السبت ٢١ تموز (يوليو) ٢٠١٢
بقلم نور الدين علوش

حوار مع الدكتور عامر عبد زيد الوائلي

 بداية من هو الدكتور عامر عبد زيد الوائلي؟
 أستاذ الفكر الوسيط في جامعة الكوفة كلية الآداب قسم الفلسفة، مارست الكتابة والتأليف في الفكر النقدي والتدريس للدراسات الحضارية والسياسية في أماكن متعددة

 باعتباركم من الباحثين في المجال الفلسفي، ما رأيكم في المشاريع الفلسفية المطروحة (مشروع الجابري رحمه الله والحنفي وطه عبد الرحمان..)؟
 أنا بودي مقاربة نجاح تلك المشاريع من خلال مقاربة جدلية العلاقة بين جدلية التحديث والدولة والعلاقة الصراعية مع الأخر أمور قد تبدو متباعدة؛ إلا أنها بالنتيجة متداخلة إلى حد كبير وأثرت على الواقع العربي وعلاقته بتراثه ومستقبله

وهي أمور قد تبدو خافية على المتابع الذي يبتعد عن قطبي الحداثة في العالم العربي:الايدولوجيا والمعرفة،فمع أول إطلاله للأخر كانت هناك حالة من الرهبة والإعجاب بالأخر ممزوجة بالصور النمطية عن الأخر وهي ركام صراعات طويلة فكان الحل يقوم على تحديث الدولة من اجل بقاء النظام وتغيب الشعب إي أنها عملية تحديث للدولة التي يهيمن على مقدراتها الأمراء وليس للشعب كما هو شان الحداثة في الغرب،لأن الشعب فقد تم تجييره ليكون جزء من إدامة الدولة الأميرية،وأحلامها التوسعية - وهو أمر رصده كانط في الغرب- ولم تكن النهضة الفكرية هي الهدف والغاية بل نتيجة غير مباشره لأن الهدف كان الدولة.في ظل هذه العلاقة غير المتوازنة بين حداثة غربية اجتماعية وسياسية واقتصادية ومشروع غربي بالهيمنة وبالمقابل كانت هناك دولة أميرية تعيش ما قبل الدولة إي دولة الملل والنحل والمجتمع ليس متجانسا وليس مندمجا على شكل المجتمع الحديث،وغياب مؤسسات اقتصادية وسياسية كل هذا ساهم في تفكك وخضوع العالم العربي إلى هيمنة الأخر في ظل الخطاب الكونيالي.كانت بداية المشروع الاستعماري وظهور دولة ألامه في العالم العربي التي تحاول دمج المكون الاجتماعي في دولة الأمة كان التحول صعبا وعميقا ؛ إلا انه استبطن الانقسامات المذهبية في آليات الدمج إذ هيمنت إحدى الاثنيات على البقية..في ظل هذا بدأ التحول إلى النضال من اجل الاستقلال وظهور ما بعد الكونيالية وهنا تم استعارة الخطابات الشمولية الماركسية في العالم العربي الذي لم يكن قد تحول إلى دولة صناعية بل تم التأثير عليه بفعل الاستقطاب وانقسام العالم العربي إلى معسكرين يعيش رهان الحرب الباردة الغربية التي هي رهينة انقسامات داخل الغرب وتحولات تواجه الحداثة الغربية حاولت تلك الثقافة أن تستجيب لها من خلال إعادة النظر في حداثتها السياسية والاقتصادية من خلال ظهور" دولة الرفاهية " في السبعينات.

أما عالمنا العربي فقد أعاد إنتاج الأزمة " الحرب الباردة " من خلال انخراطه في خطابات شمولية تقوم على الثورة وبناء النظام الشمولي أي أصبح الهدف هو السلطة من اجل التحكم بالدولة وهنا ظهرت السرديات الكبرى: الشيوعية والقومية والإسلامية وأطروحاتها في التغير وفهمها الثوري من خلال اعتماد العنف وهو الوسيلة من اجل الوصول إلى السلطة.من خلال ابتداعها مخيال شمولي ينطلق من نموذج تخيلي سواء كان في الماضي او المستقبل إلا أنها ألهمت الجماهير خطابا تضحويا يفترض وجود أكباش فداء ويعتمد على آليات التخوين والتكفير...الخ.كل هذه المشاريع احتكرت السلطة وجعلتها في خدمة النظام والقيادات المهيمنة عليه واعتماد العنف وسيلة من اجل البقاء كل هذا ولد الكوارث الاقتصادية والاجتماعية والسياسية حتى جاء الانفجار الكبير وبدت هنا حالة من التحول تقوم على اتخاذ الصناديق كبديل عن الثورة ودولة الأمة بدلا من الخطابات الشمولية والحاكمية للأمة بدلا من الحزب والقائد المنقذ من الضلالة.

علينا أن نبدأ من جديد وان نتيح للمكونات إعادة إنتاج علاقتنا بالأخر سواء كان الأخر التراث من خلال إحياء التعددية فيه أم كان الأخر الغرب من خلال مقاربته مقاربة نقدية واستثمار ما يمكن استثماره دون أن نتناسى إنها قوى لها مصالحها التي قد تتفق مع مصالحنا أو تختلف.يجب إن يتم قراءة تجربته والتثاقف مع المجتمع المدني في الغرب.

 ضمن هذه الرؤية نستطيع إن ننظر إلى دور المشاريع الفلسفية (مشروع الجابري رحمه الله والحنفي وطه عبد الرحمان..)؟
 باعتقادي هذه الشخصيات مثلت دورا ثقافيا مهما في الحراك الثقافي بإطاره النقدي رغم انطلاقها من خلفيات فكرية متباينة ؛ إلا أنها أيضا تشترك في أن الواقع العربي هو رهانها الذي تعمل على إيجاد حلول لمشكلاته ؛ إلا أنها تختلف باختلاف الانتماءات اللايديولوجية لكل منها، ومن هنا يرتبط كل مثقف منهم بمواضعه سياسية ما وخلفية ثقافية ما، في تقيم العلاقة مع الأخر سواء كان التراث أو الغرب ومن هنا يختلف كل منهم في موضعه ضمن إشكالية الهوية والاختلاف.

 هل تتفقون مع الذين يقولون بأننا نعاني من أزمة منهج وليس أزمة مشاريع فلسفية؟
 العزل بين المنهج والرؤية الفلسفة عزل غير موفق لان الترابط بينهما عضوي بمعنى إن المنهج يمثل آليات وتقنيات محدد بإطار ابستمولوجي وعقائدي وهذا يعنى إن المنهج محدد برؤية علمية –عقائدي من الوجود ودور الإنسان فيه من هنا نحن بحاجة إلى الانفتاح على الأخر سواء كان التراث أو الأخر الغربي حوارا تواصليا من اجل الانفتاح على الأصول التراثية من ناحية وعلى المتغيرات الثقافية العالمية المعاصرة من ناحية أخرى، لكن هذا الانفتاح التواصلي بحاجة إلى أن يكون مزودا برؤية تجمع بين التحليل النفسي والنقد الثقافي.

من هنا تغدو عملية الفصل الميكانيكي بين المنهج والرؤية عملية غير ممكنة.

 هل حقا ما أنتج العرب من فكر يستحق ان يوصف بالفلسفي؟
 يبدو لي هناك نظرة تقويمية لذات كل جماعة أو جيل يحاول أن يتهم الذي سبق بالردة والتخلف أو التبجيل والمدح وهذا أمر يختلف عن المنهج النقدي الذي يديم المشاريع بالنقد لهذا الفكر عندما يرتبط بالواقع وإشكالاته ويكون أكثر قدرة على التواصل مع السابق من خلال النقد والتصحيح من اجل خلق مراكمة بالمعالجة.

لكن الذي نجده إن الفكر في عالمنا العربي هو بين خناقين هما تبعية للأخر سواء كان الأخر
1- التراث: الذي مازال متراكما في عقولنا ومكاتبنا من شروح وتعليقات خارج التاريخ لأنها مازالت تخوض في خلافات وإشكاليات تجاوزها الزمن لأن الخطاب مازال أسيرا للمنهج والرؤية التراثية التي تتعالى على الزمن.وبالتالي المثقف السلفي لا ينتمي إلى الزمن المعاصر بل هو يرفضه ويمارس عملية الوصاية.ويرفض أن تكون معرفته ضمن التاريخ أي معرفة تاريخية شانها شان أي معرفة أخرى.

2- الغرب: بالمقابل هناك مثقف مشتبك بكل المنجز الغربي ويتعامل معه مستهلك ومروج له على انه معرفة خالصة يصنع منه بديلا عن عالمه ويتعالى على عالمه ويقدم نفسه بوصفه لا منتمي رافض لواقع والذي بدوره هو الأخر يرفض ذلك المثقف و يجد به جسما غريبا.رغم إن الغرب ذاته يمارس نقد ذاته بشكل دوري من خلال ظهور قوى تعيد قراءة التراث وتكشف ما فيه من انحياز لأسباب ثقافية أو سياسية أو طبقية، تمارس على ذلك الانحياز النقد والتقويض والهدم.

باعتقادي يجب أن يكون واقعنا نقطة الانطلاق من اجل إعادة صياغته تداولا اجتماعيا ومعرفيا وسياسيا عبر التواصل الذي ينفتح على الأخر نقدا وتوظيفا وانفتاحا لا من اجل الأخر بل من اجل واقعنا حتى يغدو أكثر غنى بالتواصل والتثاقف مع الأخر.

من هنا ما أنتجه العرب هو فكر مرتبط بالحقبة وإشكالاتها فهو بين التأصيل التراثي عبر الانفتاح على التراث، أو عبر التواصل مع الغرب والتبشير بالفكر المعاصر، أو تقديم أفكار بعينها لكن بقالب يتناسب مع الخصوصية التي تفترضها الهوية.فلا يمكن أن يكون هناك فلسفة دون أن نعترف بالفلسفة العربية الحديثة والمعاصرة والاعتراف يقودنا إلى التواصل والنقد من اجل إضافة لبنه جديدة في الفلسفة العربية الوليدة وسط كل هذا الحراك العالمي، لكن يجب أن ندرك إن أفكار الوعي الذاتي قد تم تجاوزها و يجب العمل على الخطاب الحواري التواصلي كما هو جاري في جهود المفكرين العرب في الرابطة العربية

 سيدي الكريم إشكالية أخرى نعاني منها أزمة التواصل الفلسفي بين إيران والعرب مع العلم أن هناك انتاجات رائدة نجدها عند سروش وشبستري وملكيان فلماذا؟
 إن الحوار مع الأخر ضروري كيف؟ لأن الآخر تجمعه معنا قواسم مشتركه كثيرة فالفكر الإيراني المعاصر يشهد تطورا في الرهان الفكري خصوصا بعد أن أصبح الدين يشكل المرجعية الفكرية بمعنى أصبح يمثل الرأسمال الرمزي المهيمن في المشهد الإيراني وهو الذي يسبغ الشرعية ويرفعها وفق مقياس العقيدة والراهن السياسي.من هنا كانت هناك حاجة إلى إعادة تأويل الخطاب الديني والمشاركة في تأويله مما يجعل هناك الكثير من التأويلات المنتجة للإجماع أو الاختلاف انطلاقا من التنافس على الحقيقة ورهانها السياسي...كل هذا تحقق من خلال علم الكلام الجديد.

  لماذا لا نجد مؤسسات فكرية وثقافية مشتركة تكون بوابة للتواصل والتعاون؟
— -اغلب المؤسسات الوطنية هي مرتهنة بالهم المحلي وهيمنة الدولة أو المجتمع الأهلي أما على الصعيد العربي فهي تعتمد على المؤسسات التعاونية الرسمية المرتبطة بالجامعة العربية وهي تعتمد على الخطاب الرسمي الذي تمثله الدول المنضمة إلى الجامعة بالمقابل غياب كامل للمجتمع المدني والجامعات والاتحادات الثقافية والحذر والريبة بين التمويل العابر للقطرية ممكن يكون تدخل سياسي يتخذ من الخطاب الدعوي أو النشاط الثقافي وسيلة اختراق من اجل التدخل في شؤون الدول الأخرى من اجل النفوذ الفكري والخ وهو أمر ورثناه من الحرب الباردة العربية والذي مازالت أثاره تظهر بين حين وأخر.

* سيدي المحترم نلاحظ الكثير من مراكز الدراسات الغربية تهتم بالظاهرة الإسلامية في حين أننا في الدول العربية والإسلامية ليست لنا مراكز مهتمة بالظاهرة المسيحية مع العلم أن لنا أقليات مسيحية عربية فما هي الأسباب في نظركم؟

نعم هذا جزء من الفكر المؤسساتي الذي يحاول معرفة الأخر كما هو فلهذا يقرأ الأخر من اجل إيجاد الآليات التي تتناسب مع مصالح الدارس سواء كان ذلك من اجل التطويع وإعادة إنتاج الأخر" المدروس" عبر دعم الخصوم لهذا الاتجاه أو العمل على التواصل وإيجاد قنوات اتصال معه أو توظيف المعرفة بالأخر لأسباب محلية داخل الغرب نفسه.

بالمقابل هذا الأمر غائب وليس معدوم بالمرة وسبب غيابه عندنا هو فهم الأخر المسيحي الشريك بالوطن قد يكون هذا مرده إلى الرؤية السياسية التي لا تريد الاعتراف بالأخر،حتى لا تعترف بحقوقه السياسية أو الثقافية أو بسبب تخلف مؤسساتنا في الوطن التي تحولت إلى مقاطعات يملكها من يديرها ويسخرها لخدمته.

 سيدي المحترم الكثير من المؤتمرات التي عقدت في إطار الحوار الإسلامي المسيحي لكن النتائج قليلة فما هي الأسباب يا ترى؟
 باعتقادي كما افهم السؤال على انه يبحث في عوائق التي كانت وراء فشل هذه المؤتمرات.الفشل ليس بالتأكيد فقط عربيا بل عالميا أيضا كم هي المؤتمرات التي فشلت في هذا المجال او غيره بالتأكيد كثيرة.لان اغلب المؤتمرات تعقد بدعم من جهات داعمة مهيمنة لا تريد أن تحاور بل تفرض رؤيتها بالتأكيد الفشل هو النتيجة، وعلى هذا الأساس ممكن أن نتلمس بعض ما نظنه سببا او عائقا يحول دون التواصل:

1. غياب النية الحقيقية التي ممكن أن تحول دون نجاح المؤتمر وتحوله إلى مجرد وسيلة دعائية.

2. غياب الرؤية الواضحة والخطط الإستراتيجية مما يجعل المؤتمر هواء في شبك لأنه ارتجالي وليس له غايات أو لجان متابعة ولا عمق شعبي.

3. غياب إجماع وطني يحقق اتفاق الإطراف المحلية حول الغاية من المؤتمر وهذا يتطلب حواريات اجتماعية وسياسية من بلورة رؤية وطنية يتحرك المؤتمر في ضوئها.

4. هيمنة البعد الدعائي على المؤتمرات يجعلها فاشلة ويغدو البعد الإعلامي هو الغاية الأساسية من المؤتمر.

5. مؤتمرات يكون الغاية منها تحسين الصورة أكثر منها بوجود قناعة من التفاوض والحوار والتواصل.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى