الجمعة ١٧ نيسان (أبريل) ٢٠٠٩
خاطرة
بقلم رافي مصالحة

تراتيلْ على أطْلالِ وَطَنْ

أطلالُُ حِمى ليلى ملحٌ يتناثر فوقَ جراحي.

لم يبقَ من المشهد سوى الغبار وكُرات البلاّن المتدحرجة بين آثار الحيِّ ورسوم دارسةٍ وهمس ِالرّياح ِ.

ِللهفة المفجوع بالجَفا، خليليّ قفا نبكِ... لكن لماذا؟! ألا يجوز لنا الجلوس لإتمام مراسيم النّواح ِ؟!.

سئمت يا ليلى قواعد البكاء، واقفا، عند برقة ثهمد ومتردّم ومنازل أخرى هي مساكن الأشباح ِ.

حتى متى ستذرف العبرات، أمّة ٌ تبكي الطلول وتندب حظّها المتعثرّ غافلة عن الوطن المستباح ِ.

أيُّها الواقف بحومانة الدرّاج محدقا ببلادة بأوتاد خيام قد جلت، أقبل وارْتَشِفْ معي قدح كابوتشينو ساخناً، واخجل، فحتى كلاب القبيلة سكتت عن النباحِ ِ.

الشَّاعر يا ليلاي في أيّامنا ترجّل عن صهوة جواده، رَمَى سيفه وخلع العمامة وبردته، ولبس الجينز، واعتزل لبن الإبل والتمر لصالح رقائق الذرة والسيجار الكوبيّ بعد مطالعته جريدة الصباح ِ.

وظعائن حومانة الدّراج تلاشت، والحنين لخدر عُنيزة ذاب والتفاخر ببيض الهند انقرض. صار الشّاعر في حدود خياله أشجع المحاربين، يجيد كل فنون القتال، إلاَّ استعمال السلاح ِ.

****

ليت شعري.... أيّ شعر ٍ؟ أأخادع نفسي؟! شِعرُنا عطسٌ وسعالْ.

أكلّما هب مخبولٌ ليزني ببحور الشعر نتمادى في شرح حماقاته وكأنّه الشعر قالْ؟.

يقتص الطويل، ويدفن الرمل... بالرمل، ويمزج المتدارك بالمتقارب، ويتناقل الوافر ذات اليمين وذات الشمالْ.

(خوف أزرق) و(فرح كستنائي) و(أصابع) لقرص القمر وأظافر للبنفسج و(شوك للأحلام) وترّهات وألاعيب كلامية لا يفقه كنهها نفسه، صاحب المقالْ.

صار معبد الشعر ماخوراً يداس فيها قدس سرّ الكلمة بالنعالْ.

*****

عذرا ليلاي..... أعلم أنَّكِ سَئِمْتِ حديثي المقيت، فمثلي لا تليق به صناعة الكلامْ.

أسْراب البجع هجرت البحيرة عندما تخضب المساء بأقنى درجات الحُمرة قبل انسدال الظلامْ.

وعلى الرصيف المغبرِّ نصبت خيمة اعتصامي احتجاجا على مصادرة آمالي واعتقاداتي وحِفْنَةٍ من الأحلامْ.

عتادي من حطام الكون علبة تبغ عربي ووسادة وخرقة أسميتها رُبع حِرامْ.

سرقوا مني، في الهزيع الاخير من الليلة الأولى، في رأس السّنة المفقودة من عمري حلماً لم يك ُ وليد المنامْ.

منذ سنين وأنا لا أفلح بأن انامْ.

ولكني أحلم صاحيا ً، وفي عملي وعندما أرتشف قهوتي وأحرق لفافتي وعندما أتناول ما قد يشبه الطعامْ.

قضيت عمري ثائرا متمرّدا أخوض كل المعارك، كالموهيكاني الأخير الذي فقد وحيده في سبيل قضية أشُكُّ أنها قضيته، لم أصالح، لم أساوم، صرت رمز الباشق الفاتك بضراوةٍ بحمامة السّلام.

والآن سوف أعترف أنيّ شختُ يا ليلى ... فلقد أخفيت عنك أنيّ ولدت في السنة المئة قبل الميلاد، أعني ميلاد جلالة جرحي الدامي عليه السّلام.

بُرْجي حََظَرَته الاستخبارات لأسباب أمْنَيَّه، ورقم سعدي منذ الأزل صفرٌ، ويوم حظيّ مطرودٌ من منظومة الأيامْ.

ومُذ ذلك الحين هطل الكثير من المطر، وتعاقبت زيارات القمر، وتدفقت في الجداول مياه وفيرة، نمت وذوت زهور كثيرة، وأنا قابع في صومعتي الصغيرة، نكرةً، مَنْسيّا في ذاكرة الزمن، في غمرة التحّضير للاحتفال المهيب إيذانا بحلمي، إذا ما طائر العنقاء من رماده قامْ.

*****

ليس لي موقف سياسيّ، فلم تعلمني أمّي أبجديّة السياسهْ.

علمتني السيّدة الفاضلة عشق أرضي بكل كياسهْ.

علمتني مُذ صِبايَ سحق الديّوثين ورموز الاستكانة وأنصار الخساسهْ.

لا تظنيّ أني سكرت إذا ما فقدت حواسي يوما لشدة خشيتي عليك، فهل تسمي "سكرانا" كل من فقد حواسَّهْ ؟

أنت يا ليلاي، وطني الأسير، أيقونة شاعريتي، وسأنشد فيكِ كلَّ أشعار الحماسهْ.

يوماً ما، وطني المقيّد، سأضمّكِ إلى صدري وأحميكِ بأحدث وسائل الحراسهْ.

كل هذا، إذا ما أفلحت يوماً، أن أفُكَّ قيد سلاسلِكِ من أيدي تجّار النّخاسهْ.... أطلالُُ حِمى ليلى ملحٌ يتناثر فوقَ جراحي.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى