الأحد ٢٧ نيسان (أبريل) ٢٠٢٥
بقلم ميادة مهنا سليمان

حوار مع الكاتبة الجزائريّة «أمّ البنين»

أمّ البنين: " نحن كعرب نتعرض لأبشع أنواع عملية استلاب في العصر الحديث."

موجز السّيرة الذّاتيّة للضّيفة المبدعة:

أم البنين كاتبة وصحفية جزائرية

مكان الولادة: مدينة سوق أهراس.

المؤهل:متحصلة على شهادة جامعية -دراسات تطبيقية علم النفس التربوي والإرشاد المهني.

رئيس فرع عنابة لاتحاد الكتاب الجزائريين.

الإصدارات الأدبية:

فراشات في دائرة الوهج/مجموعة قصصية

همس الأصداف/خواطر.

سنابل على أرض ملساء/مجموعة قصصية.

خواطر الروح/ خواطر.

الكتابة على الأزرق المستحيل.

كتاب إلكتروني+حديث الروح.

مجموعة خواطر من الأدب التفاعلي.

وجع الاقحوان/ قصة قصيرة جدًا.

حدّثينا بدايةً عن مدينتك (سوق أهراس)، فقد قرأتُ أنّها كانت تُلقَّب سابقًا بمدينة الأُسُود، ما هي أبرز معالمها العمرانيّة، ومميّزاتها المناخيّة.

بادئ ذي بدء، أنا جداً مسرورة بهذا اللقاء الحواري عبر مجلتكم المحترمة، مع خالص تمنياتي أن يكون مفيدًا وشائقًا لكل القرّاء.

أما عن مسقط رأسي ومهوى صرختي الأولى، فهي مدينة سوق أهراس، أو كما كانت تُعرف في العصور القديمة باسم طاغست، والتي تعني مدينة الأسو، سُمّيت بذلك نظرًا لغاباتها الكثيفة وأحراشها الغنية، فضلًا عن مناخها المعتدل المائل للجفاف، مما جعلها موطنًا مثاليًا لهذه الكائنات القوية، سوق أهراس لا تفتقر فقط إلى الطبيعة، بل تزخر أيضًا بمعالم أثرية عظيمة، بعضها لا يزال مجهولًا للعامة، ربما لكثرتها وتنوعه، ولا يمكنني الحديث عن مدينتي دون التوقف عند صفحاتها النضالية المشرقة؛ فقد كانت جبالها الكثيفة مربضًا للمجاهدين خلال ثورة التحرير الكبرى.. كثيرًا ما شهدت معارك شرسة تكبّد فيها العدو خسائر جسيمة، الأمر الذي دفعه إلى فرض الحصار وقصف الجبال بالنابالم عن طريق الطائرات، والتي كان يسميها الأهالي "الطيارة الصفرا"، وهي كلمة تختصر حجم الرعب الذي كانت تبثّه بين الناس، إذ كان مرورها على القرى والمداشر يأتي على الأخضر واليابس.
هكذا هي بلدتي الحبيبة مدينة الهوى والحبور _سوق أهراس تختزل في طياتها عبق التاريخ وملامح الأصالة، وروح الثورة.

قال شكسبير: "يلجأ المتألّمون للكتابة كيلا يمتصَّهم الألم"هل تؤمنين بأنّ الأمل هو الّذي يولّد الإبداع، وهل من تجارب أليمة مررتِ بها حوّلتِها إلى إبداع؟

ويقول أيضا جبران خليل جبران:

"من يكتب بدم قلبه ليس كمن يكتب بمداد قلمه"، أظن أن القولين من منبع أو منهل ألم واحد.. فالكتابة تعبير وتنفيس وتطهير نفسي من شوائب علقت على مر مراحل عمرنا ثم نمت، ثم ترعرعت بين ضفاف وجداناتنا لتطرح في عملية صعبة ما تكدس بدواخلنا.. وليس معنى ذلك أن كل ما زخه قلم الكاتب أو الشاعر هو زفرة ألم لحقت به.. الكاتب المبدع هو صدى صوت مجتمعه وما يشاهد من أحداث أو عليه أتراح أو حتى أفراح تظل لابدة في ذهنه وفي روحه ليأتي اليوم الموعود الذي تنطلق فيه تعبيرًا زفرات قلم لا يستطيع كتمها فتكون أما قصيدة أو قصة أو رواية.

كتابك (وجع الأقحوان) هو مجموعة قصص قصيرة جدًّا، برأيك هل هذا الجنس الأدبيّ قادر على منافسة القصّة القصيرة؟
لا أستطيع أن أنفي أو أُؤكد ذلك..فما تعيشه الأوساط الأدبية والثقافية حاليًا في مراحل تجريب فيما يخص كتابة القصة القصيرة جدًا أو الومضة أو الهايكو، بينما القصة القصيرة راسخة في القدم في ديوان الإبداع العربي ولها روادها ونقادها، كما أثبتت القصة القصيرة تواجدها في الساحة الأدبية واقتطعت لها مكانة سواء على مستوى تهافت القراء أو من خلال بروزها على رأس المجلات والملاحق الأدبية والدوريات الشهرية في الوطن العربي وفي بلدنا الجزائر لا تخلو جريدة أو منبر إعلامي ورقي لا نجد فيه صفحات تخصص لهذا الجنس الأدبي أقصد القصة القصيرة . بينما القصة القصيرة جدًا، أو أدب الوجيز كما يحلو للنقاد أن يسموه برغم أن هناك كمًّا كبيرًا من الكتابات والكّتّاب تبقى القصة القصيرة جدًا مهضوم حقها، وينظر إليها على أنها مولود غير شرعي.. أو من يعتقونها ليس لهم صفة الكاتب أو القاص المبدع الذي يتميز بالنفس الطويل فيلجأ لكتابة الومضة أو الققج.. مع أن هناك كتابات قصصية في هذا الجنس عندما تقرئينها تجدينها غاية في الجمال والأدبية والشعرية الجميلة التي تضفي على العمل نوعًا من الخلق والإبداع بجملة واحدة أو فقرة وجيزة دون إسراف ولا ابتذال لغوي ومع ذلك لا أستطيع أن أسِم الققج على أنها منافسًا للقصة القصيرة بل هي رافدًا لها وتحلل من الإطناب والتدوير تبعا للعصر.. فنحن نعيش عصر التسرّع والسرعة معا.

من قصصك في الكتاب السّابق، قصّة (هرطقة)، حيث ختمتِها ببراعة موحيةً بالمثل القائل:"لا يصلح العطّار ما أفسدَ الدّهرُ" هل ترين أنّنا في عالم يلهث وراء الجمال المصطنع، أم أنّ هذا "الجمال" لا يمكن أن يخدعَ مَن يحبّ الوجوهَ الحقيقيّة؟

أحسنت الطرح في علم الفن والجمال يعد الجمال أذواقًا؛ فما أراه أنا جمالًا قد يراه الغير قبحًا، لذلك أجد أن التهافت على إعادة خلق أو إعادة رسكلة للخلق ما هو إلا عدم رضى على النفس، وأن به نقائص غير مرئية فيلجأ إلى إعادة هيكلة لمظهره، مع أن المظهر ليس دوما مرآة عاكسة لما في الداخل، ومهما حاول صاحب البحث عن المثالية الجمالية لن يصل إليها لأنه لم يريد رؤية جماله الداخلي..فالجمال الحقيقي هو جمال الروح التي تطغى تفاعلاتها وأنوارها على المخبر اولا لتتلألأ على المظهر، والتصنع في كل الحالات يفقد الشيء جوهره وبريقه الخافت الساحر.
هذا لا يعني أنني أرفض أن يلجأ الفرد لعملية تجميل نتيجة لتشوه خِلْقي أو تعرض لحادث أو ماشابه.. لكن ما نراه اليوم يعد كارثة جمالية وحالات مرضية لدرجة أن يصبح الفرد نسخة من الآخر، وكأننا في مخبر بشري عالمي لصناعة الوجوه دون النظر إلى أن ماخلقنا عليه هو تميّز وتفرّد مثل البصمة الوراثية.

في مقدّمة (وجع الأقحوان) تقولين:

"أمتعُ الكتابات تلك الّتي نتخلّص فيها من كلّ أنواع الرّقيب". هل استطعتِ ككاتبة أنثى أن تتحلّلي من "ذاتك المرئيّة إلى عوالم حرّة" وفق تعبيرك؟ وهل تأخذ المرأة الجزائريّة حقوقها في عالم عربيّ تطغى عليه سطوة الرّجل؟

 هل يُعاني الكاتب الجزائريّ من الرّقابة، وإلى أيّ مدىً توجد حرّيّة فكريّة في بلدك؟

أحيانا كثيرة نعم.. عندما يبلغ الطقس الكتابي منتهاه وأشعر أنني أنا لست أنا..مما يعني:

أخرج من ثوبي الذي صنعه لي مجتمعي الضيق وألبس ثوبًا اخترته لنفسي بكل حرية، وانطلاق من خلال طاقية التخفي كاسم مستعار مثلًا أو حساب أدبي جهزته بإمكاناتي التكنولوجية الحديثة (كمجلة حديث الروح)مثلًا، التي ظللت أكتب فيها خفية لعدد من السنوات لأكون على راحتي، وأكتب بخصوصية أنثوية بحتة وأحيانًا صارخة وأخرى هامسة، فكانت هذه المجلة التي أنشأتُها أنا وصديقة مغربية ليس الهدف منها تجاوز الممنوع أو التطاول على عقيدة أو إرث ثقافي أو عرف أو.. أو.. أو حتى البحث عن الشهرة وحصد الكثير من الإعجاب أو التعليقات، كانت كتاباتها كلها تغوص في عالم الأنثى الخفي.. مبرزة ذلك المسكوت عنه عاطفيًا والتي لا تستطيع المرأة التصريح به لنصفها الآخر بكل حب وأريحية، كأن أقول مثلا في نص/أنت َ/ يُصْبحُ المعطفُ أنتَ، حينما يُداهمني المطر.

 النص الثاني: مع مجيء الصباح
أفتح نافذتي لتَدْخُلني أنتَ؛ فأتنفَسُكَ بعمق.
عن حديث الروح ص79.

 النص الثالث:أخاف إنْ أنا غـفـوتُ
دعَــني أراك بقلبي؛ لأني أخاف أن تسقط منّي إن أنا غــفوْتُ.
عنحديث الروح ص12.

نحتاجُ أحيانًا لنكون "نَحْنُ"، وليس أنا و لا أنتَ لقد اعتبرتُ (موقع مجلة حديث الروح) عالمي الآخر، بوابتي الخفية إلى ذاتي الأخرى التي أعرفها أنا وحدي وأحاول من خلال هذه النصوص التلغرافية أن أنقل مشاعر الأنثى.. بعيدا عن أي عفونة.. فالأنثى حينما تتحرر ذاتها تتحرر روحها وتنطلق كتاباتها نحو آفاق حرة لكن بمسؤولية.

المرأة الجزائرية مثلها مثل كل نساء الأرض لها شيء من الحرية والباقي تقييد في تقييد.. فالحرية مثل كأس مملوء بالسكر والملح أن تجاوزت إحداهما بدَا لكَ المشروب ماسخًا وأحيانا سامًا.. فقط على المرأة أن تكون ذكية وأصيلة حتى تميز بين الحرية والانحلال. أي نعم نحن جميعنا كنساء في الجزائر أو أي بلد عربي محافظ نعيش في مجتمع ذكوري بامتياز فما يحق للرجل لا يحق للمرأة مهما كان ذلك منافيًا للعقيدة الاسلامية، لأننا كشعوب إسلامية وعربية تتحكم فينا ظلال الماضي، ماضي الشعوب الغابرة وسلوكياتهم من حضارات قديمة بطقوسها السلبية وليس بما جاء به الإسلام الحق الذي كرم المرأة وأعطاها درجات من التبجيل يصل إلى حد أن "الجنة تحت أقدام الامهات _"

_ فيما يخص الرقابة على كتابات الرجل _الكاتب الجزائري _من خلال قراءاتي لبعض النصوص لكُتاب جزائريين معروفين على الساحة منهم من توفي ومنهم لا يزال على قيد الحياة، لا أرى قيودًا على كتاباتهم ولا رقابة بل كل ما يكتبه الرجل مسموحًا له.. بل قد يُمجد وتقام له موائد المتابعات الأدبية والنقدية والاحتفائية.. مع أن كتاباته فيها الكثير من المساوئ الأخلاقية والتي تضر القارئ أكثر مما تنفعه، وإن بدا حديثًا أن هناك بعض الكاتبات الجزائريات بدأن يحذيْن حذو الكتابة الذكورية دون عامل الرقيب الذاتي على اعتبار انها تنقل صورة من صور المجتمع ويحق لها ككاتبة أن تكتب ما رأت وسمعت وشاهدت، بلا قيود.

في قصّتك (عروبة) الّتي كتبتِها عن حرب غزّة، تقولين: "فاجأني المخاض ذات ليلة ذابلة الرّوح، ومعه هاجمني حلمي العتيق، مجيء ابنتي عروبة".

في أيّ كنفٍ ينبغي أن تعيش (عروبة)، حتّى تكون ابنةً بارّةً للوطن؟

سؤال محير حقا ونحن نعيش هذا الصدع الكبير ليس على مستوى الجسد الواحد فقط، ولكن على مستوى الوعي، وفي جميع الصُعد ربما لأنني من جيل مازالت أسنانه اللبنية تتلمظ لبن أمه، والجدات الأوائل الذين علمونا أن الوطن كالجسد الواحد، بل الأمة كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعت له جميع الأعضاء بالسهر والحُمّى، لذلك لا أرى بُدًا بأن تعيش (عروبة) في كنف الحرية بعيدًا عن الاضطهاد الجسدي والنفسي، وبعيدًا عن اغتيال القدرات الذاتية الفردية والجماعية.. نحن كعرب نتعرض لأبشع عملية استلاب واستحلال في العصر الحديث وبطريقة ناعمة بالكاد نستشعرها، لأن أعداء الداخل أكثر من أعداء الخارج، لذلك على عروبة أن تكون أكثر صلابة وأكثر وعيًا وأكثر انتماء لوطنها.. لأن الوطن أبقى والكل زائل..هكذا أريد أن تأتي(عروبة) وهكذا أريدها أن تكون..

هل ترين أنّ وسائل التّواصل الاجتماعيّ في عصرنا الرّاهن ساهمت في عدم الاهتمام بالكتاب الورقيّ؟

لا أظن أن الزوال السريع (الفضاء الأزرق) هكذا اسميه، ينهي أحقابًا من رسوخ الكتاب الورقي في ذاكرتنا الفردية والجماعية، لكنه يبقى صرعة جديدة تبعا للتطور التكنولوجي والاجتماعي والثقافي.. إذا ما أستغِلّ بطريقة صحيحة، فمواقع التواصل الاجتماعي التي أنشأها نُشطاء الكتابة، والإبداع بكل أجناسه استفدنا منها في كثير من الحالات.. كسرعة التواصل مثلا، والانتشار اللذين كانا يفتقدهما الكاتب.. (شاعرًا أو قاصًّا أو روائيًّا) حتى أن هناك بدأت تظهر مجموعات أدبية ونقدية قدمت الكثير للكتاب والشعراء، سواء بطريقة المنافسات أو تلك الجوائز التي تُرصد هنا و هناك أو اكتساب معرفة أو للمتعة لذات الإبداع ليس أكثر، خير مثال على ما وصلت إليه التكنولوجية الحديثة في عالم الكتابة والنشر، المكتبات الإلكترونية، بمجرد أن تضغط على الزر تنهال عليك أنواع و أنواع من الكتب لكثير من الأسماء العالمية العربية والغربية.

ما الغاية عندك من الكتابة، وهل تَحقّقَ لكِ بعد عديد من الإصدارات ما صبوت اليه؟

ربما هي غاية رمزية أكثر منها مادية كأن تكون الكتابة متنفسًا لي.. أعبر بها عن قضايا أمتي وأدافع بها ما استطعت عن مثل عُليا آمنت بها ولا زلت.. فباعتقادي أن ماسك القلم كمن يمسك بالزناد أو كمن يمسك بجمرة أو ممسك بوردة جميلة مرة يكون فيها فارسًا شجاعًا يذود بكتاباتها على وطنه وأمته، ومرة يكون شمعة ينير ما حوله، لإزاحة ظلمة اليأس والجور وعتمة التهميش والقسوة عن روحه ويحاول صناعة عالم مثالي أو شبه مثالي لعيش ويكتب ويحيا بعد الوفاة. فالكتابة حياة مستمرة وإن اختطفنا الموت بغتة.

هل من جنس أدبيّ غيرَ الّذي كتبتِ، تنوين الإبداع فيه، وما جديدك المقبل، وفي أيّ جنس أدبيّ؟
جديدي المقبل بحول الله سيكون إما رواية في أدب الطفل أو مجموعة قصصية (القصة القصيرة) مع العلم أن لي عديد المخطوطات في المقال الأدبي والاجتماعي والسياسي، ولي مجموعة من القراءات الأدبية والنقدية لمجموعات شعرية وقصصية لأصدقائي الكُتاب والكاتبات، كما لي مجموعة من الحوارات أجريتها مع وجوه أدبية وإعلامية من خلال صفحات الجرائد الوطنية.

أخيرًا.. تقبلوا مني أسمى عبارات الامتنان على الاستضافة الأدبية الراقية مع التمني لكم بالاستمرارية والارتقاء من الحَسن إلى الأحسن والأجمل.

صالة العرض


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء او المديرات.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى