السبت ٧ شباط (فبراير) ٢٠٠٩
بقلم نبيل درغوث

جديد للفاضل الجزيري فيلم(ثلاثون)

(ثلاثون) فيلم طويل للفاضل الجزيري مدّة عرضه 111 دقيقة من إنتاج الفيلم الجديد وكينتا للاتصالات وكانت كتابة السيناريووالحوار كتابة مشتركة بين الكاتبة التونسية عروسية النالوتي ومخرج الفيلم الفاضل الجزيري.

فضل الجزيري

يبلغ الفاضل الجزيري من العمر 60 سنة له تجربة ثرية وكبيرة في عالم المسرح والفرجة تأليفا وإخراجا وإنتاجا. فهومن مؤسسي مسرح الجنوب بمدينة (قفصة) التونسية والمسرح الجديد توجه منذ التسعينات نحوالعروض الفرجوية إنتاجا وإخراجا مثل (النوب) و(المغرمين) و(الحضرة) و(نجوم) و(بني بني). وبعد فترة السبعينات التي كان فيها الفاضل الجزيري في أحضان المسرح. بدأ في الثمانينات نسج علاقة مع السينما بفيلم (العرس) وفيلم (عبور) للمخرج التونسي محمود بن محمود الذي شارك فيه تمثيلا وتأليفا. ليؤسس في سنة 1984 (الفيلم الجدي)" لتستقر علاقته الغرامية بالسينما.

فيلم (ثلاثون) هوثمرة هذه العلاقة وهوفيلم يسلط الضوء على فترة تاريخية لتونس وهي سنوات الثلاثين التي يمكن اعتبارها في تاريخ الأفكار السنوات الذهبية في الفكر التونسي والفيلم هوقناعة وموقف فكري للمخرج الذي يرى أن سنوات الثلاثين هي إرهاصات الحداثة بالبلاد التونسية وطلائع هذه الحداثة ممثّلة في الطاهر الحدّاد ومحمد علي الحامي والشابي والحبيب بورقيبة وعلي الدوعاجي. وان كان الفيلم مركّز على مسيرة المصلح الطاهر الحدّاد الذي سبق قومه بقرنين حسب عبارة عميد الأدب العربي طه حسين. لقد اعتمد المخرج في هذا الفيلم طريقة انتقائية التقط فيها اللحظات النّابضة من مسارات هذه الشخصيات الأدبيّة والفكرية والسياسية التي تشترك مع الطاهر الحدّاد في النضال الوطني والوعي الغيور والنهوض بالأفكار وتكريس النور مكان الظلام.

يتعرّض الفيلم لمسيرة المصلح الطاهر الحدّاد (1899-1935) في العشريّة الأخيرة من حياته حين خرج عن الحزب الحرّ الدستوري التونسي (القديم) وانشغاله بالحركة النقابية مع صديقه محمد علي الحامي (1890-1928) الذي جاء بأفكار لا تتسع لها البلاد التونسية في تلك الفترة. فكان في الفيلم مشهد تأسيس أول منظمة نقابية تونسية سنة 1924 وهي جامعة عموم العملة التونسية. وتتقاطع مسيرة الحدّاد في هذا الفيلم مع مسارات شخصيات أدبية طبعت بحضورها وإبداعاتها فترة الثلاثينات كالشاعر التونسي أبي القاسم الشابي (1909-1934) صاحب قصيدة إرادة الحياة :

إذا الشعب يوما أراد الحياة
فلا بدّ أن يستجيب القدر
 
ولا بدّ لليل أن ينجلــــــــي
ولا بدّ للقيد أن ينكســـر

فيصور لنا المخرج مشهد إلقاء الشابي محاضرته الثورية التي قلبت المفاهيم في تلك الفترة حول الخيال الشعري عند العرب في المكتبة الخلدونية وهويتمشى بين الحاضرين كأنّنا أمام مسرحية من المسرح الإغريقي عالج هنا المخرج هذا المشهد السينمائي معالجة مسرحية لنستشف من هذا المشهد الطابع المسرحي الذي مازال حاضرا بقوة في تعبيرية الفاضل الجزيري لا فقط في طريقة حديث الممثلين بطريقة ممسرحة/مسرحية وبالأسلوب المعروف عند الفاضل الجزيري في إيقاع تلفظه للكلمات. بل نجده أيضا في كتابة المشاهد كتابة مسرحية مثل المشهد المذكور سابقا فالكتابة والرؤية والجماليات السينمائية مغايرة تماما للكتابة والرؤية والجماليات المسرحية. ونستغرب أيضا من المخرج من طريقة تناوله لعلم من الأعلام الأدب التونسي الحديث علي الدوعاجي (1909-1949) ليصوره عربيدا وسكيرا وزير نساء فقط دون أن يسلط الضوء على كتاباته الأدبية الطلائعية التي تعبّر عن الواقع الذي تحياه الطبقات المسحوقة.

ويتواصل مسار المصلح الطاهر الحدّاد وهوالشخصية الأساسية والجامعة للشخصيات الأخرى في الفيلم بنضاله الإصلاحي على المستوى الاجتماعي والفكري من خلال كتابه (امرأتنا في الشريعة والمجتمع) الذي لقي مناهضة كبيرة من طرف بعض عناصر الحزب الحرّ الدستوري (القديم) وثلّة من أقطاب الرجعية الفكرية كالنظارة العلمية لجامع الزيتونة التي جرّدته من شهائده العلمية والشيوخ المرموقين في تلك الفترة في منعه من حق الزواج والعمل وممارسة أبسط حقوق المواطنة وطالبوا أيضا بإخراجه من (الملّ) ليكون شهيد الحق والواجب حسب عبارة الهادي العبيدي. كما ركّز الفيلم على أحداث أليمة أثّرت في الحدّاد تأثيرا بالغا كموت صديقيه الحميمين محمد علي الحامي وأبوالقاسم الشابي اللّذين منحهما من كيانه حيّزا هامّا.

(كان الطاهر الحدّاد نموذج المناضل الحق مثقفا واعيا لأنه لم ينخرط في السرب بل كان مختلفا مخالفا مضطلعا بوظيفة التوعية والتنبيه والتجريح والتعديل. كان وطنيا غيورا لأنه لم يشأ لوطنه أن يرزح تحت عبودية العادات الفاسدة والأوهام البالية والأفكار الظلامية والآراء الرجعية، كان مناضلا بحق لأنه لم يركن للراحة ولم يؤمن بالخمول ولم ينثن جرّاء ما تعرض له من شك وتشكيك وتخوين وتجويع وحرمان وامتهان. لقد مثل الحداد صورة البركان الهائل الــذي انفجر بالآراء النيرة والأفكار الطــلائعية والنظــرة التـقدمية ولم يخف في الحق لومة لائم).

وتطرق أيضا المخرج إلى شخصية السياسي الحبيب بورقيبة (1903-2000) الرئيس الأول للجمهورية التونسية مابين يوليو1957 – نوفمبر 1987 في مقدمات صراعه مع قيادات الحزب الحرّ الدستوري (القديم) لينشق عنهم لاحقا ويؤسس الحزب الحرّ الدستوري الجديد وقد أبدع المخرج الفاضل الجزيري في تناوله شخصية بورقيبة في شبابه ولوركّز المخرج على هذه الشخصية وأعتمدها شخصية مركزية ثانية لكانت مع الحدّاد قطبي رحى الفلم لكان أفضل فالحبيب بورقيبة هوامتداد مستقبلي لفكر المصلح الطاهر الحدّاد.

أمّا الإيقاع العام للفيلم فكان سريعا متلاحقا يضارع سرعة تحوّلات الفترة وكثافة أحداثها دون أن يهمل التناقضات التي تخترق الشخصيات في لحظات جدّها ولهوها في أحايين عشقها وخيبات أملها في تردّداتها البشرية وطموحاتها العملاقة


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى