السبت ١٣ شباط (فبراير) ٢٠١٠
بقلم عـلـي الـخيـل

تريم حضرموت عاصمةً للثقافة الإسلامية 2010م

تحتفي الجمهورية اليمنية في العاشر من شهر مارس المقبل بإعلان وتتويج مدينة تريم (الغنّاء) بمحافظة حضرموت عاصمةً للثقافة الإسلامية 2010م بعد أن تم اختيارها من قبل المنظمة الإسلامية للتربية والثقافة والعلوم (الإيسيسكو).

وجاء اختيار مدينة تريم بمحافظة حضرموت عاصمة للثقافة الإسلامية 2010م من قبل الإيسيسكو تنفيذاً لقرارات المؤتمر الإسلامي الرابع لوزراء الثقافة الذي انعقد في العاصمة الجزائرية في ديسمبر 2004م، والذي قرر إقامة العواصم الثقافية الإسلامية ولدورها التاريخي الإسلامي الحافل بالعطاء الفكري والثقافي والديني والتنويري ولما عرف عنها بالوسطية والاعتدال في نشر الثقافة الإسلامية والدعوة إلى الله بالموعظة الحسنة والحكمة في مختلف أنحاء العالم وخاصة جنوب شرق أسيا وإفريقيا فضلاً عن شبة الجزيرة العربية والخليج.

وتنبع أهمية مدينة تريم (الغناء) لما تملكه من مقومات ثقافية وحضارية وسياحية ودينية فضلاً عن طبيعتها الخلابة وانتشار أربطة ودور العلم التي اشتهرت فيها والتي كانت ولا زالت مناراً للعلم يأتي إليها الكثير من إنحاء مختلفة من العالم للنهل من منابع العلم المتوافرة فيها إضافة إلى اشتهارها بكثرة المساجد البالغ عددها 365 مسجداً حسب المصادر التاريخية التي بلغت إنذاك.. وهي من المعالم المعمارية الإسلامية البارزة والتي من أشرها مسجد المحضار الذي بني في القرن التاسع الهجري والمشهور بمئذنته الطويلة البالغ طولها مائة وسبعين قدماً والمبنية من الطين بطريقة هندسية مميزة تدل على إبداع وتفوق أبناء هذه المدينة في ابتكار التصاميم الهندسية المعمارية المنسجمة وطبيعة المنطقة التي تدل على التكامل والانسجام بين الإنسان ,والطبيعة والبيئة المحيطة به.

وتشهد الجهات المعنية وذات العلاقة من رئاسة الوزراء ووزارة الثقافة واللجنة العليا المكلفة بإعداد والتحضير لهذا الحدث الإسلامي الفريد ومنظمات المجتمع المدني والمؤسسات والهيئات والجهات المعنية بمدينة تريم هذه الأيام ورشة عمل دءوبة للإعداد والتحضير لاختيار الإجراءات والآليات المناسبة لتنفيذ مشروع الخطة العامة وإعداد وتجهيز الفعاليات والمشاريع الثقافية ومشاريع البنية التحتية للمراكز الثقافية الدائمة المزمع تنفيذها في هذه المناسبة.

واشتملت خطة البرنامج الثقافي الذي استعرضه وزير الثقافة الدكتور محمد المفلحي على فعاليات وأنشطة منها الموكب الرسمي والشعبي لتدشين فعاليات تريم عاصمة للثقافة الإسلامية، بالإضافة إلى مؤتمرات علمية متخصصة بالعمارة الطينية وصورة الآخر في الفكر الإسلامي الهادفة إلى التعريف بدور مدينة تريم في التاريخ الإسلامي، والمهاجرون اليمانيون في إثراء الثقافات بالإضافة إلى إبراز ما قدمه المفسرون اليمنيون، واستعراض قضايا لثورة اليمنية، ودور المهاجرون الأوائل في نشر الإسلام بجنوب شرق آسيا، وضم البرنامج في دفتيه (111) فعالية و 12 معرضاً توزعت بين التشكيل والكتاب والخط والحرف اليدوية والصور الفوتوغرافية والأزياء والموروث الشعبي ،بالإضافة إلى 15 ملتقى ومهرجان ومؤتمر بعضها دولي منها مؤتمر عن دور تريم العلمي في التاريخ الإسلامي ،المخطوطات ،العمارة الطينية ،المعالم الإسلامية في وادي حضرموت ،ملتقى الطفولة العربي والإسلامي ،ملتقى دمون الشعري للشعراء الشباب العرب،ملتقى الفنون التشكيلية في العالم الإسلامي ومهرجان باكثير،مهرجان ليالي تريم، مهرجان الشعر الشعبي..

كما يتضمن البرنامج 24ندوة احتفائية بـ 24 علما من أعلام اليمن وتنظيم أيام ثقافية لكل محافظة من محافظات الجمهورية تستضيفها تريم على مدار العام بالإضافة إلى استضافة تريم أسبوع ثقافي ماليزي وآخر اندونيسي و تركي ومثله أسبوع ثقافي لإحدى الدول الإفريقية من بلدان المهجر لأبناء تريم، وغيرها من المحاضرات والفعاليات الأخرى المتنوعة ضمتها خطة الفعاليات التي تحتضنها مدينة تريم ويسهم في تنظيمها أبناء تريم المنضوين في كافة لجان المكتب التنفيذي لفعاليات تريم عاصمة للثقافة الإسلامية 2010م ..

وتسعى الندوات الوطنية إلى التعريف بالثقافة اليمنية في العصر الإسلامي من خلال ندوة بعنوان "أحفاد ابن خلدون" يتبعها ندوة متخصصة عن التراث والبيئة وأخرى عن الثقافة الرقمية ومجتمع المعرفة.

ويحفل البرنامج الثقافي بالمحاضرات الدينية والفكرية والتوعوية تركز على إبراز مضامين الثقافة والقيم الإنسانية للحضارة الإسلامية خصوصا في مدينة تريم، بالإضافة إلى تأكيد قيم التسامح والانفتاح على الآخر، ونبذ العنف والتطرف وثقافة الكراهية، وتعزيز قيم الوسطية والاعتدال.

ويتخلل البرنامج المقترح من قبل وزارة الثقافة مهرجانات دولية وعروض سينمائية للأفلام العربية ومسرحيات من روايات المبدع اليمني الراحل على احمد باكثير، ومهرجان خاص بالموشحات اليمنية والأندلسية، بالإضافة إلى ملتقيات شعرية وثقافية على مختلف المستويات، وذلك من أجل إنجاح الاحتفالية و ابرز الوجه الحضاري والثقافي لليمن عامة ومدينة تريم التاريخية بصفة خاصة مع مراعاة موائمة تلك المفردات مع الإمكانيات المادية والفنية المتاحة.

مدير الثقافة والاتصال بالمنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة(الاسيسكو) الدكتور نجيب الغياتى خلال اطلاعه على التجهيزات ومستوى الإعداد ولقائه المسئولين أكد على أهمية إنجاح هذه التظاهرة الإسلامية بشتى السبل والوسائل الممكنة .. مبدياً استعداد الإسيسكو المشاركة فى البرامج الخاصة بتفعيل هذه التظاهرة سواء من خلال الإسهام فى طباعة بعض العناوين والإصدارات الفكرية او من خلال إقامة ندوة إقليمية لإبراز أعلام مدينة تريم ومكانته العلمية والفكرية..منوها باستعداد المنظمة تخصيص جوائز تزيد قيمتها عن 8 ألاف دولار فى 4 مجالات ثقافية وإبداعية.

ويجري العمل حالياً بوتيرة عالية لإعداد اللوحات الفنية والبروفات الأولية التي سيتم عرضها مع الافتتاح ومنها الملحمة التاريخية (تريم) الذي ينفذها منتدى حي في قلوبنا المتمثلة في لوحة إنشادية، فنية و فلكلورية سيتم تقديمها مع موعد تدشين الاحتفالية والتي تجمع بين الإنشاد والعرض الصامت بمشاركة عدد من المنشدين اليمنيين والعرب بمصاحبة فرق متخصصة في العروض الفلكلورية الشعبية اليمنية وتتحدث الملحمة حسب تصريحات رئيس المنتدى عن تاريخ تريم الديني والاجتماعي والثقافي العريق منذ فجر التاريخ وحتى اختطاطها مروراً بدخول الإسلام إليها وإلى اليمن بشكل عام وحتى عهد الوحدة المباركة .

مشاكل ومعوقات.
وبما أن المواطنون يعولون على الحكومة والسلطة المحلية لإنجاح هذه الفعالية إلا أن البعض يرى أن المدينة ما زالت تعاني وتواجه الكثير من المعوّقات والمشاكل التي تقلل من رقيّها نحو الاحتفال بهذا العرس الإسلامي الكبير وخاصة في مسألة البنية التحتية وضعفها الشديد، حيث تنعدم فيها الفنادق والمتاحف والمراكز العلمية والمسارح الأدبية، وتضعف فيها إمكانيات المستشفيات وغيرها من الخدمات العامة كالمطاعم والشقق، التي ترتقي بمستوى الوفود التي تحضر للمشاركة في الأنشطة، كما أن التنظيم والأعمار لبعض المباني التاريخية والتراثية ما زال قليلا.

تريم ..الغناء.
تعتبر تريم المدينة العاصمة الدينية لوادي حضرموت وكانت قبل ذلك عاصمة
ومقراً لملوك كنده ثم عاصمة لوادي حضرموت قبل مدينة سيئون، وتقع على
خط عرض 16درجة ودقيقتين و57ثانية شمال خط الاستواء وعلى خط طول 48درجة و58دقيقة و32ثانية شرق خط جرينتش فيما تبعد عن مدينة سيئون عاصمة الوادي بنحو (30 ) كلم باتجاه الشرق.

تريم والإسلام.
أعتنق أهلها الإسلام في السنة العاشرة للهجرة حينما عاد وفد حضرموت من المدينة المنورة بعد مقابلته لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وأرسل الرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم زياد بن لبيد ألبياضي الأنصاري عاملاً على حضرموت، وعندما جاءه كتاب الخليفة الأول أبي بكر الصديق رضي الله عنه قرأه على أهل تريم فبايعوا أبي بكر الصديق وارتد نفرٌ من كنده فقاتلتهم جيوش المسلمين وكان ممن ثبتوا على إسلامهم من أهل تريم دوراً لايستهان به في قتال أولئك المرتدين في المعركة الفاصلة بينهم بحصن (النُجير) 30كلم شرقي تريم ومن نتائج تلك المعركة أن جرح فيها عدد من الصحابة فاستشهدت جماعة منهم بتريم بعد أن قدموا إليها للتداوي ودفنوا بمقبرة ( زنبل ) الشهيرة وسط المدينة ولازالت قبورهم شاهدة على ذلك ويقال أن عددهم (70) صحابياً .

العلم والعلماء.
وعلى مرّ السنين اشتهرت الغنّاء تريم بكثرة علماءها حيث يرتادها طلاب علم من داخل الوطن والدول المجاورة ودول الشرق الأقصى وشرق أفريقيا لطلب العلم والاغتراف من علومها في مجالات تحفيظ القرآن الكريم والحديث والفقه واللغة وغيرها ، وتعتبر(معلامة أبي مريِّم لتحفيظ القرآن الكريم) من أوائل وأعرق مدارس تحفيظ القرآن في المنطقة إن لم تكن الأولى على وجه التحديد وقد عاودت المعلامة العريقة نشاطها بعد قيام الوحدة المباركة ليتوسع في عدد من مساجد المدينة المعروفة بعد توقف دام طويلاً بفعل الظروف السياسية أثناء عهود التشطير ناهيك عن ( رباط تريم العلمي الإسلامي) الشهير الذي بدأ نشاطه في 14محرم 1305هـ
ولازال حتى اليوم مناراً علمياً ساطعاً في سماء تريم فضلاً عن (دار المصفى للدراسات الإسلامية) الصرح العلمي البارز.

.واشتهرت تريم بمدينة المآذن وعرفت بمدينة الـ (365) مئذنة جميعها مبنية بمادة الطين وفق طراز معماري إسلامي بديع تنتشر في كل أرجائها أبرزها (مئذنة مسجد عمر المحضار) وارتفاعها نحو 170 قدم (نحو 57متراً) ولازالت منذ تشييدها في أوائل القرن الرابع عشر الهجري تعانق عنان السماء كنموذج حي على
المستوى الراقي البديع الذي وصل إليه فن وهندسة العمارة الطينية في
تريم خاصة وفي اليمن بشكل عام .

الغنّاءُ .. حضارةُ طينٍ رائعة:
كان الطين مادة من مواد البناء الأساسية منذ فجر التاريخ كونه أولاً من المواد الوفيرة على الأرض وثانياً لسهولة الحصول عليه وتشكيله واستخدامه لذلك صنع منه الطوب بأنواعه المختلفة ومنها ما يعرف في حضرموت بالمدر أو اللِّبن وهو الطوب غير المحروق المستخدم في البناء بالإضافة إلى أن الطين الخام يدخل أيضاً في صناعة الفخار وغيرها ، لذلك فأن علاقة أبناء الغنّاء تريم بالطين علاقة وطيدة تؤكد ارتباطهم بالأرض فقد صنعوا منها حضارة عميقة الجذور ذات تقنيات هندسية دقيقة وثقافية أيضا وبخاصة لارتباطها بفنون العمارة والبناء.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى