السبت ٢ آب (أغسطس) ٢٠٠٨
بقلم صبحي فحماوي

(حرمتان ومحرم) لصبحي فحماوي

رواية ترصد البؤس والشقاء الفلسطيني.

في ندوة ثقافية نقدية عقدت في المعهد الدولي لتضامن النساء ، في عمان- الأردن - لمناقشة رواية صبحي فحماوي(حرمتان ومحرم) التي صدرت حديثاً عن روايات الهلال، أدارها الدكتور نضال الشمالي من جامعة البلقاء التطبيقية، وتحدث فيها كل من الدكتورة عالية صالح من جامعة عمان الأهلية، والدكتور هيثم سرحان ، من جامعة فيلادلفيا.

وقال د. نضال الشمالي أستاذ الأدب الحديث، مدير الندوة :

تنشغل رواية (حرمتان ومحرم) بتقديم أكثر من فكرة ملبسة في حبكة ملبسة ، منقسمة على ذاتها، كما الواقع الفلسطيني في الداخل والخارج ، فلا أفضلية لواقع على آخر ، فالواقع الفلسطيني في الداخل منغلق على أزماته المتعاظمة ، وحاله ليس بأفضل إذا ما كتب له الخروج من هذه الدائرة، فإنه سينتقل إلى دائرة مماثلة. والأمر برمته في هذه الرواية محكوم لراوٍ عليم، ولكنه مرتبك وخائف ومضطرب، يخطئ في تعابيره، فيصوبها سريعا، قياسا على "بدل الغلط" فما يرصده يفوق احتماله ويشتت تركيزه . إن هذه الرواية، هي في مجملها ، تسليط للضوء على مجتمع يحيا على هامش الحياة، في المنطقة الفاصلة مع الموت، أو الواقعة فيه .

وقالت د. عالية صالح أستاذة الأدب والنقد في جامعة عمان الأهلية:

عالم رواية (حرمتان ومحرم) هو مخيم فلسطينيين يقع في الأرض المحتلة . تغوص الرواية فيه راصدة البؤس والشقاء الذي يعيشه المجتمع الفلسطيني تحت الاحتلال . والمخيم مكان للحصار والموت والدمار ، لقد واجه الفلسطيني خلال حياته تجربة المنفى والقتل والإرهاب، ولكنه تعايش مع فكرة الموت، وصار الموت هو الوجه الآخر للحياة. وتعايش مع الحصار في المخيمات وفي غيرها.

"في معسكر الحصار يتوسط حي "سلام الشجعان" سوق شعبي تقليدي... وفي الزاوية البعيدة تقبع محددة "العودة" التي تلفت الانتباه اليها باصوات طرقاتها والرائحة الخانقة المنبعثة من اشعة لحام الاكسيجين والشرر المتطاير من جسد حديدي يتم تقطيعه من الوريد الى الوريد..."

رواية تحرص على المكان، وتجعل العلاقة بالفضاء هي الحكاية من بدايتها إلى نهايتها، مجسدة العلاقة الجدلية بين الإنسان والزمان والمكان. واختيار فحماوي للفضاء لم يكن وليد الصدفة، وإنما يتكئ على إيديولوجيته وخبراته في هذا الواقع الذي يعيش، ومن قراءاته في جوانب معينة ومعايشته للواقع وانخراطه فيه.

مكان سرد الرواية هو المخيم، إلا أنها امتدت إلى ولاية الرمال العربية، فكأن الرواية رحلة كابوسية في المكان .والرواية لم تبق من الفضاء شيئاً صغيراً ولا كبيراً إلاّ سلطت الضوء عليه. مجتمع يحكي نفسه. فالفضاء كتب محملاً بطبيعته المرجعية وأبعاده الرمزية والثقافية والأيديولوجية.

المفارقة في رواية حُرمتان ومـَحْرَم

وقال د. هيثم سرحان أستاذ الأدب وتحليل الخطاب في جامعة فيلادلفيا:

يتأسس البناء السردي في رواية "حرمتان ومحرم" لصبحي فحماوي على مـُكوِّن المفارقة الذي يهيمن على المستويات كلها. ولعلّ القصة التي تقوم عليها الرواية تساعد على فاعلية المفارقة ؛ فهو صوت الذاكرة الفلسطينية التي تدين الظلم والقهر الواقعين على مجتمع القطاع المحاصر في فلسطين المحتلة، حيث يسود البؤس والشظف والموت المجاني والكوميديا السوداء.

ويتمثل مكوّن المفارقة في التناصّات التي تكاد تجعل من رواية حرمتان ومحرم نصًّا مفتوحًا على التاريخ الفلسطيني وزمن النكبة ومتتالياتها المتجسدة في النكسة وضياع فلسطين التاريخية والانتفاضة الأولى، كما يتجسد التناص في الإحالة الضمنية على رواية رجال في الشمس لغسان كنفاني، ففي رواية حرمتان ومحرم تضطر أسرتان غزيتان إلى إرسال ابنتيهما إلى "ولاية الرمال" للعمل مدرستين من أجل مساعدة أسرتيهما على مواجهة شظف العيش وبؤس الحياة في "معسكر الحصار". ولعلّ الترميز الذي وظفه الكاتب في استخدامه "ولاية الرمال" هي استراتيجية مارسها كثير من المبدعين أبرزهم عبد الرحمن منيف الذي لجأ إلى "مدن الملح" تعبيرًا عن المدن العربية التي تغتال الإنسان وتصادر وجوده.

وتعيش الفتاتان الفلسطينيتان محنة خانقة في مدينة الواحة التي صارت مستقرًا لهما، فالمعلمة تغريد التي كانت تسير في شوارع معسكر الحصار وهي تطلق جسدها البضّ للهواء والشمس صارت محاصرة في مدينة الواحة حيث أصبحت مضطرة لارتداء الحجاب والعباءة السوداء، والدّثار خوفًا من "الضـّباع" الذين لا يتورّعون عن التعرض للنساء والفتيات والتحرش بهن ومضايقتهن.

وفي مداخلتها قالت المهندسة سناء هلسة:

لفتني مشهد شاعري في رواية حرمتان ومحرم لصبحي فحماوي، وهو قول السارد في وصف استشهاد طفلة على مقعد الدراسة : " انكسرت الزنبقة على حضن أوراقها التي تعلمها القراءة والكتابة.." وفي وصفه لاستشهاد طفلة في حضن أمها ، يقول: " بردت الأم، وسقطت زهرتها قبل أن تعقد ثمرتها." ولفتني تشبيه الفلسطيني بحصان امريء القيس (مكرٍ مفر مقبل مدبر معاً ، كجلمود صخر حطه السيل من علِ) فالفلسطيني يحمل كل هذه الصفات معاً ..

رواية ترصد البؤس والشقاء الفلسطيني.

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى