قصائد قرأت جدلية الحياة والموت

ما زال ايقاع الشعر الجرشي يتواصل رغم غياب الجمهور ومتابعته له ، مساء أمس الاول اقيمت ضمن فعاليات جرش الشعرية أمسية شعرية في مركز الحسين الثقافي وشارك فيها الشعراء: توفيق احمد (سوريا) ود. شربل داغر(لبنان) ود. عادل قرشولي (سوريا) وادار الامسية الشاعر عبدالله رضوان.
استهل القراءة الأولى الشاعر والاعلامي السوري توفيق أحمد صاحب العديد من الاعمال الشعرية مثل:"اكسر الوقت وامش ، لو تعرفين ، لا هديلة للماء ، واخر أول القطس" فقرأ مجموعة من القصائد مثل:"حرير للفضاء العاري ، وبلاد ، وشفتي تراكَ" فجاءت قصائدة متناغمة مع الذات التي تفضي الى مجريات الحياة وارهاصاتها الكثيرة ، فأطلق عنان حروفه لتوقظ بحر الشهوات في عشبه النابت جنبه ، هذا اللغة المفعمة بالاحساس وصدق القول الشعري لامست جوانية الانسان ووقفت على مظلة هذا الكون المسكون بتوجعات الروح ، قصائد شفافة وشفيفة تمسك بغنائية الحياة والجسد بوجد صوفي عاشق.
من قصيدة (بلاد) يقول: الآن أكتشف الهداية ـ إذ يداهمني ظلالك واليقين ـ كادت مواجعنا يشف رداءها ـ إذ كان هذا الوقت منضبطا على نبض السنين ـ أنظل فوق وسائد صدئت ـ من الماضي الدفين هذه الكنوز نحبها.. ومن قصيدة"شفتي تراك"قرأ: سافر غدا كي لا أراك الآن ـ خذني إليك فلا أريد مكانا ـ خذ من يديك لقد علمتني ـ في العشق كم كان الحوار جبانا.

الشاعر اللبناني شربل داغر الذي عرفناه شاعرا وناقدا وباحثاً في جماليات الفنون ومترجماً ، له في الشعر العديد من الاعمال مثل: فتات البياض ، رشم ، تخت شرقي ، حاطب ليل ، غيري بصة كوني ، إعراب الشكل ، لا تبحث عن معنى لعله يلقاك ، وتلدني كلماتي) قد اعتنى بشعره فنانون مختلفون ، واصدروا كتبا فنية - شعرية مثل :" رشم مع الفنان البحريني جمال عبد الرحيم وشغف مع الفنان المصري محمد فتحي وتواشجات مع فنانين عرب مثل : وجدان علي من الاردن وإيتيل عدنان وغادة جمال وغيرهم ، وكما قدم الشاعر المسرحي التونسي سالم اللبان سينوغرافيا ابتداء من شعره بعنوان(عتبات للرحيل وللوصول ايضا).

القصائد التي القاها الشاعر داغر في الامسية انفتحت على فضاءات كثيرة في عالم الكتابة الابداعية مثل القص الشعري والمسرحي ، أي أنها التقطت مشهديات كثيرة في مساحة الحياة ضمن ايضا لوحات لا تخلو من التشكيل اللغوي الذي يظلل الواقع ويمثله بشكل دراماتيكي ، فهي قصائد يتداخل فيها صوت الشاعر مع اصوات متعددة وكأنك تجلس أمام كاميرا الشاعر المعبأة بحوارات مرئية ومقروءة تفيض بدهشة التصوير ، في نصوصه ثمة مسرحية لافتة ورؤية تأملية جديدة ضمن خيال خصب استخدمه الشاعر في بناء مفرداته الشعرية العالية التقنية.

يقول في احدى قصائده:وحيدة وقهوته باردة ـ يسبقني الى حيث لم أجلس بعد ـ يتقدمني من دون ان أتبعه ـ فله عادات في التذكرفي المناورة تناسب غير الحدود ـ صياد في بحر نظر ـ له في شباكه سطور وحبكات ـ وفي صنارته أكثر من خط لهذه الوليمة المستقبلية فوق بياضها ـ لسمكة الخط التي تختاره ـ فيما نفسه قبطان اسطوله العائم في موج رغبات).

واختتم القراءات الشاعر السوري المغترب د.عادل قرشولي الذي يتقن الشعر باللغتين العربية والالمانية ويترجم عنها ، وقد شارك في الموجة الشعرية بألمانيا الديمقراطية منتصف الستينات الى شعراء مثل فلوكر براون وساره كيرش وهاينس تشخوفسكي ، ويعتبر قرشولي اليوم واحدا من اهم شعراء اللغة الالمانية المنتمين الى أصول أجنبية ، وحصل جائزة مدينة ليبزغ للادب وجائزة البرت فون شاميسو وترجمت قصائد له الى لغات عدة ، ويجمع شعره الشرق والغرب بطريقة فذة في صور مألوفة ـ لا مألوفة ، ودراساته وأعماله النثرية صراعات ثاقبة مع عالم اصبح في غموضه يهدد فردية بالضياع ، واعماله تتحدث لغة تتسم بإكتمال في الشكل ورحابة في الفكر متوحدة في ذات شاعر يمتلك حكمة مواطن عالمي.

قرأ في الامسية قصائد كتبها باللغة الالمانية واخرى بالعربية اتسمت بوضوح المعنى وفلسفة الحياة وجدليتها مع الموت فعقد حوارا مع موت معلن وعانق خطوط الطول فكان واحد وحيدا لم يصمت وافضى الى الرسوخ التي بين صارخا أنا من لا يفهمونني ولا افهم من يفهمونني حين يصمتون ، قصائد تعكس عمق تجربة الشاعر الكبيرة واشتباكها بمجتمعات مختلفة ورؤية الحياة من منظار الشاعر المفكر الفاهم للآخر.

من قصيدة(حوار مع موت معلن) يقول: يتقدم مني الموت ـ مازال لدي أمور لم انجزها ـ فيقول سينجزها غيرك يوما ـ لست وحيدا فوق الارض ـ أقول لدي نصوص لم أكتبها ـ فيقول سيكتبها غيرك بعد رحيلك في الفجر ـ أقول أنا لا يعزفني احد غيري) ونقرأ في قصيدة أخرى يتساءل فيقول: (في الهذا وفي الذاك ـ في ال هنا واللا هناك ـ أين أنا في وطن؟).