الثلاثاء ٢٣ نيسان (أبريل) ٢٠٢٤

عذراً يا وطن

مصطفى نجم الدين موسى نمر

عذراً يا وطن
فلم ينشق لنا البحر
لأن موسى قد نسي عصاهُ..
في مجمعِ البحرينْ
ووجدها أحد قادتنا
فظن أنه نبياً من المرسلين
وصنفنا نحن معشرَ الكافرين
ورأى أن صديقه الصدوق
هو مسيلمة الكذاب
أو أنه أحد أولئك السحرة من المشركين
ونسيَ أنه الدجالَ.. فأخذ العصا وغادر
وجاء غادراً ليحكم أرضنا
فضرب بها نيلنا.. فانشق
لكنه نشر الماء من دم الشهداء
انشق البحر
لكن تلك الفُرجة التي خلّفها..
تقاتل فيها القائدان
كلٌ منهم يقول هي لي
وما نظر أحدٌ منهم..
إلى الشعبِ.. أو العشبِ..
أو حتى الشجرْ
انشق البحرْ
لكنه ثار ناراً..
ما أطفأها الثلج ولا المطرْ
انشق البحرْ
لكنه أغرق كل السُمرْ
لأن الذي ضربه بالعصا.. لم يكن موسى
بل كان واحداً من روادِ السحرْ
فخُيل لنا أنه انشق البحرْ
"وأنا عما قريبٍ بإذن الرب سننتصرْ"
لكننا لم ندرك أنا البحر سيثور وينفجرْ
وما انفجر إلا لأنه قد أدرك
أن الذي ضربه بالعصا.. لم يكن موسى
لم يكن ذالك الرضيع الذي ألقته أمه فيهِ
‏بل لم تكن لم أمْ
لم تكن له أمٌ لتخبر أخته أن.. "قُصّيهِ فِي اليَمّْ"
لقد أدرك البحر ذالك
‏فثأر لموسى وانتقمْ
حتى أجرى النيل بدل الماءِ.. دمْ
فما ترك في أرض السُمر قمراً أو نجمْ
‏ما ترك فيها سماءً ولا أرضاً
ولا شمساً ولا ورداً
ولا بيتاً أو كفن
عذراً يا وطنْ
فقد استبدلنا اللحن السعيدَ بنايِ الشجنْ
لأننا قد بركت على أحلامنا أحزان الزمنْ
ورقصتْ على جثث شهدائنا الشياطين
الشياطين التي خلقت من نفس طينتنا..
ولكنها مغرورةٌ
وكأنها خلقت من ماء الزعفران
تلك العصابة الشيطانية التي تُدعى "الكيزان"
لقد نهبو أرضنا
وانتهكوا عِرضنا
وسرقوا سعدنا
وما تبقّى من مجدنا
وكل هذا.. ونحن من ندفع لهم الثمن
ماذا يا وطن
متى ستمرّ قافلة العزيز ببئرنا
أم أننا غرقى في قاعِ المحيطِ
وما من غواصٍ سينقذنا؟
أو ما من جبلٍ سيعصمنا؟
أم أنا سنُعذب.. لأنا من سخِرنا..
حينما جاء فُلك نوحٍ ليحملنا؟
لكن إلى متى سيطول الحزن؟
ماذا يا وطن
فنحن من قد دفعنا الثمن
ثمن كل شيء
ثمن العذاب وثمن الغَرقْ
ثمن المياه وثمن الدموعْ
ثمن الظلام الحالك الذي أسكناه فينا
وأستبدلناه بما بداخلنا من شموع
من أجل أن نُضيء الربوع
نحن من دفعنا ثمن كل شيء
ثمن الفيضانات وثمن المطرْ
وحتى ثمن ذالك المنديل الأحمرْ
الذي طُرز من بومبان الكجرْ
ولُوّن من دم الشهداء
وأُخذت مقاساته من دمع أم الشهيدْ
بمقياس رصاص الجنجويدْ
الذين جعلوا الوطن حطاماً
وجعلوا من الشعب رقيقا وعبيدْ
يسرقون أسواقهم
يغتصبون نساءهم
يخرجونهم من منازلهم
يفعلون فيهم كل مُبيدْ
لقد أوقدوا الحرب بكل قساوةٍ
ولم يحتفظوا بوصايا الجدودْ
ألهبوا البنادق والمدافع
بدل السحائب والرعودْ
وجعلوا من كل حديقةٍ
فيكَ يا وطنَ.. أخدودْ
أعادوا سُنّة الجاهلية الأولى
ووأدوا الصغار في منازلهم
تحت ركام البنايات وأسلحة الحديدْ
وجعلوا من الطرقات ميادين قتال
ما ظننا أنه قد يكون محالْ..
ها هو يحدث في العلنْ
ماذا يا وطن
في يوم زفافي.. قُتلت زوجتي
وفي عز الإملاق.. نُهيت بلدتي
وفي الطريق العام.. نامت...
أختي وأمي وأبي.. ودمعتي
لأنا قد أَخرَجَنا من منزلنا الجنجويدْ
فصرنا ننام بجانب الجثث الآسنة
التي يتآكلها الذباب والدودْ
فلم تجد لها شبراً...
يضمها في هذي الأراضي أو كفنْ
ماذا يا وطن
لقد كنا فقط نطالب بحق الشهيدْ
بسودانٍ ينهض بسلامٍ من جديدْ
ففوجئنا بصاعقةٍ
دمرت فينا ذاك الأمل الوليدْ
وألهبت الشجن
بُلينا بقائدين منافقَينِ كلٌ منهم يقول:
"أنا أقاتل من أجل الوطنْ"
"أنا أقاتل من أجل الوطنْ"
حتى هلك الوطنْ
صبراً يا وطنْ
مهما طال البكاء
فغدا سنستبدل ناي الحزنْ
صبراً يا وطنْ
صبراً يا وطنْ
صبراً يا وطنْ

مصطفى نجم الدين موسى نمر

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى