الأحد ٤ شباط (فبراير) ٢٠٠٧
بقلم محمد السموري

ديمقراطية الوهم وإشكالية المشاركة السياسية الفاعلة

لقد أغرتنا الثقافة التغريبية حتى بتنا نلهث وراء مقولاتها وأصبحت ليس فقط خبزنا الذي نقتات بل وأكثر من ذلك بكثير ويا للأسف الشديد أصبحنا نعتبر الخيانة العظمى رأياً آخر في ظل ممارستنا لديمقراطية معلبة ومغلفة نمارسها دون معرفة وفهم لماهية الديمقراطية ، فقد ألبسنا ديمقراطية لا نعرفها, لم تنبت في أرضنا ,استوردناها معلبة بصفائح مختومة لكن يبدو أنها صنعت خصيصاً لنا كتلك البضائع التي تصنع خصيصاً للتصدير ومواطنوها لا يستهلكونها فلهم سلعهم الخاصة بهم ,تحت مسمى أن الديمقراطية واحدة في العالم . فجزا الله سوء عاقبة هذا القول ، فمن حقاً يعتقد أن الديمقراطية واحدة في العالم ؟

نحن جزافاً نسلم بهذا بشرط أن يكون التاريخ واحداً في العالم والتربية واحدة والثقافة واحدة والقيم الاجتماعية واحدة عندئذ تكون الديمقراطية واحدة وهذا ما خالف منطق الأشياء به، منظرو السياسة الأمريكية الحالمون بأمركة العالم مثل " فرانسيس فوكوياما " ولو أنه جاء في آخر قائمة الحالمين إلا أن هذه السياسة مستمرة على نهجها باتهام أي نظام سياسي لا يسير في الركب الأمريكي بأنه بلد غير ديمقراطي حتى باتت الدول تتنازل عن كرامتها الوطنية وهيبتها وتراثها وتاريخها خشية الاتهام بأنها غير ديمقراطية وألبست لبوس الوهم لمواطنيها فيغدو المسلم إرهابياً لأنه مسلم وحسب، ويغدو كل إنسان يعتز بقيمة ( ما ) هو متخلف وربما يتشدق بالتنكر لهذه القيمة من أجل إرضاء المنتصرين الجدد أو اتقاء شرهم, هناك من يسمي دولته ( أمة ) فماذا لو أسميت كل قرية في الوطن العربي أمة ؟ فمع أي قرية ( أمة ) يتعامل الاتحاد الأوربي والتكتلات العالمية الكبرى ؟ فهل يجرؤ هذا المدعي أو غيره على مثل هذا الاعتقاد الساذج لولا الصمت العربي المطبق عن قضية الوحدة العربية باعتبارها أصبحت حلماً بعيد المنال، فآثروا نسيانها تماماً مقابل الحديث عن التجزئة والدعوة لها تجنبا من التورط في الفخ الأمريكي عبر التنكر للوحدة القومية على أنها دعوة عنصرية أو شوفينية- بزعمهم -. فقام بعض ( أصحاب الرأي الآخر ) باستغلال هذا الوضع أبشع استغلال بلملمة الحاقدين والشاذين والحالمين بالكراسي وتجميع الفئات الهامشية وفي الأغلب – الفاسدة – لتسميتها أحزاب معارضة ( معارضة من أجل المعارضة ) فمن جهة تطرح بكل وقاحة قضايا تسيء إلى وحدة الأمة والأرض تحت عنوان لا يفقهون معناه تماماً ( الديمقراطية ) ومن جهة ثانية لهذه الفئات قنواتها واتصالاتها ومغذوها وممولوها فلا تتوانى عن إصدار بيانات تتضمن كل فكرة مستوردة إن لم نقل مدروسة بعناية في دوائر مخابراتية مختصة ومشبوهة بيانات يقطر منها السم الزؤام تجاه الوطن والأرض والهوية والمقدسات ناهيك عن ممارسة أعمال يندى لها جبين البشرية كإشارة لاستعراض قوتها وقوة من يقف وراءها ويساندها ويهدد بإسقاط النظام الذي يتحداها أو حصار البلد أو توجيه ضربة عسكرية متى شاء وفي كل الأحوال تصنيف هذا النظام بمعادة حقوق الإنسان أو وضع ذاك البلد على قائمة الإرهاب.

فالحزب بالمفهوم السياسي يختلف كليا عن مفهوم العصابة, لأنه يعبر بالمحصلة عن برنامج سياسي يمثل مصلحة طبقة اجتماعية ثقافيا وماديا لا يتحدد أو ينحصر بفئة اجتماعية عنصرية أو مجموعة دينية طائفية, فالفئوية بالنتيجة هي الانفصالية والعنصرية والشوفينية, فلأحزاب العربية تعاني من مجموعة من الإشكاليات الموضوعية والذاتية إن الباحث (غالب فريجات – جامعة الأردن) يوصف هذه الإشكاليات في مجلة الفكر العربي العدد (95) منها ما هي أحزاب أفراد لا أحزاب جماهير, وشعاراتها أكبر من قدراتها ,وتعاني من ضعف نسيجها التنظيمي وإمكانياتها المالية ,إضافة إلى وهن قياداتها التي هي دون مستوى المرحلة, وغياب النخب الفكرية والسياسية عن صفوفها, فضلا عن توجه بعض الأنظمة العربية في خنق هذه الأحزاب والعمل على تشويه صورتها, لكي تبقى هياكل دون مضمون وشل قدرتها على التأثير والمشاركة في صنع القرار السياسي, لعدم قناعة هذه الأنظمة بالفهم الحقيقي للتعددية والمشاركة السياسية فأصبحت تتعامل معها من خلال أجهزة الأمن من منطق الرفض الغريزي فتنظر إليها دائما بعين الشك والريبة.

إن المعارضة حق وواجب للمواطنين في كل نظام سياسي, على أن يكون لهذه المعارضة مفهومها السياسي الواضح وبدائلها وخططها المستقلة وبرامجها المعبرة عن تعارض مفيد, وغيرية وطنية وتكون بهذا المفهوم قوة ردع وتقويم, وعيون رصد للأخطاء وليست مرتكزا للعدو ووسيلة لتمرير مشاريعه.

إن هذه الظاهرة يسميها الباحث( موسى الزعبي )في كتابه " دراسات في الفكر الاستراتيجي والسياسي: بالقولبة التي تستقر أعمالها في الوعي واللاوعي الجمعي وعندما تتشابك ديناميكية الشيطنة يأتي دور التصعيد الملازم لذلك الجور والاتهامات السوداء وحرب البيانات باختلاق وتزييف التفسيرات الذاتية للأحداث أحياناً خداعة وسيكون هدفها أن تجعل من هذا الطرف وكأن أعماله مشروعة. أم هذا السبب أو ذاك أمراً مقبولاً بإحداث تأثيرات لدى الرأي العام تجعله يتعاطف مع ما نقوم به على الرغم من الأعمال الوحشية المرتكبة من قبل مدبري الأحداث ومرتكبي الفظائع, إن هذا الفهم للديمقراطية أدخل الديمقراطية ذاتها في دائرة الوهم وغلفها بأسوار الوهم وتغدو في هذه الحالة ديمقراطية مشبوهة شبيهة بادعاء ( إسرائيل ) بأنها نظام ديمقراطي عبر تغليف الديمقراطية بصياغات أمريكية ,وتسويقها للعالم ذلك لمحو استحقاقات الديمقراطية الحقة من الأذهان واستبدال قيم الديمقراطية الوهمية بدلاً عنها، فبالممارسة تصبح الديمقراطية تعني معاداة البلد والإساءة إليه وتمثيل مصالح الغير فيه.إن الديمقراطية هي أن تتخلص من الخوف في ممارسة حقوقك وواجباتك لا أن تزرع الشك بكل الرصانات التي لا تكون الديمقراطية بدونها صحيحة وسليمة فمن يمارس الديمقراطية دون وعي هو لا يمارسها أساساً إنه يمارس وهماً لا أكثر إن (الدكتور علي عقلة عرسان) يطرح سؤالاً يصيب به جوهر قضيتنا هذه في كتابه " ثقافتنا والتحدي , الديمقراطية لمن والديمقراطية كيف ؟ فيصل بالنتيجة ( إن الديمقراطية للوطن وآن الأوان تماماً لتسقط أقنعة كثيرة وترفع ستر عن وجوه وشعارات وممارسات في الوطن العربي ).

أليست هذه أغلفة الوهم وهي رغم أنها أغلفة مرئية جداً ترى من خلالها الفضائح يتعامل معها على استحياء كتعامل بعض العرب بالمقولات الصهيونية في وصف المقاومة بالعنف والإرهاب ما الذي يجعلهم يسايرون جلاديهم في تثبيت الاتهام عبر ترديد مقولاتهم بببغائية غبية ويساهمون في إنقاذ موقف عدوهم بدلاً من التصدي له وتعرية أكاذيبه وأوهامه ، فهذا جعل من نفسه محللاً نفسياً لممارسي ( الإرهاب ) وذاك خبيراً استراتيجياً في طرق محاسبة (أهله ) وآخر يزغرد لتدمير (بلده) في كواليس البيت الأبيض لكنه يوزع التصريحات الصحفية المجانية لحفظ ما تبقى من ماء وجهه إن كان ثمة ماء بوجهه. وسيكون الإرهاب ضمن هذا الوضع – إن استمر هكذا – السلعة الأمريكية الأكثر رواجاً في المرحلة المقبلة، وسيكون التهمة الجاهزة التي لا تحتاج إلى أي إثبات وأية أدلة لتلبس أي دولة أو جماعة أو حتى فرد، وسيكون العرب أول ضحاياه الأبرياء, والجوهري هنا تعامل الموهومين والمضللين والذين لا يفهمون أصلاً جوهر الأحداث وماهيتها فينساقون وراء المقولات الإعلامية المزيفة ويطلقون أحكامهم العشوائية، والأمثلة تكاد لا تحصى لتؤكد زعمنا بأن أغلفة الوهم تخفي في عتمتها مجاهيل كثيرة وتميت حقائق، فهي موجودة في كل الأشياء كالأكذوبة التي ستغدو في المستقبل ظاهرة يتعامل معها الناس على أنها الحقيقة المطلقة وتجد من يدافع عنها ويسوغها ويؤلف فيها ومن يكتب فيها الشعر يمجدها, فالوهم سيظل يلفنا ويغلف وعينا ما دمنا نعيش حالة نقص تجاه الغرب ودونية تجاه منجزاته وحضارته، ونقزم حضارتنا الأرفع وتاريخنا الأقدم وقيمنا الأسمى، ونخضع كل ما لدينا لمعيار غريب لا يصلح له، لا يقاس به.

فالبراغماتية سمة للشعوب التي لا تربطها أواصر اجتماعية تاريخية وقد ألفت حياتها الاجتماعية على أساس وحدة المصالح في تبادلها، ووضعت لنفسها معايير تناسب – ربما – والأسباب التي كانت من أجلها، فهل من الضروري واللازم على الشعوب الأخرى نسف كل ما لديها من معايير عرفت عبر تراكم زمني مديد لا عبر صياغة وضعية واتفاق مسبق والأخذ من جديد بمعايير جديدة تحت مسميات ما بعد الحداثة – ما بعد التاريخ – وربما ما بعد القيم، والأخلاق، والشرف، والكرامة، وما بعد أشياء أخرى كثيرة، فهل من المنطق أن يتحول العربي ذلك الإيثاري إلى براغماتي, مصلحي ونرجسي، وأناني، وانتهازي. ويتنكر لذويه, وربما لأبنائه, لأنه لا مصلحة مادية ترجى منهم, وتحت مسمى الحرية الفردية والشخصية وتحت مسمى التقدم الحضاري يتنكر لمجتمعه ، وبلده ، وروابطه ، وقيمه ، وتراثه ، وأصالته , لأنه قد غلف قيمه بقيم بديلة ما أن يكتشف زيفها حتى يرجع صفر اليدين من بدائلها الجميلة ويكتشف عندئذ أنه كان مضللا- حالة تشبه حالة السكر تماماً -

وهذا لا يعني بالطبع ولا ينساق على التقدم العلمي والحضاري والمدنية المنظمة المنضبطة ولا يندرج في سياقاته الإبداع الحقيقي والثقافة والمثاقفة والتطور على أن تفهم هذه العناوين وغيرها وتوظف بأوجهها الصحيحة لمنفعة حقيقية تحصد ثمارها وتعطي أكلها .

إنها مجرد دعوة إلى المصداقية في التعامل مع الأشياء والظاهرات ومحاولة للبحث عن الذات في خصوصيتها .


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى