الخميس ٨ تموز (يوليو) ٢٠١٠
بقلم أوس داوود يعقوب

خوزيه ساراماغو، وداعاً

فقد الأدب العالمي، منذ أيام واحداً من أهم رواده، إنه الأديب البرتغالي خوزيه ساراماغو، الحائز على جائزة نوبل للآداب سنة 1998م، والمعروف بوقوفه إلى جانب قضايانا العادلة في صراعنا اليومي والمباشر مع العدو الصهيوني.

وُلِد الروائي والكاتب المسرحي والصحفي الراحل يوم 16 تشرين ثاني/نوفمبر عام 1922 باسم خوزيه دي سوسا لعائلةٍ فقيرةٍ جداً من العمال في الريف البرتغالي. أما الإضافة "ساراماغو"، وهو اسم عشبٍ بريٍ والاسم الذي كان يُنادى به والده، فقد انتهى الأمر بها بالصدفة في سجلات ولادته.

وقد بدأ ساراماغو حياته صانعاً للأقفال ثم صحافياً ومترجماً قبل أن يكرس وقته كليا للأدب. أصدر روايته الأولى "أرض الخطيئة" عام 1947 وتوقف عن الكتابة ما يقرب العشرين عاماً، ليصدر عام 1966 ديوانه الشعري الأول قصائد محتملة، غير أنه لم يُكرّس عالميته إلا في عام 1982 برواية "بالتزار وبليموندا"، وهي قصة حب تدور في البرتغالِ في القرن السابع عشر.

وقد أثارت آراء ساراماغو السياسية العديد من الانتقادات في الأوساط الغربية الموالية للصهيونية، ويعده الفلسطينيون من أبرز الكتاب المناصرين للقضية الفلسطينية، بينما يعده الصهاينة العدو الأول لسياساتهم في الغرب، الذي اعتاد أن ينافق الكيان الصهيوني ويقف إلى جانبه، رغم وحشيته وعدوانيته التي يدفع الفلسطينيون ثمنها غالياً.

ويتذكر الكثيرون منا زيارته إلى مدينة رام الله في الضفة الغربية، في الفترة من 24 - 27 آذار/مارس 2002، فترة اجتياح الإرهابي أرئيل شارون لأراضي الضفة الغربية، وذلك ضمن وفد من المثقفين والكتاب العالميين، تضامناً مع الشعب الفلسطيني في مواجهة المذابح الصهيونية، وقد ضم الوفد عدداً من ألمع الكتاب في العالم، إلى جانب ساراماغو، وهم النيجيري وول وسينكا الحاصل على جائزة نوبل في الآداب لعام 1986. ورئيس برلمان الكتاب العالمي الأمريكي راسل بانكس، وسكرتير البرلمان كريستيان سالمون (فرنسا)، وخوان غويتيسولو (إسبانيا)، وبرايتن برايتنباخ (جنوب أفريقيا)، وفنسنزو كونسولو (إيطاليا)، وبي داو (الصين).

وفي تلك الزيارة التقى الوفد بالشاعر الكبير الراحل محمود درويش، وفي الأثناء قارن خوزيه الوضع في فلسطين بمعسكرات "اوشفيتز" التي أنشأتها ألمانيا النازية، وقال في أعقاب زيارته لمخيم جنين: "كل ما اعتقدت أنني أملكه من معلومات عن الأوضاع في فلسطين قد تحطم، فالمعلومات والصور شيء، والواقع شيء آخر، يجب أن تضع قدمك على الأرض لتعرف حقاً ما الذي جرى هنا.. يجب قرع أجراس العالم بأسره لكي يعلم.. إن ما يحدث هنا جريمة يجب أن تتوقف.. لا توجد أفران غاز هنا، ولكن القتل لا يتم فقط من خلال أفران الغاز. هناك أشياء تم فعلها من الجانب "الإسرائيلي" تحمل نفس أعمال النازي أوشفيتس. إنها أمور لا تغتفر يتعرض لها الشعب الفلسطيني". الأمر الذي دفع بأصحاب "المكتبات الإسرائيليّة" إلى مقاطعة كتبه ووصفه بأنه معاد للسامية.

وفي مقالة نشرها عام 2002 في صحيفة (الباييز الاسبانية البارزة) ربط ساراماغو بين معاملة (إسرائيل) الوحشية للفلسطينيين وبين طبيعة اليهودية نفسها وقد جاء في المقالة:

"إن اليهود بسبب تسممهم الذهني بالفكرة التوراتية القائلة بقيام إسرائيل الكبرى التي ستحقق في النهاية الأحلام التوسعية للصهيونية، وتلوثهم بذلك اليقين الشنيع والمتأصل بأن ثمة في هذا العالم المأساوي والعبثي شعب مختار من قبل الرب، وبالتالي فان كل أفعاله الصادرة عن العنصرية الانعزالية المريضة والمهووسة يمكن أن تكون مبررة، وتنشئتهم على الفكرة القائلة بأن أية معاناة نزلت وتنزل وسوف تنزل بأي طرف آخر، وبالأخص الفلسطينيين، هي دائماً دون المعاناة التي تكبدوها في المحرقة، يسعون باستمرار إلى حك جرحهم والإبقاء عليه نازفا، وتحويله إلى جرح غير قابل للالتئام كي يعرضونه على العالم كما لو كان راية أو لافتة. لقد صادرت إسرائيل كلمات الرب المروعة الثأر ثأري، ولسوف أناله. فهي تريد منا جميعا أن نشعر بالذنب، بشكل مباشر أو غير مباشر، عن فظائع المحرقة، إن إسرائيل تريد منا التخلي عن ابسط ملكاتنا التمييزية وان نتحول إلى أصداء لإرادتها".

وفي معرض تحديه للصهاينة قام ساراماغو بالتوقيع على رسالة عالمية تدين الحرب العدوانية الصهيونية على لبنان سنة 2006.

وفي شهر أيار/ مايو 2009 كتب ساراماغو على مدونته الخاصة على الانترنت رسالة موجهة إلى محمود درويش بمناسبة مرور عام على رحليه، ومما جاء فيها: "أشعار درويش متجذرة في الحياة، في عذابات الشعب الفلسطيني وآماله الخالدة، ولها جمال شكلي يلامس، في أغلب الأحيان، سمواً معجزاً مع بساطة في الكلمات، إنها مثل يوميات تسجل، خطوة خطوة، دمعة دمعة، الكوارث، ولكن أيضا أشكال الحرمان، علاوة على الأفراح العميقة، لشعب، رغم مرور ستين عاماً، لا يبدو أن ثمة استعدادا للإعلان عن نهاية لآلامه. أن تقرأ محمود درويش ـ بالإضافة إلى أن ذلك يمثل تجربة جمالية من المستحيل نسيانها ـ يعني القيام بجولة أليمة على خطى الظلم والعار اللذين كان ضحيتهما الشعب الفلسطيني على يد إسرائيل، هذا الجلاد الذي قال عنه الكاتب الإسرائيلي ديفيد غروسمان، في لحظة صدق، أنه لا يعرف الرحمة".

والراحل الكبير خوزيه ساراماغو عضو في محكمة "برتراند راسل حول فلسطين"، الحديثة التأسيس، وهي "محكمة آراء"، أسست في آذار/مارس 2009، وتهدف إلى حث المنظمات الدولية وبالأخص الأمم المتحدة على التحرك من أجل إنهاء حالة اللاعقاب غير الطبيعية التي تتمتع بها دولة (إسرائيل).

وقد كان خوزيه ساراماغو أيضاً عضواً فعالاً على صعيد محاربة العولمة، وكان دوماً يشكك بالرواية الرسمية لأحداث الحادي عشر من سبتمبر2001.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى