
رسالة مفتوحة من أم سورية.. إلى جميع المواطنين
بقلم: "أم سورية" "قضايا المرأة"
خاص
"كتبت هذه الرسالة أم حقيقية، وليست مكتوبة مجازاً.. وفضلت عدم ذكر اسمها- نساء سورية"
من أم سورية إلى كل من يقرأ هذه السطور:
أولاً- إذا قيل لأحدكم إن ابن فلان مصاب بسرطان فما هو شعوركم؟ أكيد هناك من سيقول: مسكين شفاه الله وأعان والديه. و بالأحرى "الله يعين أمه"! وهناك من سيقول: ماذا نفعل؟! هذا قدره.. الله يعافينا. ولكن إذا كان ابن أحدكم، لا قدر الله، هو المريض، عندها يختلف الوضع! ستلهثون وراء أية وسيلة لتنقذوه من الموت.. من طبيب مشهور إلى طبيب أعشاب! وأحياناً إلى مشعوذ! حتى لو كان السرطان من الدرجة الثالثة ولا سبيل للنجاة منه، وكنتم على يقين أن لا فائدة ترجى من أي شيء! ولكن، كما قيل: الغريق يتعلق بقشة.
وحالي الآن مثل هذا الغريق تماماً. فأنا مكبلة بقيود من حديد.. وابني أمام ناظري يغرق في مستنقع، أريد إنقاذه ولكن أغلالي تمنعني. ينفطر قلبي وأجنّ.. ولكن لا حيلة لي! فماذا أفعل؟
أرجو الآن أن تتخلصوا من هذه العبارات التي طالما طعنتني وطعنت كل أم سورية في الصميم: "ما الذي يجبرنا على إعطاء أولاد الأجنبي جنسيتنا؟! هؤلاء أولاد الغريب؟!" كأنهم ليسوا أولاد ابنتهم؟! و"الذي يعمل شيء يجب أن يتحمل مسؤوليته! لم يقل لكنّ أحد أن تتزوجون من غريب! فاحصدن ما زرعتن!!" كأنهم لا يؤمنون بالقضاء والقدر.. وغيرها الكثير من العبارات الجارحة التي تنم عن أناس لا زالوا يعيشون في العصر الحجري.. ولا يفكرون في آلام الغير.. ولا يلقون بالاً لما يقولوه! وأكيد أنه لو حصل لهم نفس الشيء لما نطقوا بمثل هذه الكلمات! حقاً لن يشعر بالألم إلا من مرّ به.
دعوني أخاطب إنسانيتكم ومشاعركم النبيلة:
أنا أم سورية لدي ولد عمره عامان ونصف، متزوجة من فلسطيني أردني. ولكن زوجي ليس معه هوية أو جواز سفر! والسبب هو أن والده من جماعة "أيلول الأسود"! وهم أناس ينطبق عليهم المثل "الآباء يأكلون الحصرم والأبناء يضرسون"! ولا تقولوا: لماذا تزوجوا وأنجبوا أطفالاً؟! فالزواج حق طبيعي لكل إنسان. ابني الآن مجرد من كامل الحقوق المدنية.. ولا أستطيع أن أسافر خارج القطر لأزور أقارب لي لأنه غير مسموح لي اصطحابه معي! إذ لا يسمح بإعطائه جواز سفر! وعندما يكبر سيحرم من أشياء عديدة: العلم، العمل، التملك والسفر..! وإذا رغب يوماً بالزواج، فمن يزوج ابنته من شخص "مكتوم"؟ وحتى ولو حلت مشكلة زوجي، وحصل فرضاً على هوية فلسطينية، تبقى المشكلة ذاتها. فأنا سورية لا أعرف وطناً غير وطني الغالي.. وابني غير سوري! وهذا سيحرمه من العديد من الحقوق التي يتمتع بها أهل أمه الذين هم أهله. وبالتالي وطنهم هو وطنه.. ولا يوجد له وطن غيره.
لماذا لا يسمح لي بإعطاء ابني جنسيتي وهويتي؟! ألست سورية مثلي مثل الرجل السوري؟! أليس أولادي هم أولاد وطني مثلما أولاد الرجل السوري؟! وعلى فكرة: أولاد المرأة هم أشد انتماء وإخلاصاً لوطن أمهم من أولاد الرجل الذين يشعرون بالانتماء إلى وطن أمهم التي ربما تكون "إسرائيلية"! فالكل يشعر أن وطن أمه وكل من تحبه هو وطنهم وأحبتهم.
أفكر كثيراً في واقع المرأة في البلاد العربية. المرأة الغربية لا تعطي جنسيتها لأولادها فقط، بل لزوجها أيضاً.. مثلها مثل الرجل! فما الذي ينقصنا عنهم؟! وهل المرأة الأجنبية أفضل من العربية؟! وبماذا؟ هل تلك إنسان كامل الإنسانية وهذه أمَة أو حشرة عديمة الأهلية؟! وكل ما عليها هو الخضوع لقانون الرجل، وتجريد نفسها من مشاعر الأمومة والمشاعر الإنسانية، فقط لإرضاء المجتمع الذكوري؟ فبعدما حملت وأنجبت وربّت وضحت بكل شيء في سبيل سعادة أولادها.. لا يحق لها، بعد كل هذا، أن تضمن بقاء أولادها الذين يرفضهم المجتمع إلى جانبها؟! بالتأكيد سيشعرون أنهم غير مرغوب بهم.. ويرحلون! وحرام تفريق الأم عن أولادها إنسانية وشرعاً.
ولماذا هذا التمييز ضد المرأة فمجرد زواجها من شخص غير سوري يعني طردها وعدم قبولها وأولادها في مجتمعها. وأرجو أن لا يحتج أحد بالدين في مسألة إعطاء السورية جنسيتها لأولادها! فالدين الإسلامي بالذات لم يميز بين المرأة والرجل. ففي القرآن "إن أكرمكم عند الله أتقاكم". "أتقاكم" وليس "رجالكم"!! وقال النبي (ص): "النساء شقائق الرجال".. بل وصى بالأم أكثر من الأب بثلاث مرات "أمك، أمك، أمك ثم أباك".. و"الجنة تحت أقدام الأمهات".. ولا يوجد أي مانع شرعي لإعطاء السورية المتزوجة من أجنبي جنسيتها لأولادها! فالمسألة ليست مسألة تبني. إذ هنا الولد يأخذ نسب أبيه كاملاً. ولا ينادى إلا باسمه.. ولكن يعطى جنسية أمه لتسهيل أمور حياتهما.. وفي الإسلام الأول لم يكن هناك لا جنسية ولا هوية ولا جواز سفر. حكموا ضميركم إذاً.. وليس تقاليدكم التي لا علاقة لها بالدين! لقد حرّم الله الظلم على نفسه فلماذا لا نحرّمه على أنفسنا؟ وثقوا تماما أن إعطاء المرأة حقوقها وتحررها لا يعني أبداً الانحلال الأخلاقي.
أعاني الآن من صداع تشنجي بسبب شعوري بالعجز عن إنقاذ ابني! وأرجو أن لا أكون في طريقي إلى جنون الاضطهاد! فأرجوكم أن تضعوا أنفسكم في مكاني وتحكموا على الأمور من منطلق إنساني بحت.. بعيداً عن التقاليد البالية.
التوقيع: أم سورية
"نساء سورية"