السبت ٢ أيار (مايو) ٢٠٠٩
بقلم رافي مصالحة

عاشق الوطن المشرّد

في العتمة الحالكة، أتحسس بيديّ الخشنتين ملامح الحائط الجازع الذي يحيط بحلمي، ترى، هل ثمة فرق في اللهجة بين جدار وجدار، والسجّان يجيب برقته المفرطة بقسوتها: تجاوز أن ت مساحة سؤالك وعبر بسبع كلمات خضر عن حلمك ثم بسبع يابسات عن هويتك، علك تفلح تطلق المارد من قمقمه فتصبح أن ت، برغم قيودك، ورغم سجنك سجّانه.

*****

هكذا أن ت يا وطني، أيها الطفل الشقي, تستخف بعجزي برغم هيامي بعشقك. لطالما كنت حيالك كالغجريّة التي تحيك الصّوف وهي تحدق خلال شباكها في الأفق بانتظار عودة الحبيب المشرّد الذي يبدو أن عودته صارت وهما، لكنّها ترفض أن تيأس. وتسألني ساخرا: هل من فارق بين العتمة والعتمة، وبين القيد والقيد، وبين الزنزانة والزنزانة؟. ايها الوطن المنكوب: سجل في تاريخك الرمادي أن ك لطالما كنت سجّاني، وسأدوِّن في دفاتر بطولاتي أن ي ما زلت سجينك المقهور, الذي بلغ حد الادمان على أسره، فاذا ما حررت رقبتي واعتقتني, وجدتني صريعا على اعتابك, والمفارقة أن ي على الضفة الأخرى من شواطئ القهر، سجّان وأنت سجيني، وكلانا منفيان من منهاج التاريخ المعتمد في كل الوزارات العربية والاعجميه.

*****

وطني المدلل، قف من فضلك على شباك زنزانتي وأعلن ولو كذبا أن لك دوله، بلا أرض, بلا شعب, بلا علم, يكفينا في هذي المرحلة نشيد وطني, وسأقف من داخل الزنزانة المعتمة وأعلنها لنا منفى، وننتصب كلانا نشدو بنشيدنا الوطني ونرقص بنحو يفوق دقات كعب جين كيلي المتناسقة وهو يتمايل بخفته العجيبة تحت المطر. أطلق لفوضاك العنان. لا تأبه: سأرفع في كلماتي فاعلا, وأنت أن صبه كما يبدو لك، أجرُّ أن ا مفعولا آخرا وأنت أرفعه على ذوقك، فكلانا لا يعرف تاريخ وموعد ومكان الاغتيال الأكيد المتربص بجلالة كفرنا بكل المسلّمات، فالمسألة فقط مسألة توقيت وذوق سليم، كلانا لا يعلم الأسباب، لم يفصح الحاكم عن حيثيات حكمه باعدامنا رمياً بأزهار اللوز حتى الموت، هل حقا نحن مجرما حربٍ بتلك المقاييس؟ كيف لا وكلانا ينفذ مجزرة في حركات الإعراب جميعها في جملة واحدة.

*****

أيها الوطن الحزين. أن ت المذنب في أن ي تحوّلت من رومانسيٍّ يفيض مداده بالحبِّ والحنين، إلى ناقم ٍ يكتبُ حقدا يحفره على الصخر بالسكين. أن ما أحسّه بات أوسع من مقاييس أوراقي، صرتُ يا صديقيَ المسقوم أخجلَ من أشعاري، ولا غرابهْ. فأنا كرجل شرقيُّ، قصره من ذهب وسيفه من خشب، أخوض المعركة بكل ما أوتيت من مواهبِ الخطابهْ، وبالعنترياتِ التي ما قتلت يوما ذبابهْ، وعتادي الحربيّ... ِ طبلة ٌ وربابه. منذ متى يولد الانتصار بالنّايِ والمزمار؟. لا عجب ايها الوطن البريء أن "نغنم" في الحرب مليون خيمةٍ جديدهْ، وان تهدم فيك مليون دارْ. لا يحقّ لي لوم السماء على إخفاقنا إذا ما المحتلّ طوّق حدودنا، وداهم بيوتنا وحقولنا، فوالله ما كان يدخلها الاّ من ثغرات عيوبنا...

*****

هكذا أن ت يا وطني, مثلي تماما في الشاعريّة وحبِّ الجّمال والسّجود للحريّه. لا عجب يا رفيق الأسر والأهوال والمطاردات ومساعي التصفية أن نُدفن سويا يوما ما في لحدٍ واحدٍ, وعلى شاهد القبر سيكتب النّاعون من المشرّدين أمثالنا بقطعة فحم : "في هذه الحفرة يرقد حالمان".


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى