الأحد ٧ شباط (فبراير) ٢٠١٠
بقلم فايز أبو شمالة

عطرُ عاشقةٍ، وغزة

لن أقول: إن الواقع الذي تعانيه غزة ينعكس على خواطر الكاتبة «سما حسن»، فراحت تنشد العدالة، ورفع الظلم، وهي تقول: «سأستكين كقطة تلعق جرحها، وسأصمت أنا، لو تكلمت أنت، فلا تطل صبري، ازرع كلمة منك في قحطي، رجاءً، بعد رجاءْ». كذلك لن أحمّل الكلام أكثر مما يحتمل، وإنما سأقول: إن الكاتبة «سما حسن» امرأة انتصرت لأنوثتها، فصرخت، في «خاطرة لامرأة مهزومة»، لا تصمت؛ وهي تقول لحبيبها: «صارحني، عاتبني، أنفث غضبك في وجهي، ثر، اصفعني، قل لي شيئاً». وقبل أن تتلقى الرد من حبيبها، لا بد أن أسأل القارئ عن معاني الهزيمة؟ وهل عودة المرأة لطبيعتها الأنثوية هزيمة؟

في تقديري؛ أن المرأة لا تهزم، ولا تنكسر، ولا تبهت نار شمعتها مهما اعترضت طريقها الصعاب، إلا في حالة واحدة، وذلك؛ عندما ترقُّ، ويترقرقُ الشوق على وجنتيها، لتخفض جناح الشوق، وتأتلق لإملاء القلب، وخفقاته المتلاحقة للحبيب، فإذا بالمرأة يمامة، تزفزف بجناحيها، وتعبق برائحة الفطرة. إذن؛ فالشاعرة انتصرت للأنثى التي اختبأت في عشها، تنتظر اهتزاز الغصن، لتتمايل مع عصافير الهوى، وتزقزق فرحاً.

من المؤكد أن الرجل يعشق المرأة التي تفصح عن أنوثتها، ولا يتمنى المرأة التي تعد عليه الأنفاس بصرامتها، وتحبس في حلقه الكلمات بتقطيب حاجبيها، وتصر على رفع حرارته أعلى من معدلها الطبيعي بعنادها، لذا؛ فلا يصير الرجل إلا إذا صارت الأنثى، وتخونه الرجولة إذا خانت المرأة فطرتها، وتخلت عن مكونها الوجداني الذي تغمس في الشك، وهي تستفز حضور حبيبها الخيالي، قائلة: "لا تصمت، صمتك القاتل يغرقني في بحر من الأفكار، تحرك، انفعل، أجب، لا تعلقني على مشجب الانتظار، لا تتركني نهبا لبحر هادر غدار، لا تجعلني أطير في أرجوحة الشك، الشك يا سيدي، يقتل بلا سيف أو رصاص".

بعيداً عن المناقشة الفنية للقطعة، وبعيداً عن جمالية اللغة التي وظفتها سما حسن، فإن في الفكرة حزن المحبين، ومرح العاشقين، وفي كلماتها قلق الانتظار، ولها إيقاع فاكهة صيفية تفوح دفئاً، وهي تقول: "لا تذبحني بسكين الوقار، لا تصمت، فالصمت منك لا أقبله، ولكني أقبل منك، أي قرار، أحبك".

ما أرشدني للكتابة عن هذه القطعة الفنية الجميلة؛ أن كاتبتها امرأة من غزة المحاصرة، التي ما زال لنسائها قلبٌ، وما زال للمرأة فيها طاقةُ حبٍّ، ووجدانٌ، وولهٌ، وشوقٌٍ للحبيبِ لا لكيس الحليبِ، غزة التي ما زالت نساؤها يحلمن، ويعشقن، ويتدللن، ويتذللن للهوى، ولم تؤثر الحرب على روحهن، وعلى إبداعهن، وجمالهن الملثم، فما زالت المرأة تطل برونقها رغم الدمار، والحصار، والعدوان، والخذلان، لتقول، أنا هنا، يا أنصار المرأة، ويا أنصار الطفولة، ويا أنصار حقوق الإنسان، ويا أشياع الديمقراطية، والضمير، لماذا تنسون غزة، ولا يجري في شوارعها شعاركم، أليست غزة امرأة تنطبق عليها مقاييس الجمال العالمي؟ أليست دمعتها مقياساً لكل الشعارات؟ ولمن يدعى الحكمة، أو النخوة، أليست تلال غزة هي هرم الكرامة؟ ولمن صار ثورياً، أو ادعى التقدمية، أو الوطنية، أليست نصرة غزة هي المقياس؟ ولمن لوّح بمنديل الإنسانية، أتنكر أن دمعة غزة هي الأساس؟ أتجحد بصمودها الذي صار فاتحة التاريخ، وأضحى سورة براءة من الكافرين برقة الإحساس؟!.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى