
جرة نازك ضمرة تماثل ديمومة الحياة
المؤلف والنص يتناوبان داخل السرد.
يكاد يكون علم السرديات هو من إختصاص النقد الحديث بمنهجياته ومرجعياته المتباينة بعد أن أصبح الخطاب الإبداعي هو خطاب يضاف له الخطاب النقدي ليضيف له بعدا آخر، وهنا تتداخل البنية الاشكالوية للنص مع بنية النقد الحديث، والتي تبدو وكأنها أفقا آخر يتعايش مع المتن السردي علي حد تعبير((سعيد يقطين )) في شرحه لتداخل مستويات المتن السرديب باعتبار أن الخطاب السردي بمستوياته المتداخلة مع البني التحتية للنص وهو يبدو هنا أكثر وضوحا وتجسيدا لخصائص الخطاب السردي بمستوياته المتداخلة مع البني التحتية للنص، وهنا تكون البداية مع أولي خصائص ومميزات الدرس السردي وخصائص بناء الخطاب ومراحل تراكمه وتكوينه وتكامله ضمن حدود النص ولابد من وجود مقارنة بين مستوي بناء الخطاب والمستوي الدلالي والتأويلي العام له.
ولأجل ترك المسميات ضمن حدودها التأويلية المتعارف عليها وعدم الخوض في ألية ألاستجابة الحديثة، ومحور أستجابة القاريء كونه يتأثر سلبا أستنادا لمرجعياته المتباينة والتي تحكمها علاقة (( القاريء - النص )) من جهة و(( المؤلف - النص )) من جهة أخري كونهما يتبادلان مواقعهما داخل الوحدة التكوينية للعمل السردي بعد أن تصبح آلية التواصل متوقفة أحيانا ضمن بعدها التأويلي النظري والذي يقتصر أحيانا ضمن حدود ((المتلقي- النص)) والذي يقع ضمن تأثير الافق الدلالي للنص والمتمحور ضمن دلالات بؤرة النص وأشكالياته، وهنا لابد من الآخذ بنظر الاعتبار أن السرديات وخلافا لمنحي الخطاب كونه خطابا أشكالويا يرتكز في أغلب عناصره الديماغوجية المتغلغلة في بني النص التحتانية والمتمحورة ضمن سياقات المتلقي كونه طرف تأويلي ينظر ضمن أفق النص بعينه ألاخري الخفية ولأجل فهم مداخل النص وعدم أضاعة سماته الداخلية وقابليته ألي الوصول ألي مناطق التبئير العامة والذي يصح أن تترك بدواخله نقطة أشعاع من متن النص السردي نحو ذهنية المتلقي الذي يدخل بسجال اللاجدوي وآلية التلقي التي تتداخل مع السرد وكذلك مع معني المتن السردي، بأعتبار أن النص يتراءي أحيانا ضمن دلالات مبهمة قد تبعد الوجوه الكثيرة والمتشعبة عن بؤرته المتمركزة في دواخل سلطة المتلقي الخفية.
بعد هذا المدخل لابد من توضيح أشكالوية البعد الواقعي للخطاب السردي الروائي (لرواية الجرة لمؤلفها نازك ضمرة) بأعتبار أن الرواية هي الشكل الملحمي النموذجي الكبير لذلك التصوير الحكائي والمقابل لملحمة العصور الوسطي، وهنا ندخل ضمن بحوث (( نظرية الرواية )) ومنعطفاتها في نقاط الذروة من تطورها، وخير مثال هنا هو الرواية الاوربية ونضال ممثليها ضد الاستبداد في القرون الوسطي (( سويفت وفولتير )) من جهة و((رابلية وسرفاتيس))من جهة أخري.
وهنا نصل إلي أقتحام الواقع اليومي ومرحلة التراكم البدائي والتطورات الفاصلة في إنكلترا وفرنسا حيث ((ديفو وفيلدنغ وسمولت )) وفيها ظهرت أجرأ المحاولات لخلق بطل أيجابي، وبعدها إنحطاط وإنحلال ذاتوي للشكل الروائي، وبعد المدرسة الطبيعية والواقعية في الرواية ((بلزاك وزولا )) والرواية الروسية (( تولستوي وتورجنيف وغوغول ودستوفسكي )) وهم خير ممثليها في الواقعية النقدية، ولاننسي لكي لايتشعب بنا المشهد بألامثلة باعتبار أن المدخل هو للتمهيد لقراءة رواية
(( الجرة )) نازك ضمرة بأحداثها الواقعية الجديدة، وهل أنه أستند ألي أشكالوية جديدة بعد أن أصبح السرد الروائي معقلنا ذو أفق فلسفي كوني فالجرة هي عنوان الحياة ورمز ديمومتها، ونحن هنا نبدو ضمن أفق جديد يدفع بنا نحو سطح الخطاب وكذلك ألي متن النص بأعتبار أنها رواية جديدة تتعامل بحذر مع نص مفتوح قد يصبح به المتلقي مشاركا وربما بطلا آخر يتعايش بجوارشخصيات الرواية وهم يحملون هموهم ألي داخل بئر الحياة ليجعلوا منها أكثر أحتمالالكي نحيا بها.
وهنا لابد من فهم دقيق لتفاصيل الرواية وهي تأخذ من الرؤية الواعية منظورا لها لكي تقتحم هذا الواقع المزدوج واللاعقلاني والذي يدفع بالانسان وهو يعيش حالات الضياع واللاجدوي إلي تساؤلات كبيرة بعد أن تسحبه لكي تضعه في عمق النص وأنا هنا أضع هذه الاستجابة ضمن إستجابة المتلقي ضمن حدود الدهشة أمام عمل سردي وخطاب أشكالوي يحمل مرجعيات (( الراوي- العليم )) ضمن حدود الواقعية السحرية في حدود العمل السردي، ويبقي العمل السردي متمحورا ومتوازيا مع الماضي بأعتباره زمنا أخر قد يتداخل مع (( الزمانية - المكانية )) بأعتبارها بنية آخري داخل بنية السرد المحدودة والتي ربما يخرج منها البطل خاسرا وستكون القراءة مقطعية بأعتبار أن النص يتمحور ألي مقاطع تتداخل قيما بينها لتشكل نسيج الرواية العام.
يبدو السرد واضحا في مدخل الرواية (( أوقف مشيه علي أربعة...... مر وقت بعد العصر...)) وعبر أكثر من دلالة (( زمانية -مكانية )) ومنها (( الجبل الغربي، فعوش، رأس الجبل رأس أبو أسماعيل.... قرية البرج )) وعبر أكثر من دلالة أخري يبدو المقطع الاول متناغما في مداخله مع(( أفق النص )) وهويتفتح ضمن أستجابة القاريء الاولي وهو يتسلح بمرجعياته مخترقا النص ومتوغلا في تفاصيله حيث يخشي أحيانا (( بير أماعين ))
متعاطفا مع (( الراوي- العليم )) وهويخشي فعل الغرق في متاهات النص، وكونه يستعد للتوغل حذرا في متاهة الخطاب وهو يمسك عصاه السحرية ليجعل من الاشياء متداخلة مع المنطوق المعقلن وعبر مداخل متتالية في أفقها ومتناغمة في أواليتها المتصارعة نحو أكثر من أحتمال يجعل من القاريء وكأنه يغير قناعاته مرة أخري.
وهنا لايصح أن نطلق أحكامنا ضمن السياق الدلالي للحكاية حيث تتداخل عملية نقل الماء بالجرة مع وصف الفتاة وهي تنقل الماء بجرتها هذه العملية التي تمثل بديمومتها فعل الحياة نفسه، وهنا تتباري الفتيات بوصف واقعي جميل وبعفوية كاملة تنأي بالمتلقي عن زحمة الضجيج المفتعل والذي يثقل المتن السردي أحيانا، وهنا نصل ألي نقطة مهمة تدفعنا للتلذذ أكثرببنية النص بعناصره المتداخلة، وهنا يتلاشي (( الراوي-العليم )) تدريجيا وبشفافية خلف البعد الثالث من أبعاد العمل الروائي، والذي يكون سر نجاحه وتماسك عناصره الداخلية وتوزيع أدواره بذكاء بين شخصيات العمل الروائي، حيث يكون ثمة خيط خفي يمتد علي طول ومساحات غير معروفة وعصية علي الفهم، وهذه من عناصر الشد التي تدفع بالمتلقي نحو ظاهرة ((النص المفتوح ))
وعمق الدلالة بأضافاته الجديدة بأعتباره- أي المتلقي -هو مشارك آخر في السياق الدلالي السردي، ولاجل توضيح آلية السرد المعقلن لابد أن نتوقف قليلا عند بعض المقاطع الصغيرة ضمن هذا المقطع الاول حيث يحاول البطل ((رؤية أي شيء في الظلام ))، (( يرتعش أمام هوة البئر ))، ((ثم مرة أخري لم يسمع جوابا ))، (( وبعدها حيث يري عيون سماهر ))وبعدها لايسمح ((للبنت أن تنزل الي أسفل النبع ))، ((- أخشي عليك السقوط ) ألي أن نصل ألي نهاية المقطع الأول (( لايريد أن يبتعد عن الدرجة الصدئة ))، ((لايخشي الارتفاعات ولا الاعماق)) ((الفراغ مجال تحركه))،((ينصب شبكه في كل زمان ومكان )).
السرد هنا يجعل من الرؤية واضحة، وهذه هي أحدي صفات العمل الروائي الناجح حين يدفع بالمتلقي طوعا للتوغل في ثنايا النص وكأنه يمسك به بعد أن يشارك ربما في هموم (( الراوي -العليم ))وهو يحمل صورة الواقع المقلوبة علي كتفيه ليضعها ضمن مسارها الكوني الصحيح.
المقطع..............2
في المقطع الثاني يتداخل السرد بالخطاب الديني للبطل وهو يسمع الآذان في أذنيه وتحميه المئذنة فلماذا في قاع البئر،
هل وصلت قاع البئر؟الجو بارد هناأسرع أسرع.
وبعدها يصبح الحبل هو الذي يصل القاع بالسماء وهنا تبدو بنية التجرد عند البطل واضحة حيث تتسامي المشاعر الباطنية للانسان نحو ذروة العمل الملحمي في السياق الدلالي السردي للحكاية حيث يتداخل المتن بالنص وعبر أكثر من أشارة ضمن تيار الوعي
(( لن أعود هنا ثانية، لن أعود هنا ))، وهو صراع داخلي بين بطل الرواية ومصيره المؤجل في سياق السرد، ولو لفترة لكي يجعلنا (الراوي -العليم ))نشارك في أحداث النص المتسارعة والذي ينأي به ولو لفترة عن مهمته التي يحس بها وكأنها تنتشله
ولو لترة قليلة من أعماق البئر ألي صفحة السماء الواسعة، ثم يوظف الروائي ثيمات الموروث الشعبي وحكايات الجن المعروفة ويتداخل مع المتن صيغة تقررية أخري تبدأ كالآتي (( حدثتني جدتي وأمي.........))، وعند القاع يسمع البطل مرة أخري صوت آخر ((لاشيء سوي الصدي، لماذا لاأسرع بالصعود ؟ ))، هل أن الصعود هنا هو صعود البطل نحو نهايته ؟ أم أنها صعود سلم الحياة بعد أن يتسامي البطل ضمن قضية معينة تجعله مسؤولا وموضوعا في موقف، وهذه المقولة نتذكر بها مواقف الفيلسوف الفرنسي جان بول سارتر في كتابه الشهير((مواقف )) ذلك الكتاب بأجزاءه الستة والذي حاكم فيه الكثير من الروائيين الفرنسيين ووضعهم أمام تساؤل خطير هو أن الروائي مسؤول فعليا عن الكثير من مواقف الصمت وتلك هي أشكالية العمل السردي حين يضع النقاط فوق الحروف وخصوصا أمام الاحداث اليومية وهل أن الفعل بين (( الراوي -النص)) في حكاياته هو موقف يتوزع بين شخصيات الرواية والسارد والمؤلف ؟والذي ربما يتخفي داخل النص ليطلق صيحته العالية في صفحة الكون اللانهائية، وفي نهاية المقطع الثاني يضع (( الراوي - العليم ))بطل روايته أمام تساؤل خطير وخيار صعب بين أن يكون جبانا علي هواه أم يشارك في عمق النص ونهاياته المحتومه وتلك هي أشكاليات النص المفتوح الذي يدفع بالمتلقي ألي الخوض في زواياه الحرجة وهنا نتوقف قليلا لكي نرسم مسارات النص ونعيد صياغتها ونسجل فوق الصفحات قليلا من صمتنا الذي هو صمت عقلاني وغير جاد ولايجوز أن نغلق الرؤية البديلة التي حتما هي نهاية البطل في معترك الحياة.
المقطع..............3
الأحاسيس تتوالي والسرد الروائي يبدو واضحا وكأن الأشياء أتخذت معناها النهائي ولكي يضعنا الروائي في صلب الأحداث ويسحبنا وكأننا لأول مرة نري العمل ينفجر وكأن الاشياء غير واضحة بمعناها المستتر وهنا لابد من الاخذ بنظر الاعتبار علاقة النص بالاشياء وبنهاياتها المستدقة وأقحامها داخل (( البئر ))، وعلاقة هذا الرمز بالحياة الواسعة بمعناها الفلسفي، ونحن
نري بالعدسة المكبرة درجات البئر وهي تغور الي الاسفل، ونستنشق رائحة الهواء المحصور مع البطل وهنا تتداخل بنية النص مع أستجابة القاريء، حيث يفرض (( الراوي -العليم )) رؤيته الخاصة لكي يمهد للمقطع الرابع والخامس وغيرها، وستكون قراءة المقاطع متداخلة هنا وبعيدة عن التفاصيل التي تثقل القراءة أحيانا، في بداية المقطع الرابع ثمة زيارة لبطل الرواية ألي الرملة ويافا وتل أبيب، وكذلك حفظه للوصايا، ويكرر في أكثر من مكان هو أنه (( أبن فلاح من قرية صغيرة تبعد نصف ساعة عن مدينة الرملة، وتتوالي الاحاسيس في المقطع الخامس وعندما نصل الي المقطع السادس والسابع يكاد يرتسم أمام أعيننا أعلان صغير أمام البئر وهنا يكون التمهيد للمقاطع الأخيرة والتي لنا عودة لها في موضوع مفصل آخر، وفي الختام لابد من الاشارة إلي أن واقعية السرد هي حتما أحدي النقاط المهمة في هذا العمل الروائي المشحون بعاطفة الارض، وأخيرا أنه عمل لابد من قراءته أكثر من مرة.