السبت ٣٠ آب (أغسطس) ٢٠٠٨
بقلم عزيز العرباوي

في حاجة إلى كاتب متميز

إن الكاتب المثقف ليس مجرد كائن ينحصر في شخصيته وذاتيته، وإنما يتعدى هذه الذاتية بحيث يجمع بين ذاكرته الخاصة التي يحتويها وتحتويه وذاكرة جمعية تكون في ظلها في كل الأزمنة والأمكنة فصار في الأخير كائنا حيويا يلتقط الأبعاد المختلفة ويتمكن من ترتيبها وتنميقها على شاكلته.

فالكاتب ينهل من ثقافة المجتمع ومكوناته، ترابه ومائه، هوائه وبحاره، تراثه وإرثه المحفوظ عبر الأزمنة المختلفة، فيعتبر المكان والزمان مؤشران حاضران بقوة في تكوين شخصية الكاتب بحيث يؤثران في إبداعاته وثقافته..

أعتقد أننا في حاجة إلى كاتب أكثر جرأة من أي وقت مضى يكاد يخترق المكانة التي وصل إليها الكاتب في الغرب أو على الأقل يقاربه، فالاقتراب من الجيد هو جيد طبعا ولو عن بعد يسمح بسبر ثقافات الآخرين والتنقيب عن ثقافتنا الغارقة في وحل الخرافة والتخلف. ولا يمكن أن يتحقق تقدم في هذا المجال مادام كاتبنا يمر على المواضيع الحساسة وصعبة المراس مرور الكرام خوفا من عدم القدرة على فهمها وتفسيرها وإما خوفا من الويلات والمشاكل المترتبة عليها.

ميزة الخوف من الحقيقة أكسبت كاتبنا تحمل الضعف وقلة الحيلة، وصفة الكاتب من الدرجة الثانية أو الثالثة أو أقل من ذلك. ولصغر قيمة الكاتب عندنا مع حساسيته المفرطة في مقاربة القضايا الإنسانية بكل أبعادها، وفطرته الثقافية التي جبل عليها منذ ولادته فلا زال لا يستطيع أن يقترب من المواضيع الثقافية الأكثر جرأة ليدلي بدلوه فيها فترك الساحة فارغة لفقهاء الفتاوي الدموية ليجتهدوا كما أرادوا وكيفما خولت لهم أنفسهم واتفقت مع أهوائهم...

فقد اهتمت أقطار غربية بكتابها ومثقفيها ومفكريها وحتى رجال دينها، بقضايا كانت حكرا على السلطة الدينية في زمن من الأزمان، وتمكنت من تصحيح المسار الفكري الذي كان سائدا، ليس انقلابا مجانيا، وإنما تصحيحا لوضع غير صحي سياسيا واقتصاديا وثقافيا. أما نحن العرب فانشغلنا بتعيير بعضنا البعض، واتهام أبناء عمومتنا بالخروج عن الدين والملة، فاقتتلنا فيما بيننا وتسابقنا في الرثاء والمدح والذم بأشعار ماجنة وشعوبية، وشربنا النفط حتى الثمالة فكان وبالا علينا وعلى عقولنا التي ما عادت تفكر وتكتب بشكل جميل والمدح والذم بأشعار ماجنة وشعوبية. وبالنظر لكتابات مفكرينا وكتابنا نذهب إلى القول بأن البعض قد تخطى مرحلة الطفولة في الكتابة وانتقل إلى المرحلة الثانية التي تعتبر أكثر نضجا، فقارب قضايا حساسة ثقافيا ودينيا من مثل : الفتاوى، والإرهاب، وزيارة الأضرحة، ومظاهر التخلف في العادات والتقاليد، وسلوكات مشينة أخرى، والمرأة،...إلخ. بينما ظل العدد الأكبر من هذه

الأقلام تتراوح في مكانها لا تضفي جديدا في الساحة الفكرية والثقافية، وإنما أصبحت تدور في حلقات مفرغة.

نحن الآن، وأكثر من أي وقت مضى، بكينا فيه حتى العويل، في حاجة إلى كاتب مقتدر يفوق "محمد عبده" و"زكي مبارك" و "خير الدين التونسي" و"الكواكبي"، ويفوز على إبداعات "طه حسين" و"العقاد" و"المنفلوطي"...نحن الآن في حاجة إلى كاتب يفتح الفضاء الثقافي للكتابة التي لا تعترف بالحدود ولا بالسلطة ولا بالطابوهات ما عدا الخروج عن القيم والمباديء التي تحكمنا. هذا الفضاء الذي نتمناه تلتقي فيه المتغايرات والمتناقضات والأضداد وتعيش كلها في سلام وود، ويكون صلة وصل بين حضارتنا العظيمة التي مازلنا لا نعلم عنها الكثير وبين حضارة الآخرين التي تلتقي معنا في المباديء والقيم الإنسلنية العالمية. فهل هذا صعب على كاتب ومفكر جريء؟.

لربما بدت هذه الصورة التي أرسمها للكاتب المرتقب تجنح إلى المثالية والأفلاطونية خاصة بمعيار واقع الكتابة والثقافة العربية. لكنني لا أستبعد هذه الصورة التي سيأتي يوم ما لتظهر في الساحة الثقافية العربية، بحكم عوامل كثيرة أصبحت مواتية لخروج كاتب مقتدر وجريء من بين ظهرانينا، فنحن لا نقل قيمة عن الآخرين..


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى