الخميس ٧ تشرين الأول (أكتوبر) ٢٠١٠
بقلم أوس داوود يعقوب

ثلاثة وستون عاماً مرت على رحيل أمين الريحاني

مرت منذ أيام الذكرى الثالثة والستين لرحيل الأديب والمفكر اللبناني أمين الريحاني الملقب بـ (فيلسوف الفريكة)، نسبة إلى مسقط رأسه، وهو أديب، وشاعر، وباحث، ومؤرخ، وكاتب، وروائي، وقصصي، ومسرحي، ورحالة، وسياسي، ومرب، وعالم آثار، وناقد، وخطيب، ورسام كاركاتير، الأمر الذي أهله ليكون أحد أبرز عمالقة الأدب العربي في القرن العشرين، ومن أبرز رجالات الفكر ودعاة الإصلاح الاجتماعي، ويعد الريحاني الأب المؤسس لما يُسمّى بالأدب العربي الأمريكي والأدب المهجري.

ولد أمين فارس أنطوان الريحاني، في 24 تشرين الثاني (نوفمبر) عام 1876م في بلدة الفريكة من قرى منطقة المتن الشمالي في جبل لبنان، وهو من أسرة مارونية تعود بجذورها إلى قرية (بجّة) في بلاد جبيل.

وتذكر المصادر التاريخية أن أسرة أمين الريحاني انتقلت منذ حوالي منتصف القرن السابع عشر إلى ضيعة (بيت شباب) في المتن، ومنها إلى (الشاوية) مع المطران باسيليوس عبد الأحد سعادة البجاني، الجد الثاني لوالد أمين، ويحكى أن منزل الأسرة هناك كان محاطا بشجر(الآس) أو الريحان فبات يعرف ببيت الريحاني. والد فارس أنطون الريحاني من الشاوية، ووالدته أنيسة جفال طعمه من (القرنة الحمراء)، عمل والده في تجارة الحرير ونمت عائلته حتى أصبحت تضم ستة أولاد هم على التوالي: أمين (البكر)، وسعدى، وأسعد، ويوسف، وأدال، وألبرت.

شقاوة وذكاء..

وقد عرفت طفولة أمين شقاوة مميزة بين الصبية، وقلما ما كان يرضخ لإرادة ذويه، وكثيراً ما كان يصر على ما يريد، ولعل طبعه هو الذي دفعه من حيث لا يدري إلى التذمر والانزعاج من أمور كان يصادفها في البيت ومعمل والده وبين أزقة القرية، ويروي شقيقه ألبرت: أن أميناً في طفولته ما كان ليتقيد بالشعائر الدينية أسوة بوالدته. كانت نشأة أمين الدراسية الأولى غير منتظمة، ولم تكن مادة الدراسة لتختلف عن مادة الكتيبات الأولية المتداولة في مدرسة (تحت السنديانة) في ذلك الزمان، كانت أولى دروسه الابتدائية على يد معلم القرية، أمام كنيسة (مار مارون) المجاورة لمنزله وتحت زيتونة هرمة قرب العين.

ويذكر أمين عن هذه الفترة من تعليمه أنه كان يقرأ كراسة الأبجدية، والمزمور الأول من مزامير داوود على الشدياق متى، تحت الجوزة في الساحة السفلى من (بيت شباب) وينتقل إلى مدرسة (نعوم مكرزل) حيث يتلقن مبادئ الفرنسية إلى جانب القراءة العربية والحساب والجغرافية، وقد عرف خلال دراسته بذكائه وتفوقه على أترابه.

وفي صيف 1888م أرسله والده مع عمه إلى أمريكا وكان عمره اثنتي عشرة سنة، وفيها تعلم مبادئ اللغة الإنكليزية، وبرز ميله إلى المطالعة، فاطلع على أعمال الشعراء والكتاب أمثال شكسبير وهيجو وسبنسر وهاكسلي وكارليل وآخرين من المعاصرين والقدامى.

ومنذ سنة 1911م أصبح يتنقل بين نيويورك وبلدته الفريكة. وأصبح مرموقاً في كل من أمريكا وإنكلترا وكندا، وكذلك في أوروبا والشرق الأدنى والبلاد العربية. وفي الحرب العالمية الأولى كان الريحاني أحد أعضاء (اللجنة السورية ـ اللبنانية) التي مارست نشاطاً سياسياً ضد السيطرة التركية. فقد اشترك سنة 1918م في مؤتمر انعقد في واشنطن من أجل الحد من التسلح، وزار أوروبا عدة مرات حيث التقى في إحدى زياراته الفيلسوف (ولز) صاحب النظرية المستقبلية فجرى نقاش بينهما حول الشرق والغرب.

وفي عام 1922م بدأ رحلته التي قابل فيها شريف مكة الحسين بن علي وسلطان قبائل حاشد والإمام يحيى إمام اليمن ومؤسس المملكة العربية السعودية المغفور له الملك عبد العزيز آل سعود وأمير الكويت أحمد الجابر الصباح وشيخ البحرين أحمد بن عيسى وفيصل الأول ملك العراق وكتب عن رحلاته بالعربية والإنجليزية و شرح قضايا العرب في أمريكا، و طالب باستقلال لبنان فنفته فرنسا إلى العراق و عاد منها عام 1934م.

وما بين سنتي (1927م ـ 1939م)، حاضر الريحاني في الولايات المتحدة الأمريكية حول مخاطر الدور الصهيوني في الوطن العربي، وشن حرباً دفاعاً عن الحرية والتحرر والحقوق الإنسانية.

وقد تأثر الريحاني بمبادئ الثورة الفرنسية وانتقد المادية الغربية وكان معجباً بنشاط الأمريكيين، وقد كان مؤثرا في كتاباته في الأوساط الأميركية والغربية وقد كتب عن الرقي ومعناه وعن الحياة السياسية والاجتماعية، وكان يحض المغتربين على التطوع للدفاع عن أوطانهم و استقلال بلادهم.

وصية وآثار خالدة

في 15 آب (أغسطس) عام 1947م تعرض أمين الريحاني لحادث أليم إثر سقوطه عن دراجة اعتاد أن يركبها على طرقات الجبل حول بلدته الفريكة، وأدخل المستشفى وفي 12 أيلول (سبتمبر) عام 1947م توفي ودفن في بلدته، وقد أقيم له تمثالاً نصب في باحة كلية الآداب في الجامعة اللبنانية.

ترك الريحاني تراثاً أدبياً و تاريخياً ضخماً وقيماً، في (السياسة والأدب والشعر والتاريخ والفن)، وكان أشهر أدباء المهجر بعد جبران خليل جبران.

وقد منح أمين الريحاني عدة أوسمة هي: ـ وسام المعارف الأول الإيراني ـ وسام المعارف الأول للمغرب الإسباني ـ وسام الاستحقاق اللبناني الأول المذهب.
وكان الريحاني قد كتب وصية، مما جاء فيها: (أوصى إليكم إخواني في الإنسانية: البيض والصفر والسود على السواء شرقاً وغرباً: إن حق الشعب في تقرير مصيره لحق مقدس، فأوصيكم بالجهاد في سبيله، أينما كان.

إن الأمة الصغيرة وهي على حق لأعظم من الأمة الكبيرة وهي على باطل. #إن الأمة القوية الحرة لا تستحق حريتها وقوتها مازال في العالم أمم مستضعفة مقيدة).

ولأهمية ومكانة الريحاني الأدبية والعلمية قررت جامعة ميشيغان في ديترويت منذ مطلع العام الدراسي الجامعي (2009م ـ 2010م) تدريس مقرر خاص حول أمين الريحاني كمؤسس للأدب العربي ـ الأميركي في القرن العشرين. وهذا المقرر الجديد الذي يحمل الرقم (LIBS 113) يُقَدّم لأول مرة، وهو موجّه لجميع طلاب الجامعة خاصة الملتحقين حديثاً بكلية من كلياتها. وقد اعتمد هذا المقرَّر ثلاثة مؤلفات من أعمال الريحاني الإنكليزية، وهي كتاب خالد [1]، وجادة الرؤيا [2]، ورسائل إلى العم سام [3].

وقد عوّل المقرَّر على عدد من الكتاب الأميركيين والأوروبيين الذي كتبوا عن أهمية الريحاني ودوره في ردم الهوة الحضارية بين الشرق والغرب وخاصة بين العرب والأميركيين. ومن بين هؤلاء د. جفري ناش من جامعة سندرلاند في بريطانيا، د. وولتر دانفنت من جامعة إنديانا، د. روجر ألان من جامعة بنسلفانيا، ود. أليس بيرني من مكتبة الكونغرس.

وللريحاني تسعة وعشرون مؤلفًا باللغة الإنكليزية وستة وعشرون مؤلفًا باللغة العربية، ومن أهم مؤلفاته: (موجز الثورة الفرنسية) و( ملوك العرب) و(قلب العراق) و(المغرب الأقصى) و(قلب لبنان التطور و الإصلاح).


[1The Book of Khalid

[2(The Path of Vision )

[3(Letters to Uncl Sam )


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى