الاثنين ٦ كانون الأول (ديسمبر) ٢٠١٠
بقلم محمد أبو عبيد

ستبكون على أطلالها إنْ لم تنقذوها

مثل بناية متماسكة متراصة وجميلة تتداعى أمام أهلها طبقة طبقة ولم يبق منها إلا القليل حتى باتت على شفا صيرورة الأطلال. ذلكم حال لغتنا العربية التي لو نطقت، وهي المنطوقة، لصاحت في وجه أهلها فزعاً على ما آلت أليه من مكانة لدن أهلها. ليست هنا دعوة لاسترجاع سيبويه من لحده، وعظامه رميم، أو استنساخ الفراهيدي، ولا فرض أحكام النحاة والصرفيين بالقوة، إنما إنقاذ ما تبقى من لغتنا العربية التي تهانُ من قبل أهلها، ويُنكّل بها بأدوات القمع العربية، بحجة أنها ثوب قديم عفا عليه الزمن.

إذا عفا الزمن على لغتنا العربية، فإن الزمن لا يستثني أهلها، فنصبح ممن عفا الزمن عليهم أيضاً، فلا قيمة لقوم من دون لغتهم، فكيف إذا كانت لغة من أجمل اللغات، وأكثرها طرباً وجذباً في علوم الآداب. وأية قيمة تلك التي قد نكسبها إذا كان تباهينا الحاضر هو بإتقان لغات الغير وجهل لغتنا الأم!.

لا تقليل من أهمية تعلم لغات الآخرين، خصوصاً المسيطرة عالمياً حالياً، وهي الإنجليزية. بل على العكس، ثمة ضرورة جادة لتعلمها وإتقانها نظراً لأهميتها في العلوم الحالية، وفي كل معاول التكنولوجيا العصرية التي لا ناقة للعرب فيها ولا جمل. بيْد أن تعلم الإنجليزية وأجادتها يجب ان لا يلغي اللغة الأم ومكانتها عند أهلها، ويجب أن لا يكون هو "الباروميتر" الذي يقيس درجة تمدن وتطور الفرد العربي.

الأدهى هو حين يكون من منوط به الحفاظ على اللغة، يلعنها بالأخطاء الفادحة مثل الكثير من صحفنا العربية حالياً، والمواقع الإعلامية اللإلكترونية، وشاشات "فضائحيات" اللغة، خصوصاً التي تكون العربية السليمة فرضاً فيها.

حالة أخرى تستدعي الأسف والحزن، حين يرى المرء أطفالاً عرباً ناطقين بغير العربية، وهم من آباء وأمهات عرب، ويعيشون في أصقاع العرب. لو كانوا ينطقون باللغة العربية والإنجليزية وهم في نعومة أظفارهم لما كان ضرر ولا ضرار، بل سيكون ذلك حقاً من مدعاة الفخر حين يعرف الطفل لغته ولغة غيره في آنٍ معاً. إنّ مثل هذه التنشئة الخاطئة للطفل تخلق في نفسه حالة من الضياع أو التشتت، فلا يعود يدرك إلى من ينتمي، فالأنتماء إلى اللغة لا ينفي أبداً أن يكون المرء واسع الإطلاع على الغير ومدركا لغته وثقافته وحتى أسماء نجومه ولاعبي فرق كرة القدم عنده.

إن الجيل الناشىء عندنا، يعرف أهل الفن في الغرب، من سينما وتلفزيون وغناء ورقص، ولا اعتراض على ذلك إن كان يعرف أيضاً من هم أبن خلدون والمتنبي، وابن بطوطة وأحمد زويل ومحمود درويش. وليس المطلوب أن يحفظوا أشعارالبحتري، ولا كتب القلقشندي، ولا تاريخ ميلاد أبي تمام، لكن على الأقل أن يعرفوا من هم هؤلاء ما داموا يعرفون من هي الليدي غاغا وبيونسيه وأيكون.

هناك بقية من لغتنا العربية فأنقذوها كي لا تندثر البقية وتصبح مجرد رموز يدرسها طلاب التاريخ والآثار كما يدرسون الرموز الهيروغليفية والأحرف المسمارية.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى