د. مصطفي يعلى في حفل توزيع جوائز مسابقة ديوان العرب
الطاقات الإبداعية الشبابية في العالم العربي تدعو إلى التقدير
أكد الدكتور مصطفى يعلى، عضو لجنة تحكيم قصيدة النثر بمسابقة ديوان العرب العاشرة للشعر العربي، خلال كلمته التي ألقاها في حفل مسابقة ديوان العرب، أن الشعر العربي عرف خلال عمره الطويل من الجاهلية إلى عصرنا الحالي بعض التطور البطيء، شرعت بوادره تتسلل إلى العصر العباسي على احتشام، ثم تعددت مظاهر التمرد على سطوة الشعر العربي القديم فيما بعد. ومن أهم تجلياتها استحداث الموشحات والزجل في الأندلس، وشعر التفعيلة في أربعينيات القرن العشرين، ثم أخير قصيدة النثر انطلاقًا من ستينيات القرن الماضي".
وأضاف د. يعلى: "لقد كان من دواعي سروري واعتزاز مجلة ديوان العرب الإلكترونية الرائدة، أن خصصت الدورة العاشرة من مسابقاتها الأدبية لمروحة أنواع المنجز الشعري العربي، بما فيها النوع الشعري الجديد، نقصد قصيدة النثر، وعيًا منها بما اقترحته هذه القصيدة، من فرادة في حقل الشعر العربي المعاصر إبداعًا وتلقيًا، وذلك عبر ما أحدثته من طفرة نوعية في تطور التعبير الشعري والرؤية إلى العالم، متجاوزة معيارية الشعر التراثي، بفعل ما اعتمدته من قيم تعبيرية، وسمات جمالية مخصوصة، مثل تقنية التشظي، والاعتناء بالصورة ونزعة الترميز، والإيحاء، واستحضار آليات من الأجناس الأدبية والفنية الأخرى، ونوعية التعامل مع القدرات اللغوية، وشدة التركيز والتكثيف، والإيقاع الداخلي، والوحدة العضوية والموضوعية، وثراء المجاز وغيرها من أدبيات هذا الخطاب المستحدث، انطلاقا مما يتمتع به شاعر قصيدة النثر من حرية مسؤولة".
وتابع د. يعلى مضيفا: "ومن حسن الحظ في لجنة قصيدة النثر، أن سرورنا قد ازداد أكثر، حين لمسنا مدى اهتمام المبدعين الشباب العرب، بهذا النوع الشعري الجديد، خصوصا أن من تقدموا إلى المسابقة بنصوصهم، كانوا بالعشرات، ومن معظم الأقطار العربية".
وأكمل: "نحن إذ نهنئ الفائزين في فرع هذه المسابقة الشعرية، الخاص بقصيدة النثر يهمنا أن نكرر أن الهدف من هذه المبادرة، مثل سابقاتها في الشعر والقصة القصيرة وقصص الأطفال وغيرها، قد انحصر في تشجيع المبدعين العرب الشباب، على تجريب الكتابة في هذا النوع الشعري الجديد، إلى جانب المبدعين في حقل شعر البحر وشعر التفعيلة، لما أصبح لتجربة قصيدة النثر من اعتبار، ولما في هذا النص أيضًا من إثراء للشعر العربي بكامل أنماطه".
وأضاف: "قد كان الحظ حليفنا أيضًا، إذ اكتشفنا من فحص النصوص المقدمة للمسابقة أن هناك طاقات إبداعية شبابية في العالم العربي، تدعو إلى التشجيع والتقدير، مما ضاعف سرورنا من تنظيم هذه المسابقة. على أننا قد لاحظنا أن الإمكانات الجمالية للمتسابقين في هذا النوع من الشعر قد تراوحت بين القوة والضعف. فمن جهة كان مستوى اختيار نوعية الموضوعات والتعبير عنها موفقًا في بعض النصوص، بسبب توفر موهبة التعبير بالصورة الشعرية، والحس القصصي، وتقنية التشظي، وجمال التكثيف، والإحساس العاطفي الشجي، وتداخل الذاتي مع الموضوعي عبر آلية الإيحاء، فضلًا عن الصور الشعرية الجميلة، والإيقاع الداخلي المنساب بشكل متناغم مع التجربة الشعرية، واستلهام الموروث من قصص معروفة مثل قصة يوسف، وقصة موسى، وقصة قيس وليلى، وأساطير قديمة مثل أسطورة النيرفانا البوذية، واستحضار معرفي لغة وصورًا مجازية تجسد معاناة الذات مع الواقع، وتباريح النفس وشكواها.. الخ، وذلك عبر خيال شفاف ولغة معبرة، في حين لم يحالف الحظ الكثيرين لأسباب مختلفة منها ركاكة الأسلوب وأخطاء اللغة وغياب ماء الشعر، بسبب هيمنة جفاف النثر، والافتقار إلى التكثيف والإيجاز، والانفلات نحو المباشرة والنبرة الخطابية، والإغراق في العاطفية الرومانسية لا غير وهلم جرا".
واختتم عضو لجنة التحكيم في فرع قصيدة النثر د. مصطفى يعلى كلمته قائلًا: "مع ذلك فقد سرنا كثيرًا كما سبقت الإشارة، هذا الإقبال على إبداع قصيدة النثر، من لدن أدباء شباب من مختلف الأقطار العربية، وأكيد أن هذه المسابقة تعتبر بالنسبة إليهم مجرد محطة تليها بالضرورة محطات كثيرة، في مسار بلورة تجاربهم الشعرية الموفقة، وإغنائها بالتعهد والتجويد والابتكار".