الاثنين ١٦ حزيران (يونيو) ٢٠٠٨

عودة إلى الزمن الجميل

بقلم: أحمد السبكي

من الأمور التي يكاد يجمع عليها الكل، كون القراءة من الأنشطة المحورية والمهارات اللغوية، التي تمكن المتعلم من التزود من حياض المعرفة، ناهيك عن تطوير قدراته العقلية والوجدانية مما يمكنه من استيعاب محيطه وفهم بيئته بشكل يسمح له بالتكيف السريع والاندماج السليم.

وكثيرة هي الدراسات التي تناولت مفهوم القراءة، وعديدة هي المناهج التي قاربتها، ولكن الأمر المتفق عليه، أن القراءة ما عادت ذلك الإدراك البصري للرموز المكتوبة، وتحويل شفرة المكتوب إلى شفرة المقول، بل هي عملية مركبة، تستدعي جميع العمليات العقلية الإنسانية، وينسجم فيها ما هو فكري ونفسي وبيولوجي، من أجل فهم المقروء وتبين محتواه وترجمة دلالته.

ولعل الأمر الجوهري الذي يطمح إليه كل مدرس للمهارات القرائية، تمكن المتعلم القارئ من التفاعل مع المقروء، وبالتالي انتقاله إلى مرحلة الوظيفية، حيث يستطيع توظيف ما تلقاه من خلال القراءة في مواجهة المشكلات التي يمكن أن تعترضه في حياته العملية. لكن العائق الأكبر أمام هذا الطموح المشروع،غياب الاهتمام بالقراءة لدى المتعلمين، في ظل الغزو الفاحش لتكنولوجيا الإعلام والاتصال، حيث أصبح المجتمع برمته مجتمع صورة بامتياز، وأضحى مدرس اليوم – دون كيشوت - زمانه، حيث النية صادقة، لكن الزمن يأبى إلا أن يقف أمام مقاصده النبيلة، وبات داخل فصله كمن يرقص للعمياء.

ومن أجل العودة إلى زمن القراءة الجميل، أصبح من اللازم اللازب تنشيط رغبات المتعلمين واستثارة ميولا تهم القرائية،وتحويل القراءة لديهم من مجرد مهارة آلية إلى وسيلة للمتعة،يحقق فيها الفرد حاجاته النفسية.

إن إيمان المتعلم بجدوى القراءة ومساهمتها في تنمية الذات، وتحقيق الإشباع النفسي، ودورها في تشكيل الفكر،وتربية الخيال والوجدان، كفيل بتذليل المعوقات الكثيرة التي تقف حائلا أمام تعلمه المهارات القرائية. وكم سيكون الأمر أروع لو تحملت الأسرة مسؤوليتها التربوية الحقيقية بغرس حب القراءة في نفوس الناشئة،فرغم كوننا أمة عادة ما تفخر بأن أول كلمة في دستورها المقدس هي ( اقرأ ) إلا أن التقارير المخجلة التي تأتينا من هنا وهناك، تثبت بالإحصائيات والأرقام أننا أمة لا تقرأ، وأصبحنا-ويا للأسف-أمة ضحكت من جهلها الأمم.

وحتى لا نبقى كذلك، علينا البحث بجدية عن مسببات تدني المستوى المعرفي والقرائي للمتعلمين، بالاستماع إليهم من أجل التعرف على ميولا تهم القرائية واستنباط العراقيل التي تحول دون استمتاعهم بما يودون قراءته.

ورغم أن الأمر يحتاج إلى دراسة أكاديمية علمية، إلا أن الطفل عموما في مراحل تعلمه الأولى يميل إلى النصوص السردية، حيث تثيره القصص والروايات أكثر من المواد القرائية الأخرى من نصوص مقاليه وحجاجية، ولهذا بات من الضروري إنشاء المكتبات المدرسية داخل المؤسسات التعليمية، و اغنائها بالقصص المتنوعة الأشكال والمواضيع، من أجل تكريس عادة القراءة وترسيخها في النفوس. ولعله من نافلة القول التذكير هنا بمسؤولية الإدارة والمدرسين وجمعيات آباء وأولياء التلاميذ في توفير فضاءات ملائمة لهذه العملية.

أما القراءة الحرة فهي الأخرى أساسية، إلا أنها تتطلب وجود مكتبة بيتيه من أجل تعويض الخصاص الملحوظ في المكتبات العامة، وهنا تتحمل الدولة، ممثلة في الوزارة الوصية على الثقافة، وكذا الجماعات المحلية، كامل المسؤولية، فمن واجبها بناء المركبات الثقافية، وإقامة معارض دائمة للكتب الخاصة بالأطفال ليختاروا منها ما يناسب ميولا تهم وتوجهاتهم.

وحتى لا نظلم ناشئتنا، يجب الانطلاق من مبدأ حسن النية، لنقول إن أغلبهم لد يهم ميولات ايجابية للقراءة، ويؤمنون بكونها مصدرا لا غنى عنه للحصول على المعلومات، ولهذا يجب فقط التركيز على هذا الدافع الايجابي ن وتنميته وتقويته، ليكتسب المتعلم مناعة ذاتية، تمكنه من تجنب هاجس العزوف عن القراءة.

ومن باب استعراض المسؤوليات، نشير إلى تحمل المدرسين - مكرهين - مسؤولية ما آلت إليه أوضاع المتعلمين قرائيا، حيث يقصر بعضهم في تنمية الاهتمامات القرائية للأطفال بداعي ثقل البرامج والمقررات تارة، ولا مبالاة المتعلمين وضعف مستواهم تارة أخرى، إلا أن هذا لا يمنع فئة متنورة منهم من السباحة ضد التيار، حيث يحرم بعضهم نفسه من دريهمات، يخصصها لتقديم حوافز مادية لتلامذته المهتمين بالقراءة.

وعليه، من واجب مدرسينا، تحسيس المتعلمين بكون القراءة وسيلة للفهم وإدراك المعارف لا غاية في ذاتها فقط، وأثناء تدريبهم عليها يجب مراعاة الفرو قات الفردية، باختيار النصوص القرائية المناسبة لكل صنف،فهذه الأخيرة إن جاءت مناسبة لميولات كل فئة، تزيد من الانتباه وتذلل الفوارق بين الفئات، كما لا تخفى أهمية بعث روح التنافس بين المتعلمين، من خلال تنظيم مسابقات يكون موضوعها قرائيا بامتياز.

وتجدر الإشارة إلى أن العوامل الاقتصادية عائق إضافي يمنع من اكتساب أمثل للمهارات القرائية حيث لا يتمكن أغلب الآباء من شراء قصص ومجلات إضافية حيث يكتفون بشراء الكتب المدرسية بشق الأنفس، وحتى إن انتفى هذا العامل نصادف اعتقادا خاطئا لدى بعض الفئات الميسورة،بأن القصص والروايات أنما هي أشياء تلهي الأطفال عن التحصيل الدراسي، ولعمري هذا الخطأ بعينه،فلكي نعد قارئا نموذجيا، علينا أولا أن نكون قدوة لأبنائنا في مجال القراءة حتى تكون أقوالنا منسجمة مع أفعالنا.

ويبقى عدم توافر الكتاب الموجه إلى الأطفال أكبر عائق، ولتخطيه يجب على مبدعينا أن يلتفتوا قليلا إلى هذه البراعم الصغيرة، التي تحتاج إلى من يأخذ بأيديها.

خلاصة القول، إن زمن القراءة المأمول، لن يتأتى إلا بتضافر كافة الجهود، وتحلي الجميع بروح المسؤولية، وعدم الاستهانة بهذا المكون الذي يعد بحق القاطرة التي تجر باقي المكونات المعرفية الأخرى.

بقلم: أحمد السبكي

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى