الجمعة ٢٣ كانون الأول (ديسمبر) ٢٠١١
بقلم مصطفى لغتيري

شعرية القصة القصيرة جدا لجاسم خلف إلياس

يعد كتاب «شعرية القصة القصيرة جدا» للناقد العراقي الدكتور جاسم خلف إلياس الصادر عن دار نينوى بسوريا عام 2010من أهم الكتب النقدية، التي حملت على عاتقها ترسيخ جنس القصة القصيرة جدا في المشهد النقدي العربي، ولعل القارئ لهذا الأثر الأدبي العميق و الجاد سيلمس – لا محالة- مدى الجهد الفكري الذي بذله الناقد، ليتحفنا بهذه المعلمة النقدية التي أضافت إلى سابقاتها من معلمات النقد القصصي القصير جدا الشيء الكثير، إنها دراسة لم تكتف بالمرور السطحي على المفاهيم المتداولة، بل عمدت- بسبق إصرار وترصد- إلى تأصيلها من خلال التحليل والمناقشة والانتقاد و طرح البديل العميق، الذي يؤسس لنظرية القصة القصيرة جدا في الوطن العربي، ومن حسنات هذا الكتاب المتميز أنه حفر عميقا في المفاهيم، ليجد القارئ نفسه في رحلة مثيرة تنقله إلى البدايات التي كان فيها المفهوم أو المصطلح يتعثر في طريقه من أجل أن ينبثق إلى الوجود، ليرسخ نفسه تداوليا في المشهد النقدي، سواء في التربة العربية التراثية أو في التربة الغربية الغنية بدراساتها ومدارسها.

يتكون كتاب جاسم خلف إلياس من أربعة فصول ، يتطرق الناقد في الفصل الأول بكثير من العمق إلى مفهوم الشعرية، ليتتبعها في مسارها الطويل ومنعرجاتها، لتتشكل في نهاية المطاف ك «تقصي الوعي اللغوي الذي يتحكم في خصائص و تقنيات النوع الأدبي وتحليل ذلك الوعي بفاعلية قرائية تكشف ال «كيف» و تعين جماليته وتحلل ال «ماذا» لاستنباط القوانين الداخلية التي تتحكم في جمالية النص كليا» ص20.

وفي نفس الفصل توقف الناقد عند المسار التاريخي للقصة القصيرة جدا ليزعزع بعض الأفكار السائدة عند المبدعين والنقاد خاصة فيما يتعلق بالريادة في هذا الفن القصصي الجميل، محاولا الكشف عن نصوص ومحاولات قصصية يكاد يتفق الجميع على تجاهلها بحسن أو سوء نية، رغم أنها جديرة بالاهتمام، وتمنح للقصة القصيرة جدا عمقا تأصيليا هي في أمس الحاجة إليه.

وتناول الناقد في الفصل الثاني إشكالية تجنيس القصة القصيرة جدا ليخلص بعد استعراض الكثير من المواقف والتصورات على «أن القصة القصيرة جدا تشتغل بشاعرية السرد التي» تغيب الحدث في نسق حكائي ذاتي ما يمتزج في سرد شعري يفلح أحيانا كثيرة في الإفصاح عن دلالات الخطاب القصصي «....إذ يظهر بوضوح التعاون الغنائي والدرامي المتكفل بخلق قصة تتمتع بعاطفة مركزية أساسها التكثيف والدهشة والدفق الداخلي للغة الشعرية». ص39.

وفي هذا الفصل يقف الناقد مطولا عند مفهوم النوع الأدبي ويرى أنه «يحيى بالحاضر إلا أنه يتذكر ماضيه، ويتذكر بداياته، وهو ممثل الذاكرة الإبداعية في عملية التطور الأدبي، ولهذا السبب بالذات فإنه قادر على تأمين وحدة و استمرارية هذا التطور» ص49. ويخلص إلى أن تعامله مع القصة القصيرة جدا سيكون من منطلق الأنواع الفرعية.

كما تناول الناقد بالبحث والتقصي جذور القصة القصيرة جدا في الخبر والنوادر والطرائف والأمثال والحكم والتوقيعات و قصص الحيوان. ليختتم هذا الفصل بمبحث «القصة القصيرة جدا نوعا أدبيا» عارضا بعض التعاريف لكتاب غربيين وعرب من أمثال لويس بريرا ليناريس ورؤول براسكا وأحمد جاسم الحسين في الفصل الثالث توقف الناقد عند عناصر القصة القصيرة جدا من خلال مباحث الحكائية ومبحث التكثيف ومبحث اللغة.

أما الفصل الرابع فخصصه الناقد جاسم خلف إلياس ل«تقانات القصة القصيرة جدا حيث حلل مفهوم المفارقة وفصل فيها القول من خلال تركيزه على المفارقة الدرامية والمفارقة الملحوظة والمفارقة اللفظية، وتوقف في المبحث الثاني من نفس الفصل عند التناص ليناقش تناص العنوان وتناص المتن وقد جزأ هذا الأخير إلى محاور أهمها التناص الأسطوري والتناص الأدبي والتناص النوعي. وفي المبحث الثالث اهتم الناقد بالاستهلال والخاتمة من خلا ل بعض النماذج القصصية القصيرة جدا.

وقد ختم الكاتب دراسته بخاتمة وافية وشافية ركزت على أهم ما تناوله الكتاب من مباحث وخلاصات عميقة.

ويبقى في الأخير كتاب» شعرية القصة القصيرة جدا للناقد المتميز جاسم خلف إلياس كتابا هاما ومرجعيا، ويشكل إضافة نوعية لنقد القصة القصيرة جدا في الوطن العربي.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى