

عُملاقُ الفنِّ والطرب
في رثاء مطرب المطربين العملاق وديع الصافي
أنتَ الوَديعُ سَحَرتَ الشَّرقَ والعَرَبَا | في كلِّ أرض ٍ نشرتَ الفنَّ والطرَبَا |
الأرزُ يبكي، سمَا لبنان ملتهبٌ | لبنانُ أضحَى بثوبِ الحزنِ مُنتحِبَا |
الحُزنُ خيَّمَ والأجواءُ ناحِبة ٌ | من بعدِ فقدِكَ أضحَى الكلُّ مُكتئِبَا |
لبنانُ هُزَّ وقد قامَت قيامتهُ | كأنَّ يومَ التنادي هولهُ اقترَبا |
يومُ الرَّحيل ِ كيوم ِ النشر ِ موقعهُ | كأنَّ جُرمًا هوَى للأرض ِ مُلتهبَا |
الكلُّ يبكي أبا فادَي ويندبُهُ | القلبُ ينزفُ ودمعُ العين كم سُكِبَا |
الكلُّ يبكي أبا فادي ويندبُهُ | فدولة ُ الفنِّ دالتْ فيضُها نضبَا |
الكلُّ يبكي نجيعًا فاضَ مُنسَجمًا | فدولة ُ الفنِّ زالتْ مَجدُها ذهَبَا |
يا أيُّهَا الطَّودُ يا حَمَّالَ ألويةٍ | للفنِّ، قد كنتَ صرحًا عانقَ السُّحُبَا |
قد بُحَّ بعدَكَ صوتُ العوُدِ وانتكسَتْ | أوتارُهُ، صارَ مَغمُومًا وَمُضطربَا |
أنتَ الكنارُ وكم قد كنتَ تطربُنا | وفي الدُّجَى تنثرُ الأقمارَ |
والشُّهُبا أنتَ الذي فوقَ جفن ِ الشَّمس منزلهُ | فوقَ المَجَرَّةِ تبقى الدَّهرَ مُنتصِبَا |
مدارسُ الفنِّ والإبداع ِكم سَجَدتْ | الكلُّ يشهَدُ وفيكَ الكلُّ قد خُلِبَا |
أنتَ الوديعُ منارُ الفنِّ في وطن ٍ | غنيتَ للحبِّ والسِّلم الذي سُلِبَا |
ملاعبُ الحُبِّ والآمال ِ شاحبة ٌ | فيها الشَّقاءُ غرابُ البين ِ قد نعبَا |
غنيتَ لبنانَ جُرحًا كانَ مُلتهبًا | أشجانهُ هَزَّتِ البلدانَ والعَرَبَا |
غنيتهُ ودموعُ العين ِ نازفة ٌ | غنيتَ وحدتهُ.. والخصبَ ما نُهِبَا |
لبنانُ قد كانَ شمسًا، أبْجَدِيَّتهُ | قبلَ الحضاراتِ والعِلم ِ الذي كُتِبَا |
" قدموسُ " يروي سطورًا من روائِعِهِ | المَجدُ دومًا للبنان العُلا انتسَبا |
فيهِ العمالقة ُ الأفذاذ ُ قد وُلدوا | لبنانُ.. لبنانُ ضمَّ الفنَّ والأدَبا |
وبعلبكُّ المُنى آثارُها شهِدَتْ | لِرَوعةِ الفنِّ.. فيها الشِّعرُ كم ندَبَا |
معابدُ الشَّمس ِ والأقمار ِ شاهدَة ٌ | لها القرابينُ كانت تملؤُ النّصبَا |
"عشتارُ " للحُبِّ.. للإبداع ِ مُلهمَة ٌ | نبعُ الشَّفاعةِ كانت تطرُدُ العَطبَا |
" جبرانُ " نبعُ السَّنا فكرًا وفلسفة ً | شُعاعُهُ في ديارِ الغرب ما غَرُبَا |
في الشِّعرِ والرَّسم ِ والآدابِ مُؤتلِقٌ | مِلءَ الزَّمَان ِ، رجال الفكرِ قد غلبَا |
" فيروزُ" صوتٌ مِنَ الفردَوس يُطربُنا | وَنجمة ُ الشَّرق ِ والسِّحرُ الذي جَذبَا |
" صباحُ " شُحرورة ُ الوديان ِ رائِدَة ٌ | في الأوفِ ثمَّ العَتابَا تصنعُ العَجَبَا |
يا أيُّهَا القمرُ المَيْمُونُ طلعتهُ | وفي سمَا الشُّوفِ في لبنان ما وَقبَا |
صنعتَ مجدَكَ بالإبداع ِ تترعُهُ | ينسابُ صوتك نخبًا.. ليسَ مُصطخبَا رسالة ُ |
الحبِّ للأكوان ِ تعلنهَا | وكنتَ في سَعيكَ المَنشُودِ مُقتضِبَا |
حَقَّقتَ آمالكَ الجَذلى على مَهَل ٍ | وأخفقَ الغيرُ سَعْيًا سارَهُ خَبَبَا |
وَمُطربُ المُطربينَ..الكونُ رَدَّدَهَا .. | عبدُ الوَهابُ لقد أعطى لكَ اللَّقبَا |
في الفنِّ أنتَ أبو الكُلثوم ِ.. قد نعَتتْ | كَ كوكبُ الشَّرق ِ..لا زلفى ولا كذبَا |
وأنتَ أسطورة ُ الأجيال ِ، رائِدُنا | طريقكَ الوردُ، صَرح الفنِّ مَن نصَبَا |
صُنتَ التراثَ ومَا أبقى أوائلِنا | بينَ الرُّكام ِ وبينَ الرَّدم ِ مَنْ نقبَا |
الكلُّ ينهجُ فنًّا ليِّنا ً سهلا ً | وأنتَ تنهجُ فنًّا شائِكا ً صَعِبَا |
بالفنِّ نرقى إلى الأفلاكِ نسكُنُهَا | نسدُّ كلَّ جدار ِ كانَ قد ثقِبَا |
يا روضة ً بشذا الإبداع ِ مُترَعَة ً | تجلو الأُوامَ عن ِ الحوباءِ والسَّغَبَا |
السِّحرُ ضَمَّخَها والحُبُّ واكبَهَا | يصبُو لها الصَّبُّ، يلقى كلَّ ما طلبَا |
الماءُ فيها نميرٌ طابَ مَشربُهُ | سَلسَالُهَا الشَّهدُ والترياقُ.. ما نضَبَا |
يا صافيَ الصوتِ مَزهُوًّا بروعتِهِ | كالكهرباءِ سَرَى..مع نبضنا حُسِبَا |
هذا الزَّمانُ الذي قد كنتَ رائِدَهُ | يبكي لفقدِكَ مَذهُولا ً وَمُنتكبَا |
رثاكَ بعضٌ بقول ٍ جاءَ مُصطنعًا | أمَّا أنا فنثرتُ الدُّرَّ مُنتخَبَا |
شعري هُوَ الدُّرُّ والياقوتُ مُؤتلِقٌ | يبقى المنارَ، قلوبَ الغيدِ كم جَلبَا |
وإنَّني شاعرُ الأجيال ِ قاطبة ً | بهرتُ في شعريَ الأفذاذ َ والخُطبَا |
شعري لنصرةِ شعبي دائِمًا أبدًا | يُذكي الإباءَ يُزيلُ اليأسَ والكرَبَا |
الحُبُّ عَمَّدَني والنورُ واكبني | والموتُ قد فرَّ مَهزُومًا وَمُرتعِبَا |
يا نسمة ً من رُبَى لبنان دافئة ً | أذكيتِ فيَّ الرُّؤَى والشَّوقَ والعَتبَا |
قلبي هناكَ وَروحي.. كلُّ أوردتي | أهلي هُناكَ هُمُ التاريخُ.. قد وثبَا |
لُبنانُ وَحيي وإلهامي وأغنيتي | لهُ الترانيمُ.. نزفُ القلبِ.. ما وَجَبَا |
لبنانُ... لبنانُ يا خمري وقافيتي | ومَنبعُ السِّحر ِ مِنهُ الفنُّ قد شربَا |
يا قطعة ً من سَنا الفردوس فاتنة ً | شابَ الزَّمانُ ويبقى غصنهُ رطبَا |
فيكَ الوَديعُ منارُ الفنِّ سُؤدُدُهُ | وَمطربُ الشِّرق للتقليدِ قد شَجَبَا |
في القلبِ تحيا أبا فادي، فأنتَ لنا ال | مُعَلِّمَ الفذ َّ... تبقى للجميع أبَا |
أنتَ العزاءُ لِمَحزون ٍ وَمُغتربٍ | أنتَ الشِّفاءُ لقلبٍ كانَ مُضطربَا |
رمزُ الوداعةِ والطُّهر ِالذي شهدُوا | وتنشدُ الحُبَّ..لا الأسيافَ والقضبَا |
أنتَ المُعلِّمُ والإنسانُ في زمن ٍ | الفنُّ صارَ رخيصًا، عندنا لعبَا |
قيثارَة ُ الخُلدِ، من أنغامِهِ سكرتْ | كلُّ الدُّنى.. وانتشَى عُشَّاقهُ طرَبَا |
ويُسكرُ النفسَ صوتٌ رائعٌ عذبٌ | فاقَ الخمورَ التي تستنزفُ الحببَا |
خَمائلُ الرُّوح ِ من إبداعِكَ ابتهَجَتْ | مِنَّا أسرتَ النُّهَى والقلبَ والعَصَبَا |
ووصوتكَ العذبُ سلوانٌ لِمَن نكبُوا | فيهِ العزاءُ يُزيلُ الهمَّ والوصَبَا |
أنتَ المَحَبَّة ُ دومًا رمزُ تضحيةٍ | وتفرشُ القلبَ والوجدانَ والهُدُبَا |
سفيرُ شعبكَ للأكوان ِ قاطبة ً | وَتنشُرُ الفنَّ والحُبَّ الذي احتجَبَا |
وَمِهرَجاناتُ أهل ِ الفنِّ في بعلبكّ | كنتَ رائِدَهَا... واكبتهَا حقبَا |
تاريخُكَ الفنُّ والإبدَاعُ.. مُأتلِقٌ | بأحرفِ النور ِ.. لا بالتّبرِ قد كُتِبَا |
منارة ُ الفنِّ للأجيال ِ مدرسَة ٌ | الكلُّ يرشُفُ منها الشَّهدَ والرُّطبَا |
البعضُ يسكبُ نزرًا.. ما بجُعبتِهِ | وأنتَ... أنتَ سكبتَ التبرَ والذهبَا |
يا أرزة ً في ثرَى لبنان صامِدة ً | لم تحفل ِ الرِّيحَ والأهوالَ والنُّدبَا |
بعضُ الأساطين عن لبنانَ قد رحلوا | لبنانُ في القلبِ لم نشهَدكَ مُغتربَا |
لم تحفل الموت والأهوالَ في وطن ٍ | أنتَ الذي من سهام ِ الموتِ ما رَهبَا |
وأنتَ صوتٌ سماويٌّ فيُترعُنا | بنفحةِ الخُلدِ... مَنْ أنوارُهُ وَهَبَا وتنشرُ |
الحُبَّ والآمالَ ساحرة ً | فيكَ البراءَة ُ والحسُّ الذي التهَبَا |
محبَّة ُ الرَّبِّ فيكَ الكلُّ يشهدُها | أبصرتُ فيكَ يسوعَ الحقِّ مَنْ صُلِبَا |
علمتنا أنتَ أنَّ الحُبَّ مُنتصِرٌ | ويهزمُ الشَّرَّ والأهوالَ والرُّعُبَا |
كلُّ الكنائس ِ تبكي ليسَ يُوقفها | شهدُ العزاء وَدُرُّ القول ِ ما كذبَا |
لجنَّةِ الخُلد ِ تمضي إنَّها وطنٌ | رضوانُ هَيَّأهَا دارًا.. لكَ انتدَبَا |
فيها الملائكة ُ الأطهارُ تطربُهُمْ | بصوتِكَ العذبِ..بالتسبيح ِ ما طُلِبا |
ومن مزامير ِ داودِ النبيِّ ترا | نيمٌ لربِّ العُلا.. تشدُو الذي رُغِبَا |
يا أيُّها الفذ ُّ والعُملاقُ في زمن | قد شَوَّهُوا الفجرَ، وجهُ الفنِّ قد شَحبَا بقيتَ |
في قمَم ِ الإبداع ِ مُبتهجًا صُنتَ القديمَ... | وللتجديدِ ما عذبَا |
طوبَى لأرض ٍ عليها كنتَ مُؤتلِقا | تغدُو وترجعُ مَزهُوًّا وَمُنتصِبَا |
طوبَى لأرض ٍعليهَا سرتَ مُنتشيًا | تختالُ فوقَ رُباها باسمًا طربَا |
طوبَى لأرض ٍ عليها كلُّ مُؤتمَل ٍ | ضَمَّت ضريحَكَ والأنوارَ والشُّهُبا |
طوبى لِروحِكَ أنوارٌ مُشَعشَعة ٌ | في جنَّةِ الخُلدِ تلقى الصَّحبَ والنُّجُبَا |
في رثاء مطرب المطربين العملاق وديع الصافي