الأربعاء ٣ شباط (فبراير) ٢٠١٠
بقلم زياد الجيوسي

لأنكِ أنتِ «سأحاولكِ مرةً أخرى»

قسم 2

أمسك يدكِ، نسير في شارع الساحل، فهنا في طولكرم تهب نسمات الغرب عن قرب، تحمل نسائم الساحل وعَبقَ البحر، فيشدني الحنين إلى عمق الوطن أكثر، أضمك، فتهمس روحك من البعيد: «كيف أكون سيدة النِّسَاءِ؟» إن لم «يعرشُ الحبُّ على جدران القلبِ» كما الوطن، فأهمسُ: أنتِ الحب الذي أرسمه بالكلمات، فمن حبكِ «كان الحبرُ أبقى.. وكان الحُلم أنقى»، وأنا أصرخُ من نارِ الشوق، من بعد الفراق والمسافة: أيها الحب «كُن لي المطرَ لا المِظلَّة»، فأحلق في أفقِ عينيكِ حيث فضاءات الوطن« لكيْ أكُتبَ عنْ.. حالاتِهِ العشْقيَّة».

أستعيد تسللي إلى عمق الوطن، فمن عكا «حين فاضتِ البساتينُ بالفراشاتِ؛ أخذني الحَنينُ إلى مَملكةِ الْحُلمِ»، إلى سِخنينَ لنحتسي القهوة العربية، أنت وأنا، فأنت الحورية التي منحتني الحب «فاصطفيتها دُون النَّساء»، فما أن أطللنا على سخنين حتى همست: كنتُ دوماًً «العاشقةَ التي أدمنت استحضار طيفكَ حبراً على ورق»، فليس إلاكَ من «كنتَ لها الجَمْرَ في ليالي البرد»، وتشير إليكِ وتقول: لها «في الربيعِ كنتَ لزنابقها العَبَق»، فتبتسمين وتضميني لصدرك، تهمسين: أنت وحدك من «كنتَ للحكايةِ رهامَهَا، وللبنفسجةِ اخْضرارَ أحِلامها». ونجول ضفاف طبريا فنصرخ معاً: يا وطننا سنخرج يوماً «من مقابرِ النكباتِ إلى ذاكرةٍ لا تنخرُ أبجديتها أعراضُ فراق».

أجول الشوارع الكرّمية، أسير في شارع شويكة حتى النهاية، فأجد مسبحاً، فأنظر إلى الجدار الذي حجبه عن البحرِ، وأهتف: آآآه يا وطن، فيصرخ: لا تقل آه، فقد عانيت الكثير منذ بدايات التاريخ، منذ جدك الكنعاني الأول، «وفي كُلَّ مرَّةٍ كنت كالعنقاءِ من بين رُكامِ الرمادِ أقوم»، ولن أبقى أبداً «كقاربٍ دونما شِراع»، فأهمس لكِ: إلى متى القهر، إلى متى البعد؟ فتضعي أصبعك على شفاهي، تطلبين مني الصمت، تهمسين: «لي قلبُ عُصفورةٍ.. لو رَقَّ تذُب منْ عذوبته الصُّخُورُ، بل.. تسْكَر.»، فأهتف لك: «حبيبتي.. أيَّتُها الأُنثى الـ.. كُلمَا ازددتُ معرفةً بكِ»، كلما تدفق الحنين بداخلي، فتشدني الطريق في أنحاء المدينة وطرقاتها الخارجية.

أسير في طريق الكفريات، أهمس للبلدات المتناثرة على التلال: كم أحبكِ «يا سليلةَ النَّعنَاعِ والبرتقالِ واللَّيمونِ والزَّعْتر البَرَّيَّ والزَّيتُونِ»، أمر ببلدة فرعون على يميني فأنقش على قلبها «يا حبيبة.. من الآنَ نُحبُّكِ وإلى أن تسقُطَ أسوارُ الحِصارِ»، أواصل المسير مارّاً بخربة جِبارة المحاصرة بالبوابةِ والجدار وجند الاحتلال، فأهمس لها: «أيتها السُّنُونُوَّة» أنت من «عنْدَ طُلُوعِ الفجرِ تُبَكرُ الطيورُ، تطوفُ سَبْعَ مراتٍ حولكِ»، وأصل إلى بلدة الراس، فأدخلها حتى أصل القمة، أقول لها: أيتها الجميلة، كلما صعدت مرتفعك وقمتك «ازددتُ معرفةً بأسرارِ الغيومِ..» أصل إلى كفر صور حيث «تنحني السَّنابلُ الآيلةُ للشَّوقِ لطائر الرُّوحِ»، ومن هناك أنحرف بطريقي حتى أقف قبالة كفر زيباد التي بطبعها «أن تتعارفَ مع الغريبِ القادمِ من فردوسِ الأساطيرِ، فتتآلفَ ويكونُ نوُرٌ وتستَعرَ نارٌ»، وأعود لأمرَ من وسط كفر جمَّال، فأشعر أنه قد «خُيلَ إليَّ، وأنا أفتحُ نافذةَ غُربتي أن الشمس وحيدةٌ»، فأطِلَ على جيوس بلدتي فأصرخ: «كياناً كُنتُ.. كِياناً سأبقى.. ويبقى الأُفق لجناحيَّ عُنوَان»، ومن غربها أنظر إلى فلامية التي طالما حدثني أبي عنها وهم يحاولون الآن خنقها «لكنها باقيةٌ.. خريطة الدرب الطويل، ريثما.. نتَعلمُ ونُعَلَّمُ حكمة العشاق المجانين.»

نعود إلى المدينة الكرميّةِ يدي بيدك، تعاتبيني: «وعدتني بالرعدِ، وقبلَ البرقِ.. رحلتَ»، فأبتسم: أنتِ لم تعرفي أن حريتي وئدت سنوات، فيا طيفي الأجمل كنتُ «أبحثُ عنكَ.. تبحثُ عنَّي، كخطينِ متوازيينِ لا أحدَ يودُّ أن ينكسرَ»، ومع هذا هل كان «سيكونُ أن يخبُو بَخُورُ الحُلُمِ قليلاً»؟ بالتأكيد لا، فحبك لم يفارقني لحظة، وكنت أبحث عنكِ وخصوصًا حين «يأتي الربيعُ بكاملِ رونقِهِ؛ أُقحوانةٌ هنا، قرنفلةٌ هناكَ»، فالورد مرتبط بكِ منذ قدمت لك باقة الياسمين، حتى التقيتك بعد سنوات الغياب القسري، فجلسنا لنحاول أن ننسى «ما خلفهُ الخريفُ من مُوَاتٍ هُنا.. مُوَاتٍ هُناكَ»، فقد كانت رحلتي طويلة «للبحثِ عن أُنثى ليست من ورق»، وحين التقيتكِ «مضيتُ باتجاهِ الحدائقِ والحقولِ، ألتقط سنابلَ الفرحِ».

نجول أطراف المدينة من جديد، نمر بذنابةِ التي التصقت بالمدينةِ فتهمس لنا: «لمْ أَعُد أَعرِفُني؛ أأنا قطرةُ مطرٍ تلقَّفها نهرٌ لتجري حثيثاً نحوَ البحرِ، أم أنا.. البحرُ؟»، وتنادينا إرتاح الجميلة: هنا ارتاح يعقوب وبناته، فتعالَ ولا تبتعد «ستعيدكَ إليَّ الحكايةُ كي نحملَ الحُلمَ ونمضي».

أعود إلى رام الله، أمرّ بالطريق على عنبتا التي «تعرفُ.. كيف تَغري جُوعكَ إلى قمحِ الحنانِ»، وأنظر إلى بلعا التي وحدها تعرف «كيف تنقلكَ إلى أبعدَ أبعدَ الشطآنِ»، لأغادر طولكرم وأبتعد «عن قلبٍ أعلنَ أنَّه- وطنٌ-»، فتعالي يا غاليتي من بعادكِ، فأنا بحاجة إليك كعهدي، فأنا «لو كنتُ شجرةً لتعلمتُ كيفَ أجتازُ كلَّ خريفٍ»، ومعك فقط سأمتلك «فتنةُ الجبالِ في شموخِها»، فأنا الذي «كُلُّ الدروبِ رفضتني، فمضيت خلفَ الأفقِ»، وفي وطني فقط «أنسُجُ سيرةَ تفرُّدي من ريشِ الكرامةِ لا الهوانِ»، فأكتب لك وللوطن، فقد كانت وستبقى «الكتابةُ؛ فعلُ بقاءٍ.»، وعندها فقط «سيكون للروحِ التي مع أشباهِ الظلالِ؛ تنافرت.. فاختلفتْ» مكاناً. 

 كلّ ما هو بين أقواس هو للشّاعرة ريتا عودة، من مجموعتها الشّعريّة «سأحاولكِ مرةً أخرى»، 2008م.

 الحلقة الأولى نشرت بعنوان: من وحي (سأحاولك مرة أخرى)

  

قسم 2

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى