الأحد ١٣ أيار (مايو) ٢٠٠٧
بقلم نبيل درغوث

قراءة في رواية "المشرط" للكاتب التونسي كمال الرياحي

( الرواية الحائزة على "الكومار الذهبي")

"في البدء كانت الكلمة و كان الجرح، ستظل الكتابة الإبداعية جريحة تنزف… "

( محمد الجويلي )
"إن العمل الإبداعي خلق و إنشاء أو لا يكون "

( أمال البجاوي )

" إن النثر هو لغة استقصاء الواقع "

( إينر روشتلس )

" الأدب الخصب يحدثكم عن أنفسكم "

( محمود المسعدي )

ما زالت تفاجئنا رواية " المشرط " لكمال الرياحي منذ صدورها لا سيّّما نفاذ طبعتها الأولى فهي تحصّلت على جائزة "الكومار الذهبي" كأحسن رواية تونسية لسنة 2006.كمال الرياحي عرفناه محاورا فذّا أمتعنا بـ"حواراته النهرية" و الدراسات النقدية الرصينة. هو كائن موهوب ,شعلة نشاط متّقدة يحمل أكثر من موهبة يجمع بين الشعر و الأقصوصة و الرواية و الرسم و النقد الأدبي مبدع متعدّد, مفرد في صيغة الجمع.

أمّا رواية "المشرط" فكانت اسما على مسمى. كالمشرط الذي فتق عقدة خصاء الرواية التونسية. خرجت هذه الرواية الحدث عن سرب السرد التونسي في عزف منفرد. و ذكر لنا الناقد توفيق بكّار أن المشرط ستكون هذه الرواية علامة في السرد العربي. و تحدّث أيضا عن " المخّاخ " هذه الشخصية العجائبية و هي نتاج جماع بين رجل و بغلة . أنتج مسخا في صورة طائر بشع برأس بغل يعشق امتصاص العقول البشرية و خاصة منها عقول الأطفال.

فقال توفيق بكّار إن المخّاخ شخصية مبتكرة ، تونسية صرفة لا تذكّرك بأيّة شخصية في الرواية العربية ، لأن السرد العربي المعاصر أصبحت فيه الشخصيات الروائية متشابهة على شاكلة : مصطفى سعيد " في موسم الهجرة إلى الشمال لطيب صالح و " أبو هريرة " في حدّث أبو هريرة قال ... لمحمود المسعدي و "سعيد مهران" في اللص و الكلاب لنجيب محفوظ و " زكريا المرسنلي " في الياطر لحنّا مينه و" سعيد أبي النّحس" في المتشائل لأميل حبيبي" كل هذه الشخصيات يعاد استنساخها بطرق مختلفة.

و لئن كانت شخصية المخّاخ مسخا فهي واقعية موجودة داخل كل إنسان منّا . فلفرط وجودها و انتشارها أصبحت لا تدرك بالبصر بل بالبصيرة و إن كانت رؤيانا عمياء! كلّنا يعلم أن الإنسان ذئب لأخيه الإنسان. و لكنّ الرياحي زادنا علما آخر بأنّ الإنسان مخّاخ لأخيه الإنسان . فكلّ منّا ينام بداخله مخّاخ . كلمّا استيقظ في غفلة منّا نجده امتصّ عقول الآخرين . فشخصية المخّاخ التي أشاد بها الأستاذ الكبير توفيق بكّار و اعتبرها شخصية سردية نموذجية بأبعادها الرمزية و الأسطورية . و وقع تأويلها تأويلات شتىّ .فذهب بعضهم إلى صورة الدكتاتور و بعضهم ارجعها إلى الفكر الأصولي الديني ...

"المشرط " رواية جريئة جدّا تعالج هموم و شواغل الواقع التونسي هذا الواقع الفظيع الذي يعجز العقل عن فهمه فيصبح الواقع متمظهرا في العجائبي و الأسطوري الرواية تعالج ألوانا من المسكوت عنه بحدّة نادرة و طرح صادم، " واقعية تصدم الذائقة ، و تناول فجّ لأحداث الحياة اليومية يرنو إلى إحداث صدمة قاسية ، وتخييب الانتظار ... ينبع ذلك من شخوص الرواية... فمنها التاريخي و منها النصي الذي يعيدنا إلى عالم الرسم، و منها الأدبي، و منها الواقعي الذي لا شاهد على وجوده إلا الكاتب... فضلا عن قرائن بعينها من واقع عاصمتنا و مقاهيها و حاناتها و بعض الأماكن المخصوصة فيها. من الشخصيات ... المخّاخ ، و الغرّافة، و الرجل المحموم و الضرس و الزوجة و النيقرو و بولحية و السلطان شوّرب و هندة وسليم النادل و سيدة الروتند و الروتاند و شارع بورقيبة و ابن الحجّاج و الشهلاء الحمراء ...." هذا ما قاله عن المشرط الروائي و الجامعي الدكتور صلاح الدين بوجاه . فكلّ ما ذكره بوجاه يتضافر على إنتاج النص زاجا به ( النص ) في الواقع اليومي حتى ولو كان النص شيئا مطبوعا صامتا بل هو إنتاج يبقي النص كواقع و ليس كتجريد . نص يعكس الوضع الانسانيّ بفواجعه و احزانه و افراحه و نشواته .

إن الواقع يبدو في الفن حسب الناقد عبد المنعم تليمة " أكثر غنى من حقيقته الواقعة لأن الفن لا يقف عند الواقع في معطياته الخارجية المباشرة ، إنما يتخطّى هذه المعطيات إلى إدراك جديد لها فيبدو الواقع في صورة جديدة له : صورته الفنية " .
حيث يلتبس الأمر فلا يكون بالأمكان تمييز الواقع من الخيال اد يندغم الواقعي بالخيالي .

رواية الرياحي ستمثّل حتما نقلة نوعية في السرد التونسي لتميّزها أسلوبا و موضوعا و رؤية. و لا سيّما أن الرواية التونسية عانت منذ سنوات من التحليق البارد في اللغة. بعيدا عن الواقع المنسي و المهمّشين .فالأدب لصيق الحياة ، و هو تعبير عن الحياة الإنسانية في تمظهراتها المختلفة " فالحياة و الأدب توأمان لا ينفصلان" ." المشرط " رواية محتفلة بالهامش و المختلف ، رواية القاع و الوجع و كاتبها مسكون بالاختراق ، ملتبس بعنف اللحظة و شراستها فصحّ فيه قول بروست " من عمق أي آلام أخذ قوة الإله هذه و القدرة اللامتناهية على الخلق" .

بدّع كمال الرياحي بإبداعه " المشرط " و إلتماعه على خدود " الخدائج " ( جمع خديجة ) بجرأة تونسية نادرة في تشكيل روائي مستحدث و جماليات كتابة جديدة تعكس ثقافة و تجربة كاتبها . كتابة "مشرطيّة" " اخذت تنقّب عن المواقع الاكثر سريّة و تقلّب وجهات النظر ... " على حدّ عبارة الناقد الجزائري جمال الدّين بن الشّيخ .

فكان خلق شخوص روايته على غير صورة و لا مثال مسبق .

رواية الرياحي رواية خطيرة لم يتعوّد عليها القارئ التونسي . كل الدلائل تؤكد أنه سيكون لها كبير الأثر في المتلقي العربي ناقدا أو قارئا . و هذا ما أهّلها لتكون ضمن أهم سلسلة روايات عربية تنشرها دار الجنوب و التي سبق و أن نشرت ضمن نفس السلسلة لحنّا مينه و محمود المسعدي و أميل حبيبي و البشير خريف و محمود درويش و صلاح الدين بوجاه و عروسيه نالوتي وفرج لحوار و صبري موسى و جمال الغيطاني و الطيب صالح و إبراهيم الكوني.

رواية " المشرط " أعملت المشرط في متن السرد التونسي محاولة منها لاستئصال عقمه الطويل.

( الرواية الحائزة على "الكومار الذهبي")

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى