الأحد ٥ تموز (يوليو) ٢٠٠٩
بقلم وليد رباح

خنازير الأنفلونزا

جعير أو خوار هو صوت الخنزير لا ادري.. وقد يكون خريرا لكنه يعلو قليلا عن الخرير.. فخرير القطة ناعم سلس يقودك حتما إلى النوم.. وخرير المياه ينقلك إلى عالم سحري ترى فيه السحب تمطر وردا وشوقا.. اما خرير الخنزير إذا جازت التسمية فأنه يصيبك بمرض الأرق واليقظه.. حتى لا يأكلك أو يأكل بعضا من جسدك اثناء نومك.. فتسير يوما في الشارع وقد فقدت رأسك أو احدى رجليك أو ابطيك أو جزمتك التي تزهو بها.. فعادة الخنزير أن يأكل كل ما في طريقه سواء كان طريا أو يابسا.. صلبا أو لينا.. ولا يفرق بين جسد انساني وقطعة معدنية من التلفزيون أو المكنسة الكهربائية.. فقد خلق الله له معدة تطحن المعادن القاسيه.. وتلين الحجارة الصلبه.. بحيث جاز أن تستخدممعدته كقطعة غيار عندما تفسد معدة الانسان.. وشرها في تناول الطعام لا يعدله انس ولا جن آخر.. ومن هنا فان الناس لا يربونه داخل بيوتهم ولا يأتلفون معه أو يداعبونه خشيةأن ينام الاطفال اصحاء ليلا ثم يصحو احدهم في الصباح وقد طارت يده أو رجله أو التهم الخنزير جزءا من اليته اللينة الطرية..ما لنا وللجعير والخرير..

فقد نهرتني زوجتي في صباح يوم مشمس وايقظتني من النومكي تقول لي أنها سمعت (عطستي) في الليل فاستفاقت مذعوره.. وكانتتشبه عطسة الخنزير في ملامحها وقوتها وتخيلت انها تحمل معها رذاذا انتشر في ارجاء البيت كأنما هي السموم تحملها الرياح الخفيفه.... ويجب أن اعرض نفسي على طبيب مختص.. فلربما اصبت بالأنفلونزا الملعونة.. فقلت في نفسي: ربما..

وافاق الأولاد من النوم فتجنبني الجميع ونظراتهم تنبىء بشىء ما لم اعرف كنهه الا عندما انتصف النهار.. وضعوا الافطار فكان نصيبي أن ينعزل طبق الافطار الذي يخصني عن الأولاد حتى لا يصابوا بداء العطس الذي ينتابني في العادة ليلا.. ورأيت الاطفال يضعون على افواههمكمامات سميكة خيفة العدوى وينظرون الي بشىء من الشك وكثير من الريبه.. أما ام العيال فقد رأيتها تدق المسامير في الحائط وقد خلتها تتمثل المسمار يدق في رأسي العاري من الشعر.. واخيرا علقت صورة خنزير ابيض اللون جميل الشكل قرب صورتي وكتبت تحتها.. تجنبهذا وذاك فانهما مصدرا نللوباء.

ولما كنت أنا وزوجتي نليق ببعضنا بعضا مثلما هي الحلة وغطاءها.. أو فردة الجورب وشقتها.أو واحدة الحذاء اليسرى واختها اليمنى..فلم نختلف في شىء الا واحدةواخرى فيما يتعلق بالخنزير. واني لاتذكر اختلافنا في مرة سابقة بان اتهمتني باغتصابها في ليلة الزواج فحاولت غرس خنجرها في صدري وقتلي بحجة انني انتهكت عرضها وهتكت سترها ولكن الله سلمني. لانها اقتنعت اخيرا انها هي التي اجبرتني على فعل ما لا اريد فعله في ليلة الدخله.. ولقد بدأتأنا العبد المسكين في تلك الساعة خريرا ناعما في البدء ثم علا صوت الخرير حتى خلته صوت مطرب محدث من مطربي هذا الزمان.. ونظرت حولي فاذا البيت خال لا نأمة فيه ولا كلمه..فقد تفرق الجمع وهرعوا إلى الشارع مذعورين..

قالت لي زوجتي عبر الهاتف النقالعندما اخبرتها بجوعي أن اذهب إلى المطبخ والتهم ما اجده من ملاعق معدنيه وطناجر نحاسيه اضافة إلى بعض اللحوم النيئة ولا بأس من أن آكل معدن الثلاجة إذا لزم الامر. ثم قفلت الخط سريعا خيفة أن تنتقل العدوى عبر القمر الصناعي فترتد اليها الاشارة حاملة مرض الخنازير اللعين.. ولاحت مني التفاتة إلى المرآة فاذا اذناي قد طالتا قليلا. ونبت لي على حوافهما شعر زغبي خفيف ناعم..وعيناي استدارتا بشكل ملحوظ مع اختلاط البياض فيهما بالسواد..كما نبت شعر اسفل الرقبة وعند الكتفينبما لا يدع مجالا للشك انني قد تحولت إلى مخلوق آخر لا وجود له الا في افلام هوليود.. اما مناخري فقد باتت مفلطحة كمسطح حريرياملس.. وقد اخذت اللون الوردي مع بياض داخل تجويفهما مع خلوهما من الشعر الناعم.. ووجدت نفسي وقد امتد فمي ولساني الوردي إلى ما في طريقي من طعام فالعقه اولا والتهمه ثانيا ثم ابتلعه ثالثا..

في البدء عثرت على ممسحة المطبخ الملآى بالقاذورات فالتهمتها.. ثم تبعت ذلك باكياس الزبالة البلاستيكية. وأتيت على العظام التي وجدتها داخل القمامة بعد أن دلقت الحاوية البلاستيكية على بلاط المطبخ. ثم ابتلعت حاولة الزبالة نفسها. وفتحت الثلاجة فاذا بي آتي علي ما فيها كله.. ونظرت إلى ما بين رجلي الخلفتين فوجدتني آكل في نفس الوقت الذي ابرز فيه فلا يستقيم شىء في معدتي.. وهي عادة الخنازير أو خلقتها.. وبحلقت جيدا وطرطقت اذنايفاذا انا اسمع ثانية خريرا متصلا يخرج من حنجرتي.. وقليلا قليلا استبدلت ركبتاي وقوائمي باربع.. مع ذيل قصير لا اكاد اراه عبر المرآة الا كثة الشعر الغزير في مقدمته أو مؤخرته لا فرق.. ثم نظرت من النافذة فاذا رجل طويل القامة بهي الطلعة يغازل زوجتي على قارعة الطريق فملت برأسي إلى ناحية اخرى حتى لا اراهما.. وتلك عادة الخنازير عندما يعتدي (احدهم) على انثاه فانه يتجاهل الامر.. وخمنتأنه يطلب يدها اوانهما يتفقان على موعد مامن وراء ظهري.. ولكنهما لمحاني عبر زجاج النافذة فاذا بزوجتي تتصل بالبوليس لكي ينقلني (وراء الشمس) حتى لا يصاب احد بالعدوى سواي..

وللمرة الاولى يخاف رجال الشرطة مني، فقد اعتدت أن اهرب منهم اينما وجدتهم حتى لا يلفقوا لي تهمة زورا أو انني شتمت الحكومه.. أو مشيت مزهوا.. وتهمة الزهو في السير تقودك احيانا إلى حبل المشنقه..

لمسني الشرطي الاول بعصا طويلة حتى لا يقترب مني ومن عطستي.. فاذا بعصاه كهربائية لم ادر بعدها ما حل بي سوى اني وجدت حولي ثلة من الاطباء ولفيفا من الممرضات الجميلات اللواتي وضعت على افواههن قطعا من القماش الازرق جميل الشكل..

ومن خلال (الهيصة) سمعت البعض يقولون أن حالته ميئوس منها.. واقترحت احداهن من الممرضات الجميلات أن يغرسوا ابرة حادة في العضلة الخلفية لاليتيقد تكون قاتله.. وثانية قالت انه وباء يجب التخلص منه.. وثالثة نظرت إلى صلعتي التي نبت فيها الشعر فجأة قائلة أنه يتحول من خنزير إلى ثور. أما احداهن فقد قالت بملء فمها.هو ذا من جاء بالوباء إلى هذا العالم.. انه اس البلاء.. فليقتل هذا(الطاعون) فورا.. وكان احد الاطباء حكيما فقال.. قد تكون زوجته هي التي اعطته الفايروس فاقبضوا عليها واحضروها إلى هنا مخفورة حتى نرى فيها رأينا..

عند غياب الشمس رأيتبغلا في فنجان القهوة الذي قدم الي يطل برأسه ويمد لي لسانه كأنما هو شامت بي.. وعندما انتشر الظلام في الخا رجرأيت جموعا من الخنازير تلتهم قدمي اليمنى.. ثم جاءت ثلة اخرى والتهمت اليسرى.. اما المجموعة الثالثة فقد قال رئيسها انه وجبة شهية فتعالوا نتقاسمها.

عندما انتصف الليل افقت من نومي فاذا بجسدي كتلة من اللحم النيىء.. لا اطراف ولا رأس ِأو ارداف.. وأحسست انهم وضعوني في ثلاجة الموتى.. فقد كان الزمهرير يخترق جسدي برعونه.. ولمستنفسي بنفسي فاذا بالجليد يتكتل حول جسدي أو بقاياه، ولقد سمعت آخر كلمات حارس المشرحة يحذر من لا ادري من هو بعدم الاقتراب مني.. والا اصابه ما اصابني.. ثم سمعت صرخة فزع قادمةعن بعد عرفت فيها صوت صراخ زوجتي عندما كنت حياوهي تعنفنيوتطلب الي أن اتغطى في نومي جيدا..

عندما نقلوني في اليوم التالي إلى المقبرة رفعت رأسي من النعش فلم اجد احدا خلفي.. كان الجو خانقا.. ولكني سمعت حفيف بكاء يخترق اذني... وعندما وضعوني في القبر العميق لمست يدا تطوق عنقي عندما اهيل التراب على كلينا.. كانت زوجتي تصرح بانفعال.. الم اقل لك لا تعطس في وجهي..اذهب فانت طالق بالثلاثة..عندها فقط تذكرت أن العصمة في يدها.. وقد تخلت عني في اشد الاوقات صعوبه.. لكني فرحت عندما تحسست جسديفقد نبتت اطرافي وكل ما اكتله الخنازير في صحوي.. فقلت على الفور.. لا اريد العوده.. يكفي انني تخلصت من زعقات الحيزبون وصراخها.. فاني افضل أن ادفن الف مرة على أن اظل ناظرا إلى ذلك الوجه الذي اوصلني إلى ما انا فيه.. وهكذا ايها السادة عشنا سويا.. ومتنا في الوقت نفسه..ولقد سمعنا صوت خطوات حارس المقبرة وهو يغادرنا ويقول: لعنهما الله.. لقد دفنا خنزيرين آخرين.. وطوقت زوجتي بذراعي وللفتهما حول رقبتها.. وابتسمنامعا وسويا..


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى