الخميس ٦ تشرين الثاني (نوفمبر) ٢٠٠٨
بقلم حميد طولست

عادات سيئة

الشهور تعيد نفسها، تغادرنا وتعود دون أن نشعر بإختلافها في غمرة ما نحن فيه من لهط ولغط وتكاتر في الأولاد... لكن شهر رمضان شهر متميز، ننتظره بلهفة ودهشة، فيه تتساقط قشور الإعتياد والرتابة المتراكمة فوق بعضها خلال شهور السنة المستنسخة، بما تشيع فيه من ظواهر عديدة ومتنوعة، وما يحفل به من ممارسات ومتناقضات: التوبة والتطهير الى جانب الإنغماس في شتى صنوف الملذات المسموح بها وغير المسموح.

كلما حل الشهر الكريم بروحانياته، إلا ويجد المغرب قد عرف تحولا مجتمعيا خطيرا ساهم الإعلام في تسريع وثيرته بما له من سلطات جبارة متغلغلة لنشر الأفكار والإديولوجيات والدعاية لها، حتى مر هذا التطور المجتمعي بسرعة البرق من مرحلة النمو الى مرحلة الصخب، دون التوقف عند مرحلة اليقظة الهادئة الكفيلة بالتمحص في مجريات الأمور والإستعداد لمواجهة العشوائية وكل التحديات والمنزلقات المصاحبة لذاك التطور، كالإرتفاع المهول في حاجيات المجتمع وإزدياد متطلباته المادية وتلاحق هواجسه الإستهلاكية اليومية الآنية التي أضحت لا تتحمل الإنتظار ولا المماطلة. وفي خضم هذا التحول المباغث تشهد الساحة المغربية المعاصرة ولادة مفاهيم جديدة حداثية لا عهد لنا بها، عزز إنتشارها وسائل الإتصال الحديثة التي إختزلت كل ما هو مكتوب إلى مرئي ومسموع عبر الأنترنيت والهاتف النقال والكمبيوتر والتلفزة التي عمت كل الدنيا للسيطرة والهيمنة على سوق كَبرُت فيها التنافسية الحادة التي لا تعترف للقيم الأصيلة بقدرها ولا مقدارها، ويبقى همها الوحيد الذي إستنفرت له كل الإمكانيات الجبارة دفعُ الإنسان دون ظوابط ولا أخلاقيات للإنخراط كليا في الإستهلاك الآلي ( الروبوتي) وتقبل أي منتوج تجاري كان أو إيديولوجي.. ومن بين الكم الهائل والتراكم الظاهر للمفاهيم الجديدة التي إخترقت حياتنا ودخلت بيوتنا في غمرة التنافسية المسعورة المتنامية لشركات الإنتاج " لعبة الحظ " التي حولت الإنسان المغربي الى ريشة في مهب رياح الدعاية والماركوتينك، تتقاذفه مشاعر الضياع والقلق من كل صوب، أمام تطور أساليب التسويق وإعتمادها الرهان والقرعات المتنوعة والربح السريع المغري الذي يصل مع بعض اللعبات الى الملايير، فتجد الإنسان المتبضع لا يقتني إلا السلع التي تقدم هدايا وحظوظا أكبر من غيرها، لا تهمه مواصفات الجودة ولا النوعية.

شيئ جيد أن تتطور التجارة وأن تصبح علما قائما بذاته يدرس في أكبر المعاهد، ولا بأس في أن يقدم التجار الجوائز المهمة لزبنائهم، ولاضير أن يربح الناس الأكباش والسيارات والشقق المفروشة والسفريات والملايير، ولكن غير المقبول والهجين في هذا كله هو التعلق بنشوة كاذبة قاتلة توفر الكثير من الخيال والوهم، وتمني النفوس بالربح السهل السريع، والخطير الخطير هو أن يتجدر هذا التعلق في وعي ووجدان الإنسان المغربي فيصبح عادة وسلوكا لامحيد عنه، يتحول الى قيمة إجتماعية تؤثر سلبا على التنمية الإقتصادية والإستقرار الإجتماعي، خاصة اذا علمنا أن ألعاب الحظ مبنية علىتكرار التجربة، وأنة كلما تكررت التجربة ترسخت وأصبحت عادة، والعادة كما هو معلوم إذا تمكنت أصبحت سمة تحولت بعد ديوعها إلى ثقافة؛ وأقبح بها من ثقافة مبنية على المصلحة المغرقة في الذاتية، إذا عمت مجتمعا رسخت فيه الفردانية والأنانية التي تحد من عبقرية الإبتكار وتعيق الإبداع.

إنها ظاهرة لاذغة للشعور، تستلزم البحث والدراسة العميقة لسراديب دوافعها ومسبباتها المعرضة القيم العقائدية والأخلاقية الأصيلة للتصدع والإهتزاز..

إن الحد من المخاطر المحذقة بمصالح المستهلك الإقتصادية منها والمعنوية، لعمري مهمة صعبة لاتتحمل مسؤوليتها السلطات العمومية وحدها- المشتكية دائما من محدودية ادواتها ووسائلها- بل يشاركها كل المجتمع المدني في مسؤولية حماية نفسه مما يهدد صحة المواطن في بدنه وسلامة جيبه، الشيئ الذي دفع بعض افعاليات الاقتصادية والاجتماعية في بداية التسعينيات الى خلق عدد من الجمعيات لحماية المستهلكين كطرف مكون للمجتمع المدني تعمل على توعية المستهلك بحقوقه، بالمناظرات والمحاضرات والبحوث والكتابات وكل أشكال التواصل معتمدة في عملها بمقتضيات قانون 5 ماى 1983 المتعلق بزجر الغش في البضائع والإشهار الكاذب، وقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 248/39 المعتمد بتاريخ 2ابريل 1985 الضامن لمبادئ أهمها:

الحق في الحماية والسلامة

الحق في الحصول على الحاجيات الأساسية

الحق في التربية الإستهلاكية

الحق في بيئة سليمة

الحق في الإختيار بين منتوجين وشكلين من الخدمات

الحق في الخبر والإعلام.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى