرفة لا تأتي إلا لمن يضحي من أجلها والآن .. أريد الكتاب .

بائع الكتب : لقد أتيت متأخرا

الرجل : إذن .. قد تم بيع الكتاب

بائع الكتاب : لم يتم بيعه .. ولكن .. أنت الذي أتيت متأخرا

الرجل : انت شخص غامض ومجنون.. وسوف أحصل على الكتاب حتى لو وصل الأمر إلى مصارعتك اخلع نظارتك الآن

بائع الكتاب : : لقد صادرت الحكومة كل الكتب

الرجل : (صمت) .. مجنون .. أنت مجنون .

بائع الكتاب : مجنون .. نعم .. لقد قضيت عمري كله في كفاح مستمر .. وهذا علامة الجنون

الرجل : قل لي .. أين المؤلف ؟
بائع الكتاب : المؤلف ؟ ... مات أو لعله يعمل الآن في مكتب بريد .. لا أتذكر أين هو الآن ؟

وإذا قابلته لن يخبرك بشئ

الرجل : افتح الصندوق

بائع الكتب : أفتح الصندوق ؟

الرجل : افتح الصندوق

بائع الكتب : أتود أن أتعرض للحبس وأنا في السبعين من عمري .. إن الشاحنة سوف تصل الآن

الرجل : اسمع .. حركة المرور صعبة جدا .. وسوف تأخذ الشاحنة وقتا طويلا حتى تصل ،لدينا من الوقت ما يكفي للحصول على الكتاب

بائع الكتب : ما هذا التهور الذي يسيطر عليك ؟!!

الرجل : إنه النسخة الوحيدة الباقية ، سوف أزيل الشمع و الأختام

بائع الكتب : إنك تبذر الشر .. عرفت ذلك منذ أن رأيتك .. وتوقعت أن ـكون شرطيا أو شريرا .. أما زلت تود الحصول على الكتاب ؟

الرجل : نعم

بائع الكتب : أعرف ذلك .. ماذا تعتقد عن ماهية المعرفة ؟

( يقطع الرجل الشمع والأختام بالسكين )

ماذا تحاول أن تفعل .. تحطيم حياة الناس .. أليس كذلك ؟

(يضع الرجل يده على فم بائع الكتب )

الرجل : تكلم وإلا سيكون الموت مصيرك

( صمت .. يترك الرجل بائع الكتب ، ثم يقطع الشمع ويأخذ الكتاب .. ويضعه تحت معطفه ويذهب )

بائع الكتب : زيورخ .. هناك عند النهر تحت الشجرة

(يغادر الرجل المكان بينما يظل بائع الكتب في مكانه )

تأليف/ هوارد باركر ترجمة / ربيع مفتاح

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى