فرَاشاتُ المُنى

تساقَطَتِ الحُروفُ على المُحالِ
لِتَلْقَفَها الدَّفاتِرُ من خِلالي

عُيونُ الحِبْرِ قدْ ذرَفَتْ دُموعاً
ولمْ تُطفِئْ شموعَ الاحْتفالِ
ألا يا شمْعتي اشْتَعِلي لتأتي
فَراشاتُ المنى للكرْنفالِ

أراها - أو أكادُ - تشُعُّ ومْضاً
هُنالِكَ حلَّقَتْ فوقَ التِّلالِ
يُطَوِّقُ جيدَها عِقْدٌ توشَّى
بألماسِ البَلاغَةِ والجَمالِ
بأسْوِرَةِ البيانِ تطيرُ غُنْجَاً
على نَغَمِ الخلاخِلِ والحِجالِ

بربِّكِ عَلْمِيني سِرَّ لَحْظٍ
فراشاتِ القصيدةِ عانِقيني
هَلُمِّي واسْكُبي في الكأسِ (بيْتاً)
فأبْهى الشِّعْرُ ما عُصِرَتْ عليهِ
على وجْهي قميصَ الضَّادِ ألقِي
لآخُذَهُ وألْبَسَهُ بِلَيْلي
فمُذْ نسَجَتْ يداكِ خُيوطَ فِكْرِي
فؤادي حائِرٌ مِنْ دُونِ شَطٍّ
تعلَّمْتُ الفَصاحَةَ مِنْ هِلالٍ
أجولُ بروْضةِ الشُّعراءِ عَصْراً
وأرْشُفُ قهْوتي مِنْ كُلِّ مَقْهى
عَشِقْتُ القَهْوَةَ الشَّقْراءَ حتَّى
أنا ما زِلْتُ أُشْعِلُ شَمْعَ حَرْفِي
أُحاوِلُ بالقريحَةِ كَسْبَ سِرْبٍ
أُفلْسِفُ فِكْرَتي، أرْمي شِباكي
أعودُ مَحَمَّلاً بِغَنيمةٍ قَدْ
فَهأنَا ذا أُدوْزِنُ كُلَّ نثْرٍ
أُجَرِّدُهُ على الكَلِمِ المُقَفَّى
يحُثُّ الخَطْوَ في ثِقَةٍ يُنادي:
شِعاري في الحياةِ "بديعُ قوْلٍ"
أُزَخْرِفُهُ بنَصٍّ مِنْ لُجَيْنٍ
خَبِرْتُ الشِّعْرَ مِنْ زَمَنٍ بَعيدٍ
أيا شَفَتَي انْفُخِي في الشَّمْعِ حتَّى
لقَدْ طرِبَ الجميعُ بلا شُعورٍ

يضوعُ بهِ الجلالُ بلا اكْتِحالِ
تعاليْ واعْزِفي لحْنَ النَّوالِ
تعتَّقَ بالحكايةِ والِمثالِ
كُرومُ الضَّادِ مِنْ كَفِّ الدَّوالي
لِأُبْصِرَ في المجازاتِ العَوالي
وأنْشُرُهُ الصَّباحَ على حِبالي
وحاكَتْ في القَريضِ شَغافَ حَالي
وأجْمَلُ حَيْرَةٍ شَطُّ الخَيالِ
يَطوفُ بِهِ (أبو زيْدِ الهِلالِ)
لِأقْطِفَ حِكْمَةً تحْتَ الظِّلالِ
ويَشْهَدُ نَشْوَتِي مَيْلُ العِقالِ
رأيْتُ بِبُنِّها عَيْنَ الغَزالِ
لِيَزْدادَ الفَراشُ على التَّوالي
جديدٍ مِنْ فراشاتِ اشْتِعالي
وأصْطادُ القوافي باحْتيالِ
أحاطَ بها النَّفيسُ مِنَ الّلآلي
وأَصْقُلُهُ كَصَقْلِي للمِطالِ
فلَمْ يخْسَرْ بِمُعْتَرَكِ السِّجالِ
ألا مِنْ فارِسٍ يَقْوى نِزالي!
أُرَدِّدُهُ وأمْشِي في اخْتيالِ
بِمَقْتَبَسٍ يُعَظِّمُ مِنْ مَقالِي
بِنَظْمِ الجَزْلِ لا نَظْمِ الخَبَالِ
فراشاتي تَفِرُّ بلا اعْتِقالِ
فقُلْتُ لريشتي تُنْهي احْتفالي