شقاوة قصاقيص
كان ليارا مقص جميل اجتمع فيه لونان تحبهما الأحمر بلون الفرح في طرفه الأيمن، والأزرق بلون المرح في طرفه الأيسر. حتي أمس كان الأمر عاديًّا بين طرفي المقص ، فعندما أمسكته يارا بين أصابعها الصغيرة ، قاما بقص الفراشات والنجوم والأقمارالتي تحبها .. لكن عند المساء دب خلاف بينهما والسبب أن قصاقيص الورق التي كانت علي سطح المكتب ، اغتاظت لأن القمر ذهب ليلعب مع أحد الفراشات وتركهم، فصاحت واحدة من القصاقيص غاضبة : إن الفراشات ليس فيهن ما يزيد عنهم بل إنهم أجمل من كل الفراشات مائة مرة ، بكت الفراشة بالطبع لتلك الإهانة غير المتوقعة فصاح القمر مغتاظا وقال : مثلكم لا يحلم بمكان فوق سطح المكتب ، أو فوق كراسة ذات صفحة بيضاء فمكانكم دائما هو سلة المهملات . كان كلام القمر لهم كطعنة..ولذا اتفقت القصاقيص علي الانتقام من الجميع ، ورأت أن شرذمة الأقمار والفراشات التي يقصها المقص وترقص دائمًا فوق سطح المكتب كلما نامت يارا وتتصور أن العالم خلق من اجلهم فقط .. يمكن أن تنتهي حياتهم لو فقد المقص قدرته علي العمل وكف عن صنع كائنات بائسة مثلهم . وبدأت القصاقيص في تطبيق خطتها علي الفور .. كانت البداية أن يخاطبا كل طرف من طرفي المقص علي حدة ، يجعلانه معجبًا ومغرورًا بنفسه ..قالت قصقوصة وهي تتصنع الرقة للطرف الأحمر: كم أنا معجبة بك حقًا .. فكثيرًا ما تفعل أشياء رائعة يعجز عنها رفيقك الطرف الأزرق ، انتفخ الطرف الأحمر بثقة وقال: معك حق.. أنا أفعل ذلك دائمًا، وقالت قصقوصة أخري نفس الكلمات للطرف الأزرق : فهز رأسه بكبرياء ..دون أن يقل ذلك بصراحة ...لكنها كانت واضحة في عينيه تمامًا. كانت القصاقيص قد اختارت لها مكانا مظلما أسفل المكتب تمارس منه خطتها، أطلق عليه أصحاب الخيال الواسع منهم ( و..ك..ر) أي الوكر وهو مكان الخطط والمؤامرات ..قررت القصاقيص أن تمارس فيه أنشطتها التي ستدار في الخفاء ويكون مقرًّا ثابتًا لأجيال القادمة المضطهدة من القصاقيص .
عندما دقت الساعة التاسعة كانت يارا قد استسلمت للنوم ، وكاد الطرف الأزرق أن يغرق في النوم هو الآخر، لكن طرف المقص الأحمر أراد أن يمارس مزيدًا من اللعب بين الأوراق، وأصر أن يلعب معه الطرف الأزرق ، لكن الطرف الأزرق رفض فقد كان متعبا من عمل طول النهار ، ولهذا قال الطرف الأحمر له : حسنا سألعب وحدي .. وعندما هم باللعب بمفرده ضحك الطرف الأزرق وقال: أنت لا تستطيع أن تفعل شيئًا بدوني فصاح طرف المقص الأحمر غاضبًا وقال: بل أنت الذي لا تستطيع أن تفعل شيئًا بدوني..كانت القصاقيص ..تتابع ما يحدث وترقب خطتها التي توشك علي النجاح ، أما القمر.. فقد صعد حزينا إلي سقف الغرفة لكي يراقب مايحدث بشكل أفضل .
أخذت قصاصات الورق تضحك وتصفق لما فعلنه من وقيعة بين طرفي المقص ، خاصة عندما تملص الطرف الأحمر من الطرف الأزرق رافضًا أن يجمعهما مكان معا.
مرت أيام وبعد أن كانت النجوم والأقمار التي تقصها يارا وتملأ سطح المكتب بالنور والسعادة ، صار الآن كئيبًا مظلمًا ، وبدأ طرفا المقص يشعران بالوحدة والملل..فأخذ كل منهما يتخيل الأوقات السارة التي كانا يقضيانها معا، والأشياء الجميلة التي صنعاها معا ، فهاهو الطرف الأحمر يتذكر عندما صنعا طائرة ورقية ، وحلقت بعيدًا في السماء الواسعة ، وكم كانت الطائرة سعيدة بذلك ، لدرجة أنهما طلبا منها أكثر من مرة أن تحكي لهماعن لون السماء الأزرق ، عن البرتقالة الذهبية التي تملأ الكون دفئًا ويأتي إليها الطيور دوما من مدن الثلج ؟ وفي الحقيقة فأن الطائرة لم تمل ذلك أبدًا..فقد كانت تقدر أنهما السبب الأول في رؤيتها لكل تلك الأشياء الجميلة في الخارج .
نظر كل منهما لنفسه وشعربفقد الحياة الجميلة التي كان يعيشها مع رفيقه ، وكيف ضحيا بها بسبب وقيعة القصاقيص بينهما، لكن الحق يقال إنه في نفس كل منهما مشاعر طيبة وقوية للغاية ، فعندما عرفا بخطأ ماهما فيه لم ياخذا وقتا طويلا فيما يجب ان يفعلاه..فقد أندفعا كل منهما ناحية الآخر في عناق ، وانسابت دموعها ،غسلت كل الأتربة التي علت فوقهما ، فلم يعملا شيئا جميلاً معًا منذ فترة طويلة ، شعرا كل منهما أنه يكمل الآخر ولا يستطيع الحياة بدونه ، لذا قررا ألا يفترقا أبدًا ورغم أنهما شيئًا واحد.. لكن يمكن أن يصنعا أشياء رائعة معًا.