حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا
هذا النص إهداء إلى وردةٍ تنمو على حين غفلة في ساحة الحرب في مسافة فاصلة بين ضدين.
إني متعبٌ حدَّ انكسارِ الضوءِ
حين ينفذُ من كأسِ ماءٍ
على طاولةٍ تعاني وحدةَ الأيامِ
ولم ينتبهِ العابرون بوضعِ مِسبحةٍ
لتُسبحَ اللهَ في أوقاتها طقطقةً بين الدُسرِ
ولا بوضع كأسِ نبيذٍ
لتعصي الله في خلوتها
وحيدةً كأن الزمانَ عليها خلا
والأُفقَ عنقودَ عنبٍ قد تدلى
ولم يقطُفه أحدٌ
وحيدةً كأنها أنا
أُصغي إلى الأشياءِ حولي
والأشياءُ تصغي
فلا الصمتُ غُصْني
ولا الأشجارُ وصلي
ولا الجالسون على طاولتي
إن جاءوا رفقاء حسي
وإن علا في ضجيجِ الصمتِ صوتي
عاد الصدى صدى صمتي لأبكي
فيأتي يسحبُ الكرسيَ
كما يسحبُ قاتلٌ خنجرَهُ
يُشْعِلُ سيجارتَه
فأشتم رائحةَ الحربِ
ينفخُ دخانَهُ فأشتمُ رائحةَ الموتِ
وحين تَشَبَّرَ زجاجُ طاولتي
لم أرَ سوى ما رأتْ زرقاءُ اليمامةِ
جيشًا من إخوتي الأشجارِ يمشي
يضع ساقًا على أخرى
ويركُلني في بطني
ويرددُ: سننتصرُ
تردد الأرضُ من تحتي: سننتصرُ
تردد الكراسيُ من حولي: سننتصرُ
يردد سقفُ الغرفةِ من فوقي: سننتصرُ
يردد شباكُ غرفته: سننتصرُ
تردد مزهريةُ شباكِ غرفتِه: سننتصرُ
تصحو وردةٌ غفتْ في مزهريةِ شباكِ غرفته
وتقول: نحن الورودُ شاهدُ عيانٍ على انتصارِ قلوبٍ
وانكسارِ قلوبٍ
نحن الورودُ نساءٌ قد أرملتها الحروب
واستطال بنا الشوقُ
فأبدل اللهُ أشَواقنا شوكا
مهيأون للقتالِ ما طالت
يد الغرباءِ أجسادَنا
وما دمنا على قلبِ أصيصٍ واحدٍ
به قد احتمينا
وما دمنا في حفنةِ طينٍ
من ضلعها قد نبتنا
نطل على الحياةِ ما حيَيْنا
وما حيينا على الحياة نطل
فولوا وجوهَكمْ للسلمِ ولوا
فولى طائرٌ وجههُ
وقال: هناك تكتكةُ البنادقِ إيقاعٌ عروضيٌ
والمصابونَ هناتٌ وأناتٌ
والقتلى كُسورٌ بالعَرَوُضِ
فهذا الذي قد مات سمعتهُ
في ليل الخنادقِ يُغني
يقول: يا صاحبيَّ في ليليَّ السرمدي يا صاحبيَّ
يا صاحبيَّ في صبحي الدموي يا صاحبيَّ
في آخر ليلة بيننا لم أتركها إلا وقد جَرَّبتُ
ما استطعت من أوضاعي الجنسيةِ يا صاحبيَّ
كأني كنتُ أودِّعُها يا صاحبيَّ
فهذا الذي قد مات
ربما مات لأن الحياةَ
لم تمنحه مساحةً للتجريب سوى
في أوضاعِه الجنسية
ظل ينفخُ من رئتَيه في الحياة
ينفخُ من رئتَيه في الحياة
حتى تفجرت رئتاه
وقال الذي على حافةِ الشوقِ:
قد لاحتْ له حبيبتهُ والحياة
اهتزاز نهديها تقاربًا وتباعدًا
حين لوحت بالوداع مهادَنةً بين خصمين
حمامتان حميمتان قد باضت إحداهما بارودَ حربٍ
ونسج العنكبوتُ خيوطَهُ
لكنها الحرب لم ينجُ نبي ولا جندي
ضاقت بنا الخنادقُ
وأَطْبَق الليلُ قبضَته القاضية
هل صار الوردُ بين قوسين
لنشتَمَّ رائحةَ العفنِ
وما نرى وإن اتسعت الأحداقُ
سوى سواد العينِ
أو بياض الكفن
ففي الأُفقِ متسعٌ
يا صاحبيَّ كي يتسامر النديمان
تحت شجيرةٍ بربوةٍ
لم تطأْها رصاصةٌ
ولم تبلغْها مطامعُ الجنرالِ
ولا هواجسُ القتلى
ولا دمٌ بين أيديكمْ ولا خلفها
ولا رايةٌ زائفةٌ ترفرفُ
لا سيرة للحربِ سأُنْهيها
ما دام دمُ الإنسانِ أرخصَ من آبارِ النفطِ
وأرخصَ من بركةِ غازٍ
أو نهرٍ يجري
وما دامت قلادةٌ على صدر الجنرال
تزنُ الآلافَ من الجندِ
ومئات الآلافِ من الأيتامِ
وملايينَ من سحب دموع
تُمطر فوقَ مساءات البلدة.