الثلاثاء ٣٠ تشرين الثاني (نوفمبر) ٢٠١٠
بقلم أحمد مظهر سعدو

في الذكرى السنوية الأولى لرحيل الأستاذ سليم العامر

سنة بكاملها أفلت، وعام بحاله مضى،، على رحيلك يا أبا عامر.. أيام مضت، وسنين تتبعها، وأحباب نعرفهم ونحبهم، نجلهم ونحترمهم يرحلون .. بلا وداع يغادرون هذه الدنيا الفانية، إلى دار أبقى، وأدوم وأقوم .. إلى هناك حيث الكل في الواحد... لقد رحلت يا أبا عامر كما رحل قبلاً وبعداً رفاق العمر والدرب، بدءاً من الراحل الدكتور جمال الأتاسي، مروراً بالراحل" أبو جاسم " ليكون آخر أصدقاؤك الراحلين والذين لم يطيقوا الانتظار بعدك طويلاً .. الأستاذ عبد الهادي عبلة ..... رحلتم جميعاً، قبل أن تتحقق أهدافكم بل أهداف الأمة، على طريق القائد الكبير جمال عبد الناصر، ولم تنجز مراحل الوحدة المبتغاة والمأمولة، ولم تتحقق أدوات المشروع القومي العربي النهضوي الديمقراطي الذي حملت، وحملوا معك ،وحملنا معكم، وسنبقى رافعي لواء هذا المشروع، الذي ما برح أن يكون مشروع الأمة، على امتدادها وعمقها الاستراتيجي .
في ذكراك السنوية الأولى يا أبا عامر نقف مشدوهين غير مصدقين – مع إيماننا بأن الموت حق – أن رحيلك حقيقة وليس وهماً، فالمغادرة بالجسد، مسألة مادية بحتة لا ضير أنها واقع ملموس ومادي، وحالة متجسدة بالآن، والماضي، وكذلك المستقبل .. لكن روحك ما زالت ترفرف بيننا، وصوتك المحب، والمحبب.. ما زال ملء أسماعنا، واستغراق ذاتنا، وما زال فكرك الناصري العروبي ماثل في محيانا جميعاً ..عبر زوجك الرؤوم، وأبناؤك، وبناتك، وكل المتحلقين حولك فكراً وحباً وتمسكاً بالمبادئ والقيم، في وقت عزّ فيه المبدأ، وانحسرت فيه القيم، وتراجعت بين ظهرانيه علامات السمو الأخلاقي في الحياة المجتمعية، كذلك بين الناس في علاقاتهم، وأنساقهم الاجتماعية.

يسألون عنك .. وعن أهلك الذين غادرتهم، أصدقاؤك، معارفك، إخوتك في الكفاح والمسيرة، بل حتى من عرفوك لأيام أو لحظات .. يسألون عنك .. ودائماً يسألون ويذكرون ويذّكرون باسمك الباهر .. والمحبب .. فماذا نقول لهم يا أبا عامر .. بماذا نجيبهم ؟ هل نقول لهم أنك بالفعل مازلت بيننا .. وأنك لم تغادر المقلة، وفيض الخاطر .. والمخيال .. هل نقول لهم أنك ما زلت على العهد والطريق بما تركت من إرث قيمي عروبي وحدوي .. سيبقى الحلم حلم الأمة.

افتقدناك بالأمس يا أبا عامر.. وأنت السباق في الحضور- يوم قدمت إلى دمشق الدكتورة هدى جمال عبد الناصر إلى دمشق -، وكم سألوا أين أبا عامر .. أين الدمعة في مقلتيه وهو يستقبل ابنة الراحل الكبير والقائد التاريخي للأمة .. وبينما تلتهب الأيادي بالتصفيق، والحناجر بالهتاف، (لوحدة ما يغلبها غلاب)و(بالروح بالدم حنكمل المشوار).

فلقد تحدثت إلينا الدكتورة هدى عن ذكريات الوحدة التي أحببت، وتعلقت بها، هدفاً وغاية تحققت في زمان جميل كنت أحد رموزه بلا أدنى شك .. أصدقاؤك الشعراء العروبيين أبَوْ - وقد مضت سنة على رحيلك - إلا أن يسطروا بحقك أروع القصائد الصادقة عنك ومنك، وأنت نبراسها، وملاكها الذي حلقت يوماً، وما زلت محفوراً في التاريخ الوحدوي لهذه الأمة.

عندما نسمع صوت عبد الناصر نتذكرك، وعندما نقرأ الفكر القومي الناصري نتذكرك، وعندما تقبل علينا مناسبة، أو مفصل مهم من مفاصل التاريخ القومي .. تصعد إلى مخيالنا، وعندما نتوجه إلى جاسم تقبل أمامنا، وعندما يقفر الدرب، ويستقوفنا زمان الجدب، وساعة نقرأ (يسن)، ولحظة نستقبل حجاج بيت الله الحرام، ووقت نرى بعض أصدقائك الميامين، المخلصين... فـي لحظات الألم نتذكرك، وفي هنيهات الفـرح نستذكرك .. فكم رحل عنا من هنا وهناك الكثير الكثير .. لكنك أبداً أنت باقٍ فينا، وممتلك لكليتنا، ومندمج في ذواتنا.. فاليوم وأكثر من أي وقت مضى نشعر بقيمتك والفراغ الذي تركت، ففي الليلة الظلماء يفتقد البدر .. وأنت بدرنا وقمرنا، وهلال الأمل بين جوانحنا، وأنت من صنعت فيمن حولك الحلم الصادق، والسيرة الحسنة، وقيم الفضيلة، والنزاهة، ومحاربة الفساد المستشري، فكنت من عصر آخر، وزمان آخر، غير زماننا، فجسدت أحلام أمة وأحلام شعب، حلمت وحلمنا بها على طول المدى.

هنيئاً لأسرتك بك يا أبا عامر، وحق لهـم ولهن الفخر والاعتزاز بالانتمـاء الأسروي والوطنـي والعروبي إليك .. وحق لهم التمسك بالكرامة والعزة التي زرعت فيهــم جميعاً .. حتى باتت هذه النباتات أشجاراً باسقة، بل راحت تتحول إلى حصن حصين يمنعنا من الانجراف وراء ذواتنا، ومصالحنا الأنوية المغايـرة لقيمك الرفيعــة التي زرعت .. فهنيئاً لنا بك .. وجعلها الله في ميزان حسناتك (يوم لا ينفع مال ولا بنون، إلا من أتـى الله بقلب سليم).


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى