الجمعة ٢٦ أيار (مايو) ٢٠١٧
بقلم رامز محيي الدين علي

فانتازيا رعوية

يحكى أن غابة مغمورة ظهرت على وجه البسيطة، وعم فيها الرخاء، بعد أن هاجرت إليها قبائل ومجموعات بشرية عبر البحار.. وراح سكان الغابة يتاجرون بالأخشاب الباهظة الثمن وأوراق الأشجار التي أصبحت سلعاً رائجةً تدرُّ على أصحابها النعيم والرخاء.. وازدهرت الحياة، وظهرت الأكواخ بطراز حديث، وراح رئيس القبائل ينظّم شؤون الغابة والرعية..

وأخذت قطعان الماعز تتسلّق الأشجار والصخور، وتعبث بخضرة الغابة وجمالها.. فاستورد زعيم القبائل الرعاةَ المحترفين من هنا وهناك؛ لعلهم ينظّمون قطيع الماعز، ويعلّمونه الرعي المنضبط والمنظّم، دون تشويه الغابة وأشجارها، لكنّ الرعاة لم يفلحوا في أنسنة الماعز؛ لأنّ للماعز طبيعةً تستعصي على خبراء الجينات تغيير وراثتها الجينية، أو إحداث خلق جديد، كما تتدعي النظريات والعلوم الحديثة!

بدأ زعيم القبائل بإعادة النظر في الرعاة وراح يقرِّعهم، ويفرض عليهم الأتاوات والقيود، ويضيّق عليهم في صُرَر طعامهم.. فاستورد خبراءَ في

تنمية مهارات الرّعي، وأخضعَ الرعاةَ لدورات تدريبيةٍ في أساليب الرّعي الحديثة؛ لعلّهم يُحدِثون أموراً في أحوال الماعز، لكنّ ذلك لم يُحدث النّقلةَ النوعيّة التي يتوخَّاها الزَّعيم.. ففكّر بالاستعانة بخبراء النفس؛ لدراسة طبيعة الرُّعاة السَّيكولوجية التي ربَّما تنعكس سلباً على نفسيّة الماعز؛ فتجعله شاذَّاً في حركاته والتهام مظاهر الجمال في الطبيعة.. فقرَّر علماءُ النفس تغييرَ ملابس الرُّعاة وهندامهم وجميعَ ملامحهم.. فأشاروا إلى حلاقة اللّحى والشّاربين واستبدالهما بمثلَّث برمودا تحت الشّفة السفلى وهو ما عُرف في معاجم اللغة باسم ( العَنْفَقَة ) وما أدراك ما العنفقةُ!

كما فرضوا على الرُّعاة حلاقةَ شعرٍ حديثةً تتمثّل في رسم دائرة في منتصف الرّأس من الأعلى وعلى جانبيها خطَّان متوازيان لا يلتقيان إلا بمشيئة الله.. ونصحَ خبراء النفس الرعاة بتجعيد شعور رؤوسهم فيما بقي خارج الدائرة والخطوط المتوازية.. لعلَّ ذلك يُحدِث ما استعصى على الدَّهر.. ورأى الخبراءُ أن الحداثةَ تتطلَّب تغييراً شاملاً في ملابس الرعاة، فقرَّروا رميَ جميع الملابس القديمة في حاويات القمامة، كالسروال والجلابية واالغترة والعقال.. واستبدلوها بملابس عصرية تتناسب مع تطور الحضارة الحديثة.. من مثل القبَّعةِ التي ارتداها نابليون بونابرت قائد

الحملة الفرنسية المشهور.. وبنطالِ الجنز الأبيض الممزَّق عند الركبتين كالذي يرتديه اللاعبُ الأرجنتيني دييغو مارادونا.. وقميصٍ متناثرٍ فوق البنطال له فتحتان تشبهان مضيق البوسفور..
أما الحذاءُ فيجب أن يكون مصنوعاً من جلد الماعز حصراً، ولكلّ حذاء شقّان: الأول يحوي الإبهامَ والسُّبابة، والثاني يجمع بين الوسطى والبنصر والخنصر.. ومن ثم فإن مقدّمة الحذاء تشبه أرجل الماعز.. ولا غرابة في ذلك، فمن الحضارة ما يُعمي ويُصِمُّ!!


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى