الثلاثاء ٢٣ نيسان (أبريل) ٢٠٢٤

عَطَبُ الذَّاكِرة

عبد الرحمن صلاح محمد كيلاني

تعلم يا ربُّ أنَّني أعاني عَطَبًا في الذَّاكرة..
الناسُ لا يصدِّقون ذلك!
ويلمزونني باتهاماتٍ لا تليقُ بي!
أنا أكاد لا أتذكَّر شيئًا سوى..؟
سوى أنَّني الآن أحاولُ أن أتذكَّر شيئًا ما..
كانت لديَّ أربعُ قنينات،
أَعصِرُ رأسِيَ كلَّ مساءٍ
وأعبِّئ فيها ما ينزُّ من ذاكرتي،
ثم أُغلِقها جَيِّدًا
كي لا تَصدَأَ بفعلِ عواملِ النِّسيان..
الأولى:
بها ما تبقَّى من رائحةِ حبيبتي..
لكنَّ ذاكرتي تخونني كلَّما حاولتُ تذكُّرَ اسمِها..
أعتقد أنَّها كانت طيبةً جدًا..
ولها حاجبانِ يظلِّلان على عينيها،
وعينان بنيَّتانِ حين تنظرُ في الشَّمس،
وفَمٌ رطبٌ دائمًا..
أقطَعُ المسافةَ عدوًا داخل رأسي
إلى أبعدِ نقطةٍ في الذَّاكرة..
ولا ألحق بها!
أصرخ عليها في صمتي..
يا للحسرة!
أعود مهزومًا بانتكاساتي..
لعلها اختبأت في تجويف ما،
لعلِّي كنتُ قاسًيا،
أو لعلَّها فهمتْ الأمرَ بشكلٍ خاطئ..
لعلَّها، ولعلِّي..
مؤكدٌ أنها أحبتني.. ولعلِّي..
وفي الثانية:
عبَّأتُ كلَّ ضحكاتها وأغلقتها جيدًا..
الضحكاتُ نادرةٌ جدًا هذه الأيام،
وأخاف أن تتلاشى أيضًا..
أما الثالثة فامتلأت بنظرات الخوف..
أتذكَّر هذه النظرات..
كانت كلَّ مساءٍ تقبض على يديَّ وهي تدمع..
تقول التصق بي..
ولا تدع هواءً يفصلُ بيننا
خبئني داخلك
فعيون الرحيل تنبح عليّ
كانت لا تخاف سوى الرحيل.
لعلَّها تغلَّبت عليه هذه المرة
وتركتني للعواصف..
أقبضُ على الهواءِ الذي تركته في كفِّي
خوفًا وأمنا..
يحوطني طيفُها في عتابٍ للحظات،
تمامًا كما كانت تفعل بذراعيها..
كأنها تعاقبني بالتلاشي السريع!
واقفًا..
وفي رأسي قارورةٌ أخيرة:
أخاف أن أتذكَّر..
أخاف أن تكسرها الذكرياتُ مرةً أخرى
وترحل..

عبد الرحمن صلاح محمد كيلاني

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى