جميل علوش
يوم الاربعاء الموافق 13/6/2007 كان الدكتور جميل علوش الشاعر وأستاذ النحو والصرف والأديب والمؤلف الذي أثرى المكتبة العربية بعيون الكتب وأسفار اللغة ، على موعد مع عيد مولده السبعين ، وفي حفلة عائلية صغيرة اقتصرت على رفيقة دربه سهام وفلذات كبده سيرين ونهلة وعبلة وحفيده ناصر، قطع قالب الحلوى والدموع تنهمر من عينين صغيرتين ، فسالت بخطوط متعرجة فوق خدين شاهدين على قسوة الزمن فبدت تضاريس القِدَمِ جافة متعرجة مترهلة حيث استطاعت بعض قطرات الدمع وعلى الرغم من بطء جريانها ، أن تسير ضمن التعرجات التي تركها الزمن على الخدين الجافين المتجعدين ، ضحك جميل ، وهو يتقبل التهاني والدعوات ، ويده المرتجفة تقبض على عصاه الجميلة الحمراء المتعرجة القوام ، وكأنها تحاكي به شيخوخته التي تخبىء تحت ردائها عبق العطاء ، علما وأدبا ، شعرا ونثرا ، تأليفا ونقدا ، وأماسيا لاتنسى من الشعر والحوار اللغوي ، والنقد البناء الرصين ، وشجون الشائع من الأخطاء اللغوية ، وعثرات كبار الشعراء ومزالقهم .
لقد عاش الدكتور جميل علوش فترة ليست بالقصيرة في عالم التأليف والقراءة والبحث والتعليم ، كان نتاجها العشرات من كتب النقد والدراسات اللغوية والمجموعات الشعرية ، والإشرف على العديد من الرسائل الجامعية لمنح درجة الدكتوراة للطلبة الباحثين ، حيث يحمل الدكتور جميل علوش درجة الأستاذية في الصرف والنحو من الجامعة اليسوعية في بيروت ، وكان ضيفا على العديد من المهرجانات الأدبية والشعرية والثقافية ، العربية والمحلية ، ورئيسا للعديد من لجان التحكيم في المسابقات الأدبية والشعرية والتي تنظمها الجامعات الأردنية ، وكما نظم العديد من القصائد في المناسبات الوطنية المتعددة .
الشاعر الدكتور جميل علوش أردني الولاء والإنتماء فلسطيني المولد والغربة ، عربي الفكر ، قومي الشعور ، منافح عن اللغة وسباق للغيرة عليها والولاء لها ، قارىء صلب جلد ، لا تقع عينه على كتاب إلا واقتناه في مكتبته الزاخرة بأمهات الكتب وعيون الشعر ، فأبوه في اللغة والشعر شوقي ، وعمه حافظ ، وخاله مطران ، يجد ضالته في اللغة في سور القرآن الكريم ، والذي أعرب منه إعرابا لغويا ثلاثين جزأ .
الشاعر الدكتور جميل علوش من مواليد قرية بير زيت في فلسطين ، والتي تعيش بداخله في شغاف قلبه وثنايا روحه والتي يكاد الزمن أن ينسيه دروبها وظلال بساتينها وبياراتها ، وذكريات
الطفولة في أفياء شجيرات البرتقال حيث يلوذ بشبابته رفيقة طفولته ليعزف عليها أنغام البوح بمكنونات النفس ، ويعيش كغيره أحلام الحب والغزل والعشق والوله ، عاش شبابه فقيرا دخله لا يكاد أن يكفيه العوز ، حيث الشباب والقوة والأحلام وعندما ارتاح ماديا وأصبح في استطاعته أن ينثر المال على ليالي الكيف وتحقيق المتع ، كان الزمان قد أتى على رماد قوته وبقايا ما في النفس من رؤى للمتع الدنيوية ، فخرج من الحياة العاطفية كما دخلها ، لم تعلق بثيابه متعها ولا غرورها ، لكنه خرج منها بأمهات الكتب ، ذكريات لما تبقى من عمره ، وإرثا لأجيال العربية القادمين يحملون لواء مجدها وبقاءها وألقها يعودن لمؤلفاته ليجدون بها ضالتهم ويغرفون منها زادا للأيام المقبلة ما دامت الأرض للخلق واللغة للعرب .
الشاعر الدكتور جميل علوش " ماسة ، دانة ، علق نفيس " علينا أن نلتفت إلى أدبه وشعره
وأن نقف عليه وقوفنا على الأطلال ، على شعر شوقي وحافظ ومطران ، وأبي العلاء وبدوي الجبل وأبي ريشة ، وأعلام اللغة والبيان . أعلام الصرف والنحو ، والسجع والبديع .
هذه مقتطفات من شعوري وأنا أراقب الدكتور جميل وهو يقطع قالب الحلوى بمناسبة بلوغه السبعين مضت من عمره المديد ، وإحساسي بيديه المرتجفتين وهو يرفعها لفمه .
وبعد فإنني أدعو الله أن يمد بعمر هذا الأديب الشاعر العالم ,ان يجزيه ثواب مؤلفاته .