الخميس ٧ شباط (فبراير) ٢٠٠٨
بقلم بسام الهلسة

شتــاء قــارص

وقد يجمع الله الشتيتين بعدما – يظنان كل الظن: ان لا تلاقيا!!

قيس بن الملوح-"مجنون ليلى"

* شتاء وبرد هذه السنة قارص أكثر من المعتاد...

لم نعهد مثله منذ مدة نحن شعوب هذه البلاد التي اعتادت الدفء والحر.

و"الشتاء" اسم اشتق من تشتت القبائل العربية وتفرقها حينما يحل الشتاء، على العكس من "الربيع" الذي يعني التجمع والإقامة في المكان.

و"التشتت" سمةٌ بارزة من سمات الوضع العربي (وطناً وأُمة) ورثناها من عهدي الانحطاط والاستعمار، وكرستها من ثم أنظمة "الاستقلال التام" (المجيدة) مع شقيقاتها الأخريات: التخلف والاستبداد والتبعية، ومعها أقاليم وأجزاء الوطن التي لم تحرر وظلت محتلة مستلبة: فلسطين والجولان وبعض أرض لبنان..

-قلب الوطن والأمة- وسبتة ومليلة- في مغربهما- ولواء الاسكندرون وانطاكية –في شمالهما- والاحواز (عربستان) والجزر الثلاث في مشرقهما، مضافاً إليهما الاحتلال المستجد في قرننا للعراق والصومال...

* * *

أجيال عديدة تلاحقت في ميادين النضال من أجل تصفية هذا الوضع البائس المُذل بما يتضمنه من استعباد واستغلال وفوات حضاري.. وتجاوزه نحو فضاء التحرر والتقدم والحداثة والوحدة والعدالة والمشاركة...

ومع احرازها لبعض الانتصارات والمكتسبات، إلا أنها لم تتمكن بعد من إنجاز ما يجب، ولا زال يتعين عليها بذل التضحيات الجسيمة لبلوغ أهدافها والوصول إلى الوضع الذي تستطيع فيه أن تعلن أنها أمة جديرة بالحياة، وأنها أمة حرة وسيدة حقاً.. أبناؤها وبناتها أحرار قادرون على صنع مصائرهم بأنفسهم.

* * *

كان النضال من أجل الحرية والسيادة والوحدة القومية ضد امتيازات الحكام والاكليروس والتجزئة الاقطاعية والإقليمية وضد الاستعمار، واحداً من أهم الشروط المؤسسة لبناء الأمم والدول الحديثة. وهو أمر يعرفه كل من اطلع على تاريخ أميركا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا واليابان والصين وڤيتنام (مع مراعاة الفروق الأخرى بينها طبعاً).

ويعرف المطلع أن "النهضة" و"الحداثة" و"القوة" عموماً، بما تعنيه من منجزات وتطبيقات في المجالات المتعددة: السياسية والاقتصادية والأمنية والاجتماعية والمعرفية والثقافية...، لم تهبط على هذه الأمم بالمظلات.. بل قامت على أساس وطيد وراسخ هو الاستقلال والسيادة والوحدة القومية. مما فتح المجال واسعاً أمام القوى الجديدة الحاملة لتطلعات ومصالح أغلبية الأمة، للسير في دروب التقدم وتحقيق النقلات الحضارية.

* * *

وإذا كان سؤال "التخلف" –عربياً وإسلامياً- هو السؤال المحوري في القرن التاسع عشر، إثر المجابهة مع الغرب المتقدم والمتفوق، وأضيف إليه سؤال النهضة والتحرر والاستقلال الوطني في النصف الأول من القرن العشرين، ثم استحقاقات الاستقلال، وبناء الدولة، واسترداد الثروات والموارد وإدارتها، والعدالة، والوحدة، والهوية والمعاصرة في نصفه الثاني، فإن المتابع يعرف أن هذه الأسئلة (القضايا) والاستحقاقات لم تزل قائمة (بهذه الدرجة أو تلك) على أجندة وجدول الأعمال العربي.. مع إدراكنا بالطبع للتفاوت بين قطر عربي وآخر.

وانضافت لها في العقدين الأخيرين –وبإلحاح كبير- أسئلة الحريات العامة، والمواطنة، والمشاركة والديمقراطية. وطرحت بشكل غير مسبوق -بدوافع ومنظورات مختلفة- قضايا الجماعات والفئات والأفراد.

وقد تورطت بعض التيارات والإتجاهات في بلادنا بإسقاط المهمات "القديمة" (استكمال تحرير الأجزاء المحتلة، وتحقيق الاستقلال التام –وليس الشكلي- والوحدة وبناء الأمة والدولة القومية)، والأسوأ أنها غيبت المهمة الراهنة الملحة المتمثلة في صد العدوان الأميركي- الصهيوني وحلفائه على الأمة، الرامي إلى السيطرة على بلادنا وإعادة هيكلة المنطقة باسم "الشرق الأوسط الجديد".

وبلغ بعضها حد المراهنة على التدخل الأميركي رغم معرفتنا وخبرتنا بما فعلته التدخلات الاستعمارية على مدى قرنين..

وفيما انكفأت قوى أخرى نحو الماضي –لا لاستلهامه كما هو مفهوم- بل لواذاً به في مواجهة استحقاقات ومعطيات العصر، اندفع اتجاه نحو العنف الشامل المدمر، وهو ما استنكرته غالبية الأمة التي أعطت تأييدها للعنف المقاوم المحرر.

وبين هاته التيارات والإتجاهات بقيت قوى قادرة على إدراك واستيعاب مجمل القضايا والمهام (القديمة منها والجديدة) بمنظار شامل، وقادرة على الربط الخلاق بينها وتحديد الأولويات طبقاً للظروف الملموسة، وانطلاقاً منها نحو تحقيق الأهداف المرجوة.

لكن هذه القوى للأسف مشتتة ولا تشكل التيار المركزي الغالب والجامع؛ مما يعيق ويؤخر نهوض العناصر الحية في الأمة صاحبة المصلحة في التغيير والتي طال اضطهادها واستغلالها وتشتتها وتأخرها..

* * *

شتـاء وبـرد قـارص

وليـل طـويل طويـل...

و"الربيع" و"الفجر" لا يأتيان

بـل يُصنعــان

فافعلي ذلك يا أُمة العرب

طـوبـى للصـانعيـن ...


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى