السبت ١٤ حزيران (يونيو) ٢٠٠٨
بقلم عمر حكمت الخولي

في حرم الأحزان

يَبْكِي التُّرَابُ عَلَى أَرْضِي وَيَنْتَحِبُ
وَالنُّوْرُ يَرْثِي الهَوَى، وَالشَّمْسُ تَكْتَئِبُ
مِنْ دَمْعِنَا قَدْ سَقَا اللهُ الرُّبَا زَمَنَاً
مَا زَالَ يَسْقِي رُبَانَا لَيْسَ يَحْتَجِبُ
لَيْسَ البُكَاءُ عَلَى أَرْضٍ مُحَطَّمَةٍ
لَيْسَ البُكَاءُ عَلَى أَهْلٍ بِهِمْ عَطَبُ
فَالأَرْضُ غَابَتْ بَعِيْدَاً بَعْدَمَا غَضِبَتْ
وَالأَهْلُ نَاسٌ تَغِيْبُ الشَّمْسُ لَوْ غَضِبُوا
ذَاكَ البُكَاءُ بِهِ الدُّنْيَا مُجَمَّعَةٌ
لَمْ تَحْتَكِرْهُ رُبَاً سُكَّانُهَا العَرَبُ
بَلْ حُزْنُنَا حُزْنُ إِنْسَانِيَّةٍ سَقَطَتْ
فَوْقَ البَنَادِقِ وَالأَوْطَانُ تُغْتَصَبُ
حُزْنٌ عَتِيْقٌ بِهِ أَطْفَالُنَا كَبُرُوا
مُذْ أَصْبَحُوا يَلْعَبُوْنَ المَوْتَ إِنْ لَعِبُوا
حُزْنٌ سَيَأْكُلُ أَجْسَادَاً وَأَفْئِدَةً
حُزْنٌ سَيَجْمَعُ مَصْلُوْبَاً بِمَنْ صَلَبُوا
حُزْنٌ شَرِيْدٌ بِهِ الأَوْطَانُ دَائِرَةٌ
إِنْ يَهْتَدِي نَحْوَهُ الإِنْسَانُ يَغْتَرِبُ!
حُزْنِي أَنَا حُزْنُ أَطْفَالٍ قَدِ احْتَمَلُوا
أَهْوَالَ حَرْبٍ، وَمِنْ سُمِّ الوَغَى شَرِبُوا
لَمْ يَعْرِفُوا دُمْيَةً لِلُّعْبِ أَوْ كُرَةً
لَمْ يَسْمَعُوا قِصَّةً عَنْ فَرْحَةٍ تَثِبُ
أَلْعَابُهُمْ حُطِّمَتْ، أَحْلامُهُمْ وُئِدَتْ
بَلْ إِنَّ مُسْتَقْبَلَ الأَطْفَالِ مُلْتَهِبُ
يَخْشَوْنَ مَدْرَسَةً فِيْهَا مَسَرَّتُهُمْ
إِنْ أَوْصَدَتْ بَابَهَا قَدْ يُشْعَلُ الغَضَبُ
تِلْكَ المَدَارِسُ قَدْ سِيْقَتْ إِلى شَجَنٍ
فَالمَوْتُ فِيْهَا عَلَى الأَطْفَالِ مُنْتَدَبُ
وَالفَقْرُ وَالجُوْعُ وَالتَّشْرِيْدُ حَفَّ بِهِمْ
وَالمِدْفَعُ الأَسْوَدُ الوَحْشِيُّ يُحْتَسَبُ
وَالبَرْدُ في بَعْضِ أَوْطَانِي تَصَيَّدَهُمْ
وَالحَرُّ يَقْتُلُ في أُخْرَى إِذَا هَرَبُوا!
إِنَّ الطُّفُوْلَةَ مَاتَتْ، قَبْرُهَا صُحُفٌ
يَحْكِي رِوَايَتَهَا التِّلْفَازُ وَالأَدَبُ!
قصَّتْ لَنَا الأَرْضُ عَنْ ظُلْمٍ يُرَاوِدُهَا
عَنْ مَذْبَحٍ للوَرَى فِيْهَا بِهِ العَجَبُ
عَنْ مَنْزِلٍ رَامَهُ الأَيْتَامُ فَاقْتَتَلُوا
بَاعُوا أُخُوَّتَهُمْ كَي يَكْثُرَ الذَّهَبُ
وَالأَرْضُ تَحْكِي لَنَا عَنْ حَاكِمٍ رُبِطَتْ
بِالمَالِ أَفْعَالُهُ السَّوْدَاءُ وَالسَّبَبُ
يَرْوِي مَطَامِعَهُ الدُّنْيَا بِلا خَجَلٍ
مِنْ حِنْطَةٍ دُوْنَهَا الفَلاَّحُ يَنْتَحِبُ
يَجْنِي مِنَ النَّاسِ أَمْوَالاً وَعَجْرَفَةً
وَالنَّاسُ لا يَجِدُوْنَ الحَبَّ إِنْ كَسِبُوا
لا بَيْتَ يُؤْوِي شَتَاتَ النَّاسِ إِنْ نَزَحُوا
وَالنَّازِحُوْنُ هُمُ النَّاسُ الأُلَى كُتِبُوا
ذَا حَالُنَا، فَقْرُنَا هَزَّ البِلادَ بِنَا
فَكَيْفَ نَحْيَا عَلَى أَرْضٍ وَنُحْتَسَبُ؟
هَذِي الحَيَاةُ تُبَارِي المَوْتَ إِنْ سَخِطَتْ
تُهْدِي المَنِيَّةَ أَرْوَاحَاً وَتَنْتَخِبُ
تُهْدِي إِلَيْنَا مَرَارَاتٍ بِلا سَبَبٍ
تُهْدِي الطُّفُوْلَةَ حُزْنَاً مِثْلَهُ السُّحُبُ
فَالفَقْرُ وَالظُّلْمُ أَثْقَالٌ نُحَمَّلُهَا
وَالحَرْبُ تَطْحَنُ وَالآثَامُ قَدْ تَجِبُ
مَاذَا نَقُوْلُ لأَجْيَالٍ إِذَا قَدُمَتْ
– تَرْنُو إِلى عِيْشَةٍ – مُوتُوا أوِ احْتَجِبُوا؟
مَاذَا أَقُوْلُ لأَوْلادِي إِذَا كَبُرُوا؟
هَلْ يَنْفَعُ السَّتْرُ وَالإِخْفَاءُ وَالكَذِبُ؟
لا لَنْ أَقُوْلَ، فَإِنَّ القَوْلَ مُخْتَزَلٌ
وَالصَّمْتُ في حَرَمِ الأَحْزَانِ هُوْ طَرَبُ
أَحْزَانُنَا مِنْ فُؤَادٍ وَاحِدٍ نَبُعَتْ
وَالحُزْنُ يَكْبَرُ في أَرْوَاحِ مَنْ نَدَبُوا
اِنْسُوا البُكَاءَ، وَهَيَّا نَحْتَفِلْ أَبَدَاً
حَتَّى يُعَادَ إِلى الأَوْطَانِ مُغْتَرِبُ
حَتَّى نُعِيْدَ النَّهَارَ المُخْتَفِي زَمَنَاً
حَتَّى نَعُوْدَ مِنَ الأَنْوَارِ نَقْتَرِبُ
فَالقَلْبُ يَفْنَى إِذَا أَمْسَى بِلا فَرَحٍ
وَالعُمْرُ مَاضٍ لِمَنْ عَادُوا وَمَنْ عَتَبُوا

مرَّت على (أمير الشعراء)!


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى