الجمعة ١٩ تشرين الأول (أكتوبر) ٢٠٠٧
بقلم توفيق الحاج

عيد.. مش سعيد..!!

أقبل العيد كما أدبر بلا طعم أو لون أو رائحة رغم التحايا والتهاني والزيارات والابتسامات البلاستيكية والحامض حلو والحلقوم والعيديات النقدية والعينية... الخ الخ

أقبل العيد حزينا هذه المرة بعد رمضان أكثر حزنا وانطفاء رغم الأضواء والتراويح والدعاء والزكوات ومسلسلات ما بعد الطعام من باب الحارة الى فاروق الى سلطان الغرام..!!

المفارقة التي لفتت نظري إن مسجدنا الصغير بدا طافحا بالمصلين والمتروحين في أول الشهر الكريم ليصبح بالكاد ثلاثة صفوف وراء الإمام في نهايته..!!

مفارقة أخرى هي أننا دعونا الله كثيرا في كل ليلة منه.. باكين. مستغفرين.. وأقمنا ليلة القدر بكل الورع والخشوع وإذ بي اكتشف إن النفوس بقيت على حالها من صدأ التباغض والتحاسد والغيبة والنميمة بين الاخ وأخيه والجار وجاره وكأنك يا أبو زيد ما غزيت..!!

من هنا عرفت بل أيقنت أننا أمة كثير دعاؤها قليل ثوابها لان النفوس فيها قد عشش فيها وباء الحقد والتنافر الى درجة لا شفاء معها إلا بالموت أو المعجزة..!!

لقد رأيت بأم عيني ونحن أمام وجه الله الحمساوي يرمق جاره الفتحاوي في الصلاة شذرا بينما الفتحاوي يحملق في جاره الحمساوي بغضا..!! وعرفت أننا إلا من رحم ربه إنما نؤدي ما يشبه التمارين الرياضية وليس صلاه خالصة لله بالمعنى الحقيقي الذي ينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي وتقريب النفوس الى النفوس..!!

حتى تهنئة "كل عام وأنت بخير " باتت تخرج من أفواهنا بصعوبة ومن غير نفس.. يابسة.. ناشفة.. مقذوفة في وجه الآخر كرصاصة أو حجر

وليعلم الله إن المسئولين أولا وأخيرا عن تلك الشقة وعن هذا التردي والتباغض في العلاقات هم ساسة طارئون لم يتقوا الله فينا وباعوا أنفسهم لأهوائهم وأنانياتهم وطموحاتهم المريضة وكذلك حفنة تابعين من دعاة الدجل والتخوين ابتلانا الله بهم.. تربوا على الحقد والإحن، وصبوا بفحيحهم المقيت في النفوس البسيطة زيت التناحر على شرر الفتن إما ليصيبوا شهرة البسوس أو عطر منشم وهم يعلمون أو لا يعلمون إن لهم ولنا عاقبة صفين بين المسلمين..!!

وأعود الى العيد.. في ظل شرخ رأسى تصدعت منه أواصر القربى والمحبة بين العائلات والنسائب وحتى بين أخوين شقيقين يأكلان من صحن واحد.!!

أعود الى العيد الذي ما أن يبدأ فيه الحوار بين صديقين حتى يتحول بسرعة البرق الى شجار ويتحول الشجار مع مرور الوقت الى جدار أبشع من جدار الفصل العنصري..!!

فلم يعد الأخ يطيق سماع صوت أخيه ولم يعد الجار يتحمل منطق جاره بل انه أصبحت في أي حوار بين الطرفين مناطق ملغومة.. شائكة..!!

سواء كانت أحداثا مؤلمة أو أسماء ذات حساسية معينة، وبمجرد الاقتراب منها ينفجر الموقف ويتحول من الكلمات الى القبضات هذا إن لم تصل قوات التدخل السريع وتحسم الموقف بالهراوات أو الاعتقالات..!!

أعود الى العيد الذي لم تصل فيه عيدية ال"المائة شيكل" من وكالة الغوث الى ربع مليون طالب أي الى كل الأسر في قطاع غزة تقريبا لتزيد المعاناة معاناة، وتنهار أحلام الأطفال البسيطة في قميص أو لعبة تضفي عليهم قليلا من البهجة.!!

أعود الى العيد، وقد أعطيت العيديات لأولادي والطمع المحبب في المزيد يطل من عيونهم بينما لم يلحظ الدموع وهي تفر من عيني ابنتي الصغيرة، فتساءلت مندهشة:أتبكي في العيد..؟!! فقلت:فرحا..!! ولكنى تذكرت آلاف الأطفال من أبناء الشهداء والأسرى الذين ضاقت الدنيا بهم ولم ينتبه إليهم أحد فلم يسعدوا بلحظة "العيدية " تلك..!!

وهنا أقول لبعض أغنياء غزة الذين بخلوا بالبسمة على طفولة يتيمة حزينة وتخفوا وراء ورع مزيف وتقوى باهتة.. "لا بارك الله فيكم " فقد كان بإمكانكم أن تعوضوا العيدية الضائعة بقليل مما تبذرون على ولائمكم وأفراحكم ولياليكم.. وأنتم الأولى..!!

هكذا أتى عيد الفطر وغادر.. ولم أحس به ولكنى أحسست بوطأة خطايانا نحو بعضنا البعض ونحو وطننا المجزأ والمبعثر على أسنة رماح المتقاتلين..!!

من كل هذا. وهو القيل من كثير ودعت عيدا أشبه بالسراب وتلقفت كلمة بليغة بسيطة غاية في دقة الوصف قالها طفل يتيم مر في الشارع صدفة بعد إن داعبته وقبلته وأرضيته وسألته.

"عيد مش سعيد "..!!

أسألك اللهم.. أن تغفر لي لحظة غبت فيها عنك.. وألا تحرمني من لحظة أرى فيها وطني معافى من عضال الحقد والحاقدين..!!

اللهم إني لا أدعوك دعاء المحترفين المرتزقين.. وإنما أدعوك دعاء التائب من الذنب أن ترحم أطفالنا وشيوخنا مما هو قادم انك أنت القادر القاهر لا يعجزك من يتاجر باسمك أو من يستبيح بيتك أو من يجعل من دونك أندادا

اللهم إني أسألك إن تعيد علينا رمضان والعيد ونحن في حال من التلاحم والوفاق أفضل وأسعد مما نحن فيه..

يا الله..

يا لله..

يا الله..


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى