الأربعاء ١٧ تشرين الأول (أكتوبر) ٢٠٠٧

صرخات أخرى...

بقلم : حمزة البوزيدي

أشعر بالبرد القارس جدا...أتلفت حولي باحثا عن مصدره، فلا أجد إلا ثقوب الذات المجروحة تهب عليها رياح السموم فتزيدها نزا ،و.. آه آه، لقد ابتدأت دورة الألم....

تملي

رغماً عني سأبدأ من جديد، أنتظر القادم من الأيام لأرى ما كنت أحكيه عن سوئه المفزع ، سأنظر أشباحا يمرون من مخيلتي، كانوا هنا بموضعي ذات زمن بالكينونة الأخرى ، رسموا خطوطا فوق الرمل، واشتاقوا للخبز الساخن الذي عجنته الأم كما قدر لها ذلك، اشتاقوا لعضات النحل في مساكنه التي طرد منها بالدخان، فاختار الطيران بقيادة جديدة تستطيع تجنيبه مغبة ما قد حدث.

نعم مرت أشباح من هناّ، التقى خيالهم مع خيالي في الوقت الضائع للزمن، فانطبقت مخيلتهم مع مخيلتي وتوحدت سوداوية النظرة، لأننا وبكل بساطة ذات واحدة ترى نفسها عبر الأزمنة، وتظن أنها ترى شخصا آخر، تحاول التمعن بمعاناته وتصورها كما ي(ت)عيشها،فينطلق القلب يضخ آلاف الأسئلة عما يمكن أن يكون إحساس العقل الجاحد للعاطفة تجاه هذا الشخص....

حقا من الغباء أن تفكر بذاتك في المستقبل عبر التملي بأشباح حية وميتة ولتطلب لتعافي من هذا المرض أن كانت منه معافاة.

آهات

خذيني إليك دون أن تسألين عن موافقتي، وضميني إلى ظلام كونك دون أن تتركي لي فانوسا ، القي في روعي من حبك ما يرديني صريعا لا يقدر على الحراك، واسمعيني من همهماتك لحنا لا يموت، اقذفيني في مجرى يمك إن خفت علي ، وعوذيني بأشباح لا تدري أي قدر سطر لي....

لما تركتك هناك كاد الدمع أن ينبسج لولا عنجهية الرجولة المقيتة ، تقف سدا حائلا بيني وبين دواخلي ، تمليت فيك وقلت لك إلى لقاء قريب، بعينيك رأيت دمعا حارا قد يتقاطر بعد لحظات ، ولكنه يأبى ذلك أمامي، ربما خوفا علي من نيران قد تشتعل فجأة وتنتشر من القلب إلى باقي الجسد. فأقسم على أنني سأترك هذا الجسد المعفن لأعيش بجانبك روحا في عالم الظلال لا تفارقك .

لما مسحت على ناصيتي كنت الأقوى وكنت الأضعف ، كنت كيانا راسخا كجبال الصحاري وسط رمال لا تأبهين بها.

وكنت حبة رمل تستعجل مغادرة الوطن، لا حبا في ذلك ولكن تخليقا لما قالوا عنه أنه الحياة بعينها: أن أكون ذاتا لوحدها تفر من قدرها وتعانده وتستعديه، فلا يبقي في جعبته ويلا إلا أصلاها به، ولا مكرا إلا كادها به ولا ضغينة إلا وهبها إياها عن طيب خاطر....

رحيل

عندما قبلتك، أدركت للتو أن خوف ما مضى من أيام كان الحمى التي تسبق الاحتضار، وأدركت أنني للتو احتضر، قالوا إن الاحتضار ترك الذات للجسد ...إلا احتضاري... فقد كان مغادرة الروح للروح، دون أمل بالعودة كما كانت، وإن التقتا من جديد.

عندما ركبت الحافلة تأملت كثيرا الوجوه التي تحيط بي ... أظنها فارقت ذواتها قبل قليل مولية المجهول دون وجهة محدودة... غير وجهة مطاردة الزمن، الغادر بأحاسيس نسجت على مر ليال وأيام وشهور وحتى سنوات،..نعم كانت كلها تلتفت باحثة عمن يمكنه مواساتها بالمصاب.. وصدق من قال: السفر قطعة من العذاب، كان هناك من يتلظى أيضا بلهيب فراق أرضه إلى الأبد.. وما عساه يفعل وجبروت الأيام لم تترك له خيارا غير الكفر بكل الخيارات واختيار الغياب عن الكل.. لعله بذلك يتواجد بالمكان المناسب كما يعتقد، ألوان وأشياء تحتضر ونظرات تتقافز هنا وهناك، تحس بالأفئدة مضطربة تحاول النكوص على عقبيها ولكن......

فناء

سأملي النظر في مملكتي الحالية التي لن تعدو بضع سنتيمترات من ظلام يلفه برد خبيث يطل بمطلع العام ليثبت أن برودة الموت حقيقة لا غبار عليها وأنه لا يمكن أن يتجاهل من طرف أي كان...

لم أتصور ولن أتصور أن يأخذك الموت بعيدا عني، فأنت شيء لا يموت ونفس لا ينقطع.. زد على ذلك أن حكايتي مع الموت حكاية أخرى.. فقلما اعتادت مقلتي أن تبكي أحدا خطفه الموت على حين بغتة...ربما لأنها ألفت الغياب عنه، فأضحت تعتقد أنه يعيش بالوطن وأنها إليه راجعة....

صمت غريب كان يلفني...في كل مرة تذكرت فيها ذلك الغول وهو يلتهم الضحايا من حولي.... ولأنني أدمنت الابتعاد بالسليقة عن مواطنه فقد كنت الغائب الدائم عن مجازره الحاصدة لفرحة الكبار وضحكة الصغار وخبث الصبايا ومكر العجائز...

أأصدقك القول: لا أظن أنني سأتقبل الهزيمة بسهولة عندما تواجهني المرة القادمة بكل جبروتك ومآسيك كما أعتقد.... وقد أكون أنا أول ضحية لمقاومتي إياك وقد تكون أنت المهزوم ، من يدري فكل شيء في مخيلتي ممكن، وكم تمنيت أن تكون قوانا على قدر أحقادنا.... كنا قتلنا نصف أهل هذه الأرض وسجنا ربعهم وجعلنا الربع الآخر عبيدا لنا.....نعم لا أظن أنني سأستسلم بسهولة.. يجول بخاطري أن أشكوك للسماء وما ينفع أن تشكو الحاجب عند السلطان...فكرت أن أسطورة الحياة الدائمة حقيقية واقعة على الأقل بأرض اليونان... وأن عنت الإنسان من أرداها منسية ...أن من اغتسل بالماء المقدس ونسيت أمه أنها تمسكه من أخر قدمه هو الأسوأ حظا بين الكائنات التي سكنت عقل أثينا في الزمن السحيق ...وسكنت وجداني في هذا الزمن .. أأكون هرقل هذا الزمن...؟

من يدري فكل شيء كما قلت حقيقي بمخيلتي.

لماذا؟

سأرجع دوما كما اعتدت لأتصور لقائي القادم بك وأي نواح سينوح القلب من فرط فرحه.... لماذا كل هذا؟
لا أدري.... كذا نقشت في قلوبنا علامة حب ثابت تدل أكثر ما تدل على عظمة الله تعالى، أترين؟ عمرك ما سألت سؤال الكافرين الذي سألته قبل هنينة ، لم تسألي يوما سؤال الجاحدين من طينة الخبال التي بدأت تستشري في مستنقعات المجتمعات، لم تسألي ذاتك لم أتحمل كل هذا الألم من أجل كائن قد يعيش وقد لا ،وحتى إن عاش من قد يكون؟ ذالك الرحيم بي أم هذا الشقي الجبار البطاش،قد قال لي أحدهم كما وصفته من قبل إنما كنا نتاج متعة الآخرين ،متعة ؟؟!

الأمر أكبر من أن يكون مجرد متعة زائلة أو دائمة الأمر أكبر من أن يكون مرتبطا بزمن أو وقت معين ،لماذا لا تقول أننا نتاج أسمى وأجمل فطرة بالإنسان:نتاج حب سام بين روحين اتحدتا عشا وقانا ويقينا كل المغبات الطارئة وما إن نما ريشنا حتى كفرنا به أملا في إثبات ذات ضائعة.. الأمر فطرة نقية صافية جبلت عليها النفوس من أجلك وأجلها وأجله ، كذا خلقنا الخالق وهكذا سنبقى لأننا نحن هكذا كما أراد لنا رب العزة، وما متعتك التي تتحدث عنها إلا محطة بطريق طويلة شاقة فضلن من نزعت ذواتهن أن يجعلنها محطة لوأد قادم أو تسريح للشوارع لتحتضن وتحرف ما تبقى ممن نتج ......

استدراك

لا أدري لما نز الجرح كثيرا هذه الأيام، فما أفاق إلا والمداد ينسكب ، يرجو أن يسطر كلمات بحقها، عله يستدرك ما مضى من كفران حقها، وعله بحروفه هاته يسترجع ذكرى نسيها الخاطر وإن كانت منقوشة بالقلب لا تبارحه،ربما لوجودها الكاريزمي بحياتنا، وزادت أسطورية حبنا لها في قوته وامتداده وانسيابه عبر الزمن واشتراكه بين جميع من خلق ، حتى انه وصل إلى درجة الكمال عند العقارب فالتهمتها قبل أن يلتهمها أحدهم أو يقتلها أخر،كثيرا ما فكرت عن ماهية كينونتها أهي الأنثى أم شيء أخر يمكث هناك ....

يقال إن الإناث أخطر خلق الله، فكما قالوا يوما الرجل يقول بالمرأة ما يشاء والمرأة تفعل بالرجل ما تشاء .... أفيكون حبها امتدادا لما عرف عنها من إنها تتخلى عن آخر ما ومن لديها من أجل أن تحافظ على الرجل التي تحبه ، أم أنه الركن الآخر من قلب معذب دوما، ربما لفرط حساسيته تجاه كل ما هو عاطفي وكل ما يثير شجوننا...

وسمعتك…

من جديد ولما اختفت من قدري كل احتمالات الصلح مع الزمن، لما نكس الروح فجعلها هائمة على أرصفة الحمق الجلي واليأس الموصوف والقنوط الكفور، ما عرفت طريقا للانتحار إلا الاتصال بك لأسمع صوتك الشجي الحنون القوي... تسري في نبضاته كل أشكال الترفع عن الزمن وجرائمه والتطلع نحو تلك القلعة هناك...حيث يسكن الضوء بأفئدة الخالدين من البشر... يضيء زواياها فتغدو نجوما متلألئة ترخي بنورها على القلوب الفاسدة، التي مازالت عاكفة هنا على الندب والشكوى من ذاتها، من الغير، من الزمن والقدر... ونسيت أنها بهذا إنما تذيب شمعة وجودها وهي خامدة فلا شعاع منها ينطلق، ولا ناس بها استضاءت ،فغدت كالشموع التي تنشر الظلام بدل أن تطرده وتشجع غواية الروح بدل أن تكون بوصلة تزكيتها...

مناداة

أمي هاأنا من جديد رجعت، لأناديك من وراء جبال عملاقة و مسافات كأنها المنافي تسكن بعضها،إنني ...........
ستجنني اللحظات، ويهزني الشوق إليك،أنظرني إليك من وراء الجبال، نحو القمر أتطلع،أحاول أن أتخيل محياك،وذاتي بجانبك ،بين أضلع قلبك فأفشل،أعاود الكرة وأعاود الكرة من جديد ... يتسلل إلى أذني صوتك العذب....أختصر المسافات وأعيش معك لحيظات، سرعان ما تختفي بصوت يصفعني من الواقع فأدقق النظر..أتيقن أني لم أبرح مكاني وأنك لا زلت بعيدة عني.. بما يكفي لأفكر بالانتحار كوسيلة صبر على فراقك.

ظلام

كن مستلقياً بجانبك ، الليل حالك والنجوم متناثرة في الصفحة السوداء، القمر غائب وأنت حاضرة ، سألتني عن قصة النجمة المضيئة ، فأجبتك لا أدري... قلت لي: إنها الزهرة ..عروس النجوم . كان الليل المظلم يجعلني أغوص أكثر بذاتك فأتصور الحياة كلمة منك ووجودا من وجودك وعلامة أخرى على حبك.

مازال ظلام قريتي يبهرني ، ربما لأنه ارتبط بحضنك الدافئ ، أنزوي بجانبه كلما انزوت الشمس عنا ، فتحكين لي واقعا من وهم وتسردين لي قصة أبطالها من ظلام....

ومن واقع غابر بتلك الأزمان كنت أعرف أنني سأصادف أول تلك الأبطال بأول منعطف لي في ظلامها المرعب، لذا كنت أكتفي بدفء النار التي تطهو عشاء ليلنا .

سأظل أرنو للحظات اللقاء فلا ترحلين،واتلي الصلاة تلو الصلاة عل اللقاء يكون بحياة...ليزهر ربيع العناق بعد صقيع الفراق.

بقلم : حمزة البوزيدي

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى