الجمعة ١٥ شباط (فبراير) ٢٠١٣
بقلم نازك ضمرة

سافر صديق روحي

سافر صديق روحي ونأى، والخشية أن تنقطع أخباره، للبعيد راح، إلى البعد الذي لا تصفه اللغة، ولا تستوعبه المفردات، ما الذي خلفته بعدك يا روحي، أسكرني رواحك، وأدار رؤوس الكثيرين، فلم المسير المبكر؟ في فجر يوم بارد شديد الظلمة قررت المسير، لا شك أنك اكتشفت أمراً جديداً، واطلعت على الكثير مما لا نعرف في غيبوبابتك التي ظلت تتكرر في أيامك الثلاثة الأخيرة، أيامك أو هي أيامنا؟ لم نكن ندري أكانت لك أم لنا، عليك أو علينا!... حبيبنا إن أول ما نفتقده ضحكتك المجلجلة حين أداعبك، ما إن أذكرك بإحدى شقاوات طفولتك حتى تنفجر ضاحكاً، حتى لو كانت أنفاسك متضايقة، ثم يتابعك الشرق والاختناق والسعال، ومع هذا تواصل ضحكتك، تأخذ حقك من الوجود كاملاً ومن كل قلبك، في تلك اللحظات تنقلب أجواء الغرفة وتشع الأنوار حولنا، حتى لو كان الجو قاتماً غائماً معتماً، والكهرباء ضعيفة، ما أروع الجلوس معك امام منزلك في مدينة الزرقاء، رحلة متعبة لك وفيها الكثير من المعاناة، ومع ذلك كنت تفعلها، ولماذا هذه المحازفة؟... حتى تلتقي بمن يحبونك، ويحبون روح روحي، تلاعب من يعرفون لعبة طاولة الزهر (النرد)، والحب؟؟... والصبر؟؟.. والقبول؟... كلها تتجلى في آهاتك ونظراتك ومحاولات الانحناءات في ظهرك في حماس، تتلمس الدقة في معرفة أرقام الحظ مع طاولة النرد، تحب كل شيء بدءاً من المرأة والزهرة وخضرة الشجر، أي شجر، مهما ضعف ولو كان بلا ثمر، تحب أن تجمع كل شيء، وان تزرع كل شيء، وبيتك وحدائقك الصغيرة والقريبة والبعيدة شاهدة على كل محاولاتك في زرع الحياة فوق الأرض، عاملاً جاهداً على إنهاضها ورفع رؤوسها، ثم الجلوس بينها ومعها، حين كنت أزورك وأرى أناملك وقد ضعفت كثيراً وهي تداعب نبتة قريبة منك، او حين تقترب منها، أكاد أسمع تحاوركما، أشجارك وزهورك ونباتاتك الصغيرة، لا شك أنها كانت تخاطبك وتسمع حديث روحك، فهي مخلوقات حية لها أرواح مثلنا، وكلما طال وجودك ومناغاتك لها كلما ازدادت انتعاشاً، وتأكد يا صديق روحي أن الكثير من تلك النباتات والمخلوقات البشرية التي خلفت وراءك، ستفتقدك بعد سفرك البعيد البعيد، نعم سيحاول كل من عاش معك وحولك وعايشك أن يعيش طويلاً كي يستجمع الكثير من الذكريات معك، لكن نباتاتك ومن سيعنون بها بعندك سيشيخون كما شخت أنت، وستسافر النباتات وتذوي حزناً على فراقك، وستغادر مواقعها مضطرة راحلة تلحق بك يا روحي يا صديق روحي، نقول هذه العصائر من دمنا وأفكارنا مختصرة لأنك رحلت إلى عالم بعيد عميق، لا نعرف مداه، كما قلت أول حديثي إليك، وها نحن نعيش اعتباراً من اليوم على هذه الأحلام والأفكار التي أصبحت ذكرى، أليس ذلك من حقنا أيها الحبيب؟؟ وما دام فينا عرق ينبض؟ وإلا فلنأمل أن نلتقي بك ثانية في عالمك الذي سبقتنا إليه، أراحك الله، لقد عرفت المدى الذي استطعت احتماله، لم تستسلم ابدأ، لكنك رضيت بالراحة الأبدية، حين كنت أجلس بجانبك في ساعاتك الأخيرة، كنت أرى من أعصاب وجهك، وحركات عينيك تحت جفنيك المغمضتين، أنك تحاول معاودة الصراع ضد الألم والهجرة بعيداً، لكنك حين أدركت المدى، متأثراً بسماع أحاديث من هم حولك، وكنت ببعض من وعيك وتسمع أحاديثنا، ولا تقوى على إسكاتنا، لا شك أنك عرفت من خلال استراق السمع خلاصة ماأخبرنا به الأطباء، عرفوا أنك مصعد للاستراحة والتحليق إلى الفضاء اللانهائي، فانطلقت روحك من عقالها لتتحرر في العالم الذي لانراه، ولا ندرك كنهه ومداه، بل وسنبقى نجهل أسراره مهما أوتينا من علم وتلميحات، ولكن !!!... لكن معاني هذا الرحيل الأبدي واضحة مكشوفة حسب مفاهيم البشر السائدة، إنها سنة الحياة، والكل سيبحر بعيداً يوما ما.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى