الأحد ١٦ آذار (مارس) ٢٠٠٨

حادث ليلي

بقلم: توفيق زياد
فتح الباب علينا.. فجأة..
وانهار أرضاً كالجدارْ
كان في عينيه رعبٌ،
... وعلى الجبهة فرخا جلّنارْ
وعلى الكتف اليسارْ
ثوبُه القطني معجونٌ مع الكتف اليسارْ
لم يقلْ شيئاً..
.. قفزنا نحوه..
.. مزّقت الصمتَ امرأةْ:
- "أينه..؟!"صاحت:"أبُ أولادي الصغار"
لم يقلْ شيئاً.. ولكنْ
طالَ من جيبهِ منديلاً معرّقْ
كان منديلاً عرفاه جميعاً
كان مخضوباً مخرّقْ
صاحت المرأةُ"أوّاهُ"وراحتْ..
.. تتمزّقْ..
 
****
 
- "آهِ كم موت علينا هذه الأيام أن نهربَ منه"
زفر المنهار أرضاً كالجدارْ
وعلى أسنانه شدّ كمن يبلعُ سكينة نارْ
"كنت أمشي خلفه لما سمعتُ المدفع
الرشاشَ.. أمشي كنتُ خلـ.. كانت
الليلة قمراءَ، وكان النهرُ مرآةً، وكنا
نقطعُ الجسرَ حفاة صامتينْ
مثل رتلٍ من لصوص حذرينْ
كانت الليلةُ قمراء وكنا عشرةً.. عشرين.. خمسين
أنا لا أذكرُ كم..
.. لكِ يا أرض العذابْ
يا بيوت الطين.. يا رائحة الأهل..
ويا حفنة عشبٍ وترابْ
مثل رتلٍ من لصوص لك كنا عائدينْ
نقطعُ الجسر حفاةً حذرينْ
عندما انقضوا علينا فجأةً مثل الذئابْ
فتحوا أفواه رشاشاتهم.. متران كانا بيننا
آه كم موت علينا،
هذه الأيام أن نهرب منه!!
لم نكنْ نحملُ حتى خنجرا
وتساقطنا على بعضٍ تساقطنا
كرفٍ من ذبابْ
وهو..؟! صحنا كلنا صيحة شكٍ وارتياب
وهو..؟؟
صمتٌ،
ونشيجٌ،
وسكاكينُ عذابْ
 
****
 
- "جمعونا كلنا في حفرتين
ورموا بعض الترابْ
لم أكن ميتاً ولما تركونا
قمتُ.. كان النهرُ مرآةً وكانتْ
ليلةً حمراء غرقى في الضبابْ
وأنا أزحفُ في صمتٍ وذعرٍ وعذابْ
وعلى الأرض أمامي
كان منديله ملقى، فعرفتُهْ،
وحملتُهْ..."
جلستْ في قرنة الغرفة تبكي امرأةٌ حبلى
وبنتُ وصبيّ
أنتِ يا محمرة العينين.. ما نفعُ البكاءْ
عندما نفسُ الدماءْ
لا تساوي اليوم شيءْ!!
 
****
 
آه يا رائحة الأهل..
ويا بيتاً من الطين..
ويا حفنة عشبٍ وترابْ
كم علينا اليوم..
من أجلكمُ..
.. أن نجرع الموتَ..
وألوان العذابْ!!
بقلم: توفيق زياد

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء او المديرات.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى