الأحد ٢٨ أيلول (سبتمبر) ٢٠٠٨

حوار مع الشاعر المصري شريف الشافعي

بقلم: مهدي حسانين

هادئًا يبدو في الواقع لمن يجالسه، على غير ما يراه الناظرون إليه من وراء سطوره الشعرية المتفجرة، الناسفة لكل الأعراف، والطامحة إلى تأسيس مذهبية شعرية جديدة طازجة بكل المقاييس. هو الشاعر المصري شريف الشافعي، الذي يقيم حاليًا في مدينة الخُبَرِ السعودية، مكرسًا قدرًا من جهده وطاقته لعمله الإعلامي في إحدى المؤسسات الخاصة، ومطلقًا ملكاته الإبداعية اللامحدودة، لتتخطى كل الإطارات الجغرافية. صدر له، في القاهرة، منذ أسابيع قليلة ديوانه الرابع بعنوان "البحث عن نيرمانا بأصابع ذكية"، وهو الجزء الأول من مشروع كبير اختار له الشاعر عنوان "الأعمال الكاملة لإنسان آلي".

أحدث ديوان الشافعي الجديد حراكًا في المشهد الشعري المصري والعربي، شأن الأعمال المفصلية الفارقة، وتطايرت حوله الأنباء والتحليلات الفنية، على نحو قلما يتكرر لديوان، أو حتى لشاعر طوال مسيرته الشعرية، الأمر الذي يشير إلى التقاء النقاد والشعراء ـ من تيارات وأجيال مختلفة ـ في نقطة الضوء التي أشعلها هذا الشاعر بديوانه الأخير المغاير. وقد صدر هذا الديوان على نفقة الشاعر الخاصة، في 230 صفحة من القطع الكبير، وبإخراج ميكانيكي الطابع، يتسع لأصابع "الروبوت" الذكية، ولعلامات ورموز شبكة الإنترنت العنكبوتية، وهذا ما يبدو متسقًا مع مضمون التجربة، التي كتبها "الإنسان الآلي"، المبدع، المتمرد على سائر القيود، والقوانين الهندسية والرياضية.

  في تصوركَ، ما أسباب هذا الدويّ الذي أحدثه ديوانك الجديد "الأعمال الكاملة لإنسان آلي"، بما يفوق دواوينك الثلاثة السابقة: "بينهما يصدأ الوقت" (1994)، و"وحده يستمع إلى كونشرتو الكيمياء" (1996)، و"الألوان ترتعد بشراهة" (1999)، مع أنه صدر على نفقتك، ولم يصدر عن دور نشر كبرى (رسمية وخاصة) مثل أعمالك الأخرى؟
 دعنا من مسألة الدوي هذه، فالأهم من انتشار التجربة بالتأكيد هي التجربة ذاتها، حقيقة شعريتها، خصوبتها الروحية، عمقها الفكري، تواصلها الإنساني. الانتشار في حد ذاته لا يمثل قيمة، وإن كان دليلاً في بعض الأحوال على حدوث أمر يستحق التأمل، وهذا سبب سعادتي بهذا الانتشار. لقد وصلت التجربة إذن إلى كثيرين في مصر وخارجها، وبالفعل تناولتها الأقلام بترحاب، حتى أولئك الذين لم يستسيغوا دواويني السابقة. ربما كانت بساطة هذه التجربة هي كلمة السر التي فتحت جسور التواصل مع القارئ العادي والمتخصص في آن، على عكس دواويني الثلاثة الأولى، التي كان الشعر فيها يتزين بكثير من حليّ المجاز والصور التخييلية والإيقاعات الموسيقية الطنانة، وهذه البوابات ربما شكلت عائقًا أمام العيون التي ليس لديها وسيلة لهضم الشعر المركب المعقد، وتفضل امتصاص السكر الأحادي البسيط، أقصد الشعر المجرد.

في "الأعمال الكاملة لإنسان آلي": الشعر وحده على المائدة، اللغة نثرية، مباشرة، توصيلية، متخلصة من الأوزان والتفاعيل وسائر المساحيق الماكياجية، حتى جماليات الحرف الطباعي لا وجود لها. الوصول إلى المعنى ـ على مستوى اللغة على الأقل ـ يتم بأقصر الطرق، الفضاء الكلي الذي يدور فيه النص غير بعيد المنال، فهناك الروبوت الذي يجري محاولات بحثية متكررة، مستخدمًا كافة طاقاته المعرفية والإدراكية، ومعتمدًا على تقنيات عصره، وعلى رأسها شبكة الإنترنت. وهناك نيرمانا، تلك التي يبحث عنها، وتتخذ عشرات الأسماء ذات المعاني المتعددة في مختلف الثقافات والحضارات. ومن خلال بحثه عنها، الذي هو بحث عن ذاته المفقودة أو المنقرضة في حقيقة الأمر، يصل إلى اللاشيء، لكنه يكتشف سلبيات عصره، ويتمكن من الاعتراض الجمالي على حياةٍ خَنَقَتْها الهندسَةُ. إن تعرية إنسانِ القرنِ الحادي والعشرين بهذه الصورة قادتْ ـ بسلاسة ـ إلى فضحِ سَوءاتِ عصرِ الأرقامِ والتسليعِ، عصر الحسابات التي لا تقبل المراجعة، عصر غياب الإرادة الحرة، والعقلانية، والمبادرة، والفوضى المشروطة، والقدرة على اتخاذ القرار (يقول الروبوت في أحد المقاطع: الأهم لماكينة ميتة من الكهرباء وبرنامج التشغيل، أن تصبح قادرة على الحشرجة وقتما تشاء).
لقد تماس هذا "البحث عن نيرمانا" مع المتلقي، لأنه في حقيقة الأمر بحث عن دفء الحياة، عن لذة المحاولة والخطأ، عن رائحة العرق، عن وجع المشي بدون حذاء فوق الأشواك والمسامير. بحث عن الخلاص من أسر "القوانين" و"البرمجيات" و"الأرقام"، التي حولت البشر إلى قطيع يمكن توجيه خطواته عن بعد بالريموت كونترول في يد القوة المهيمنة. بحث عن جوهر الطاقة، في عالم بدأت طاقاته كلها تنضب، بما في ذلك الطاقة الروحية.

  أراكَ تتحدث هنا عن زيف الحياة الهندسية الرقمية، المحددة مساراتها وإحداثياتها بدقة مفرطة تخنق براءة الإنسان وفطرته، وقد جاءت تجربتك الجديدة بالفعل متسقة مع هذا المضمون، ففيها قدر كبير من الطفولية والتلقائية ومخالفة كل القوانين، فضلاً عن عمقها الإنساني البالغ، وجدتها التعبيرية. لماذا إذن ـ وأنت تكره الهندسة ـ تعلقتَ بها في ديوانك السابق الضخم "الألوان ترتعد بشراهة"، الذي صدر في 1035 صفحة عن "مركز الحضارة العربية"؟
 أحب أن أوضح أنني في "الأعمال الكاملة لإنسان آلي" لم أتبرأ من كتابتي السابقة، كما يظن البعض، بل إن كثيرًا من أجواء هذا المشروع مستمد من وهج "الألوان ترتعد بشراهة"، تلك الجدارية الكبرى التي اتسعت لأصوات متعددة متداخلة، وأحد هذه الأصوات كان يقدم لحنًا غير بعيد من اللحن الذي يعزفه "الإنسان الآلي" حاليًا. كل ما في الأمر أن هذا الصوت الذي أحبته الآذان الآن، إنما أحبته لأنه ظهر وحده في المشهد، عازفاً كونشرتو بسيطًا، فبانت روعته. أما حينما كان متداخلاً مع غيره في سيمفونية مركبة، كانت الرؤية أصعب، ولم يتمكن إلا قليلون من الاستمتاع بكل هذه الأصوات، في تجاورها وتحاورها الفني، وتعبيرها عن كافة الأصداء دفعة واحدة. في التجربتين لم أكن مهندسًا، كنتُ فقط شاعرًا، أرسم ذاتي والعالم من حولي في تجادلهما، بأدواتي أنا، وبدون أن أشبه أحدًا، لكنني في التجربة السابقة أطلقتُ كل العصافير في بوتقة واحدة، وهنا ـ في تجربتي الجديدة ـ أفسحت المجال لعصفور واحد ليغرد، بقدر ما يتسع المجال لتغريده.

  بعيدًا عن تساؤلات المتخصصين، دعني أهمس في أذنك بما قد يدور في أذهان كثيرين من قرائك: من هي نيرمانا؟!
 إذا كنتَ تقصد: من هي في الواقع، فدعني أقول إن رَصْد دلالاتِ نيرمانا في النصِّ أَهَمُّ بكثير من الانشغال بمعرفة مَنْ هي في الواقع، هذا لو افترضنا جدلاً أنها قد تكون ترجمة فنية لامرأة حقيقية، غرق في عشقها الشاعر المجنون! وهذا الاحتمال ينفي نفسه بنفسه بوضوح، فوجود نيرمانا في الواقع ينفي التجربة الفنية كلية، فلو كانت حاضرة لما صار هناك مبرر للبحث عنها وتقفي خطاها، ولو عثر الروبوت على ذاته المفقودة، لانتهت رحلته المضنية. لا أدري لماذا ينشغل هواة التسطيح بمحاولة اصطياد علاقة وهمية بامرأة، بدلاً من محاولة اصطياد المقصود من نيرمانا في النص! ربما حملت نيرمانا الكثير من صفات وأسماء الأنثى في بعض المقاطع، لكنها الأنثى الكونية، ذات الطبيعة الخاصة، المختلفة بالتأكيد عن نساء الأرض، مثلما أن هذا الروبوت المبدع (المتمرد) مختلف عن بقية الروبوتات (البشر) المروَّضين المستسلمين الخانعين، الذين يمكن التحكم في مسالكهم ومصائرهم.

  اعتدنا منكَ أن تنشرَ كتابًا شعريًّا، لا أن تنشر قصائد. هل ستكسر هذه القاعدة في "غازات ضاحكة" (الجزء الثاني من الأعمال الكاملة لإنسان آلي)، فنرى عدة قصائد منه منشورة في القريب بإحدى الصحف؟
 أنا لا أضع لنفسي قواعد، وهناك فرق بين القصائد والمقاطع. "البحث عن نيرمانا بأصابع ذكية" نص واحد يتألف من 200 مقطع، أتصور أن نشر مقاطع منه قبل صدور الكتاب كان سيضر بالتجربة، ويخل بتلقيها الصحيح، لذلك لم أنشر منها شيئًا قبل صدور الكتاب، لتظهر التجربة كاملة. ربما أنشر "غازات ضاحكة" على حلقات، بشرط أن يتسع مكان واحد لنشرها كاملة، في فترة وجيزة، فتسهل على القارئ متابعتها.

  هل سيجد الروبوت جديدًا ليقوله في "غازات ضاحكة"، بعد 200 مقطع شعري، وبعد أن تيقن من عدم إمكانية الوصول إلى نيرمانا!؟
 سيقول الجديد، المختلف، لأنه سيتحرر أكثر من سطوة نيرمانا، وسيطرة الجدل الثنائي بين الأنا والأخرى. هذه التجربة تبدو لي أكثر زخمًا، فالإنسان الآلي يعبّر فيها عن حالات متعددة متداخلة في آن واحد، حالة الألم (وجع ضرس العقل الإلكتروني) التي تؤدي إلى محاولة البحث عن مسكّن أو علاج، وحالة استنشاق الغازات المخدرة التي تقود إلى شد عظام الفكين وظهور ابتسامات بلاستيكية بلون القطن الطبي تعني حياة مصطنعة وتواصلاً باهتًا مع الآخرين من الزوار المعقّمين، وحالة الغيبوبة التي تنجم عن الإفراط في استنشاق الغاز المخدر وتتضح فيها هلوسات وأحلام الروبوت الطامح إلى الارتداد إلى صورته الطينية، ثم حالة الموت التي تجسد انتصارًا لإرادة الحياة البديلة على قوة أجهزة الإعاشة الجبرية في المستشفى.

يشار إلى أن الشاعر شريف الشافعي من مواليد مدينة منوف في عام 1972، وقد تخرّج في قسم الصحافة بكلية الإعلام جامعة القاهرة في عام 1994، وأصدر ثلاثة دواوين شعرية هي: "بينهما يَصْدَأُ الوقتُ"، 1994، سلسلة "كتاب إيقاعات الإبداعي"، و"وَحْدَهُ يستمعُ إلى كونشرتو الكيمياء"، 1996، الهيئة العامة لقصور الثقافة، سلسلة "إبداعات"، و"الألوانُ ترتعدُ بشراهَةٍ"، 1999،"مركز الحضارة العربية" (النص الكامل/ 1035 صفحة)، وفي طبعة ثانية في العام ذاته عن الهيئة المصرية العامة لقصور الثقافة ، سلسلة "الجوائز" (مقاطع من النص/ 188 صفحة)، كما أصدر كتابًا بحثيًّا بعنوان "نجيب محفوظ: المكان الشعبيّ في رواياته بين الواقع والإبداع"، 2006، الدار المصرية اللبنانية. والشاعر شريف الشافعي عضو في اتحاد كتاب مصر، وفي نقابة الصحفيين المصريين، وفي منتدى الكتاب العربي على الإنترنت في سويسرا، وله صفحة شخصية باسمه في المنتدى، فضلاً عن موقعه الإلكتروني الخاص على شبكة الإنترنت. يعمل الشافعي صحفيًّا في مؤسسة الأهرام بالقاهرة منذ عام 1996، وسكرتير تحرير مجلة "نصف الدنيا" الأسبوعية، وقد حصل على إجازة في فبراير 2007، منتقلاً إلى مدينة الْخُبَر السعودية، التي يقيم فيها حاليًا، حيث يُسْهِمُ في إصدار المجلات والمطبوعات الطبية الخاصة بإحدى المؤسسات الكبرى. من الكتب النقدية التي تناولت أعمال الشافعي الإبداعية: "العنوان وسيميوطيقا الاتصال الأدبي"، للدكتور محمد فكري الجزار، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 1998، و"معرفية النص" للدكتور وائل غالي شكري، دار الثقافة للنشر، القاهرة، 1998، و"تحولات الشعرية العربية"، للدكتور صلاح فضل، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 2002.

مقاطع من الأعمال الكاملة لإنسان آلي

أقودُ سيارتي منذ عشر سنواتٍ
ببراعةٍ حَسَدَتْنِي عليها الطُّرقُ
 
المفاجأةُ التي عانَقَتْنِي
أنني فشلْتُ في اختبار القيادةِ،
الذي خَضعْتُ له خارج الوطنِ
 
الضابطُ أخبرني
أنني أطلْتُ النظرَ إلى المرآة
صَارحْتُهُ بأنني معذورٌ في الحقيقةِ
كانت نيرمانا جالسةً في المقعدِ الخلفيِّ!
 
رغم عدم حصولي على الرُّخْصَةِ
شَعرْتُ بسعادةٍ لا تُوصَفُ
لأنني تَمَرَّنْتُ على قيادة ذاتي
في المشاوير الاستثنائيّةِ
 
* * *
 
لستُ بحاجةٍ إلى ارتيادِ الفضاءِ
بعد أن امْتَلَكْتُ أكثرَ من ألفِ فضائيّةٍ
في حجرة نومي
(ربما هذه الفضائياتُ هي التي امْتَلَكَتْنِي
وَأَسَرَتْ آدميَّتي بصورها المتلاحقةِ)
 
لا أزالُ بحاجةٍ إلى ارتيادِ "نونا"
والغوصِ في أنسجتها ببذلةِ الفضاءِ
بعد فشلِ الطَّبَقِ والدّيكودر
في التعامل مع إشاراتِها القريبةِ والقويّةِ
 
* * *
 
لَمْ أكن محتفظًا بقدْرٍ كافٍ من التركيزِ
ربما بسبب آلام الظهرِ،
التي زادت حدَّتُها مع طول فترات الجلوسِ
في المكتب وفي المنزل
لذلك أخطأ إصبعي في نَقْرِهِ لوحةَ المفاتيحِ
كتبتُ "Normal" بدلاً من "Nirmala"
هنا ابتسم مُحَرِّكُ (ياهو) بحنانٍ مفرطٍ
نساءُ الأرض كلهن زُرْنَنِي في تلك الليلة
طيورُ الزّينةِ كلها دَاعَبَتْ مُخِّي بلطْفٍ
 
كان أمرًا محرجًا حقًّا
أن أتثاءب عدة مراتٍ
بل أنام فعلاً
قبل أن أوزّعَ الحلوى على ضيوفي
مع أن الكَرَمَ من كروموزوماتي الوراثيّةِ!
 
* * *
 
في آخرِ ليالي الحربِ القذرةِ
بدأ القصفُ الجوّيُّ هادئًا
ثم اشتدَّ فجأةً
الجيرانُ كلّهم
في شارعنا المزدحمِ
فرّوا إلى الخنادقِ الجماعيّةِ
بمجرّد استماعِهم لصفّارةِ الإنذارِ
 
أطفأْتُ أنوارَ المنزلِ بسرْعَةٍ
تسلّلْتُ وحدي من السلالِمِ الخلفيّةِ
قاصدًا خندقًا انفراديًّا
بَنَتْهُ نيرمانا خصيصًا لأجلي
في غفْلةٍ من عيونِ الغزاةِ البرابرةِ
 
مرّتْ ساعتانِ بسلامٍ
شعرْتُ خلالهما بأنني طائرٌ في قفصِ الحريّةِ
لَمْ أعلمْ ماذا حدث بالضبطِ بعد ذلك
لكن الأمر شبه المؤّكد
أن الصاروخَ الذكيّ
اخترقَ الخندقَ من فتحة التهويةِ
وَحَوَّلني إلى بقعةٍ حمراءَ على حائطِ المقاوَمةِ
مع أن قذيفةً صغيرةً مسيلةً للدموعِ
- أو حتى مسيلة للّعَابِ –
كانت كافيةً جدًّا
لإغراقي في بحرٍ عميقٍ
شديدِ الملوحةِ والوحشيّةِ
 
* * *
 
تتمنّى ساعةُ القلبِ
لو تُخْطِئُ التوقيتَ مرةً واحدةً
فتدقّ دقّتينِ مثلاً
في تمامِ الواحدة!
 
هذا ليس معناهُ أنني أرغبُ في امرأتينِ
- حاشا -
الله يشهدُ أنني مصابٌ بالتُّخمَةِ من النّسَاءِ
كلّ ما في الأمر،
أنني أودُّ طَمْأَنَةَ نيرمانا
أن كواكبَ المجرّةِ، وإلكتروناتِ الذّرّةِ
من الممكنِ ألا تنتظمَ في دورانِها
 
* * *
 
آثارُ أحذيةٍ على الرمالِ
تؤكّدُ أن الجنودَ مَرُّوا من هنا
في طريقِهِمْ إلى الحدودِ والأسلاكِ الشائكةِ
ربما لتأمينِها بأسلحَةِ الماضي
وربما لإزالتِها تمامًا
بأسلحةِ المستقْبَلِ
 
رمالُ نيرمانا وغبارُِها الذّرّيُّ،
فوق جِلْدِي وَجِلْدِ حذائي،
تؤكّدُ أنها اخْتَرَقَتْ حدودي وأسلاكي الشّائكةَ
عابرةً من مكانٍ ما
إلى مكانٍ ما
 
* * *
 
يَعرفُ الهاتفُ أنها هِيَ
فيخجل من حرارتهِ المرفوعةِ مؤقَّتًا
وينبض بحياةٍ
لا تتحمَّلُها أسلاكُ أعصابي
 
نيرفانا
"صباح الخير" من شَفَتَيْها كافيةٌ جدًّا لأتساءلَ:
"كيف سأتحمَّلُ رائحةَ البشرِ أمثالي
بعد أن غمرني عِطْرُ الملائكةِ؟!"
 
"تصبح على خيْرٍ" من عينَيْها صالحةٌ جدًّا
لزرع الفيروس اللذيذِ في عقلي الإلكترونيِّ الْمُنْهَكِ
وَمَحْوِ خلايايَ السليمةِ والتالفةِ
 
لماذا لَمْ تظهرْ نيرفانا
في الصورةِ الديجيتال التي الْتَقَطتُها لها؟
وهل حقًّا أنا عندي هاتفٌ؟!
 
* * *
 
سألَتْنِي نيرما عن طقوسِ العشقِ المتداوَلَةِ
في كوكبي الترابيِّ الذي أَشْهَرَ إفلاسَهُ
قلتُ لها:
"هي ضرائبُ خاصةٌ جدًّا
يحسبها المرءُ بدقّةٍ متناهيةٍ
إذ تجبُ عليه 25 قُبلةً لصاحبتِهِ
عن كل ساعةٍ قضاها في سريرٍ آخرَ غير سريرها"
 
قالتْ لي بلهجةٍ ترابيّةٍ ناريّةٍ هوائيّةٍ مائيّةٍ
من داخلِ ناموسيّتِها الْمُحْكَمَةِ
بعد أن أحْدَثَتْ بها فتحةً كبيرةً
بحجْمِ ما تمزّقَ من حيائِها وحيائِي:
"لكَ عندي إذن 750 قُبلةً
إجمالي مستحقّاتِكَ من عواطفي الملتهبةِ
على مدار 30 يومًا"
 
* * *
 
أحضرُ عادةً مسابقاتِ الجمالِ
للتأكُّدِ من أن الذي أبحثُ عنه ليس موجودًا
 
أحضرُ عروضَ الأزياءِ
للتأكُّد من أن العُرْيَ التامَّ لا يزالُ أفضلَ
 
أحضرُ جولاتِ المصارعةِ
للتأكّدِ من أنني الألَمُ الذي يفوق احتمالَ البشرِ
 
أحضرُ المناسباتِ العائليّةَ
للتأكد من أن هناك أيامًا
بطعمِ فصولِ السّنةِ الأربعةِ
 
أَحْضُرُ حَفْلاتِ توقيعِ نيرما كُتُبَها الجديدةَ
للتأكّدِ من أنني كتابُها القديمُ جدًّا!
 
* * *
 
الجلبابُ الأخيرُ،
الذي نَزَعْتُهُ عن حبيبتي الْمُسَمّاةِ "نتيجة الحائطِ"
أصابَنِي بِأُمِّ الْهزائمِ
حيثُ ذَكّرنِي بـ365 يومًا من الفشلِ
حاوَلْتُ خلالها اصطيادَ نيرمانا العاريةِ
بقلم: مهدي حسانين

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى