الجمعة ١٣ شباط (فبراير) ٢٠٠٩
بقلم وليد رباح

لا بد من بعض الاتساخ للثوب النظيف

لا يعقل ان يكون الناس كلهم أو من يمتلكون عقلا سواسية وعلى اتفاق واحد.. فالعقول بعضها ممهور بالنباهة وبعضها الاخر يعتريه الحمق حتى وان كانت رزينة في تفكيرها.. فقد خلق العقل سلبيا في مرة وايجابيا في مرات اخرى.. ولقد ساءني حينا واسعدني أحيانا ما يشوب بعض العقول أنها تخالفنا الرأي في السياسة حينا وفي امور الحياة الاخرى احيانا فترى ما لا نرى.ونرى ما لم ير احدهم انه الصواب.. لكن تلك السعادة مشروطة ان لا يصل الرأي الى حد الخيانه.. فنقول كما قال الخضر عليه السلام لموسى.. هذا فراق بيني وبينك. سانبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرا.

ولقد بينت احداث غزة الدامية اجماعا للرأي الا من بعض العقول التي تخالفنا.. بعضها كان رأيا مخالفا في الطرق والاساليب فاحترمناه.. وبعضها الاخر كان رأيا وصل الى حد الخيانة فنبذناه.. لكن الذي يؤلمنا أن اولئك قد نالوا قسطا من دمائنا فذبحونا في آرائهم التي التزمت جانب الظلم على اهلنا تأمينا لمصالحهم الذاتية.. سواء كانت تلك المصلحة مادية او دعائية او توطئة للوصول الى النجاح متخطية حواجز الدم المراقه دون ادنى شعور بالذنب او تأنيب الضمير.. وأكثر ما آلمنا كتاب بعض الصحف الكويتية الذين لا يتجاوزن اصابع اليد الواحده.. في مواجهة الالاف من الكتاب الافاضل في صحف الوطن العربي.. وتلك لعمري مثلبة وصلت الى حد الخيانة تذكيرا بفاجعة لهم قد حدثت منذ سنوات فداسها الدهر باقدامه، فتجذر الحقد في نفوسهم حتى اصبح شجرة لا تنتفع من التشذيب في اطرافها وظل اصلها في التربة.. وكم كانت في التاريخ العربي مثالب اشد وطأة واقسى نوعية لكن الحق صمد امام الباطل وتهرأت جنبات ذلك الباطل وطمرها التاريخ فلم نعد نسمع عنها شيئا الا ما وعته ذاكرتنا نتيجة القراءة فتألمنا.

واذا ما كانت نصاعة الثوب الابيض فيما نعتقد ونرى لا بد وان يشوبها بعضا من الاتساخ نتيجة الاستخدام والسير والغبار فان ذلك مدعاة لان نستذكر ما مضى من تاريخ العرب كعبره.. فاولئك كانوا حتى زمن الرسول صلى الله عليه وسلم.. فكم منهم من نزلت فيه آيات قرآنية لما رآى التخلف عن قتال العدو فضيله. فلعنوا.. وكم منهم من كان جبانا او منافقا او مداهنا فخالف رأي الجماعة لاغراض في نفسه طابعها النفع فاعتبر ضالعا في تخلف الركب عن المسير.. وخلاصة القول انهم موجودون ولا يعني تجاهلهم انهم غابوا عن الانظار.. انهم بيننا.. بين ثنايانا.. في خيوط ثيابنا.. يحاولون ان يجلبوا رقعة من الاتساع الى ثيابنا النظيفة.. وعزة نفوسنا وكرامتنا.. وتلك من علامات النفس الانسانية الامارة بالسوء.. الم يكن سراقة على بعد خطوتين من الرسول (ص) وهو في غار حراء كي يدل الكفار عليه.. واولئك لا يفترقون عن سراقة في شىء الا الزمن.. لكنه الزمان الذي يدور فلا تنفعهم بعده سوى كفن ليس له جيوب حتى يستفيقوا على غرة فتراهم لعنوا وانكفأ الزمان بهم على قبر خرب لا يزور ولا يزار صاحبه..

واكثر ما آلمني ان تندرج بعض تلك الاسماء العربية في متون خارجية اسرائيل كي تعتمد انها وجهة النظر العربية العاقلة.. وأين العقل منها وهي ترى ما ترى من استخدام لالة الحرب التي جعلت البيوت ركاما والاطفال عظاما في ظل موت للاحياء وتجويعهم واهدار كرامتهم وسرقة اراضيهم وبيوتهم وشجرهم وحجرهم تحت نظر اولئك الكتاب وبصرهم.. مما يدلل على الخوف الذي ينتاب اولئك الكتاب من ان يكونوا الوجبة التالية للمحرقة.. ورحم الله الشاعر اذ يقول : فاما حياة تسر الصديق واما ممات يغيظ العدا.لكنهم آثروا أن يقولوا ان الكرامة ملهاة والنضال مأساة واستعادة الكرامة فاحشة.

واني لاستذكر كيف كان حكام الطوائف في الحروب التي خلت يؤلبون الاعداء على اخوتهم ويمدونهم بسبل الحياة تماما مثلما فعلت بعض الدول العربية من تصدير بضائعها ومأكولاتها الى الجيوش الامريكية في العراق بينما شعبهم جائع يستجدي اللقمة في سبيل الحصول على دولارات تقي موازناتهم شر النقصان. ولا ينتفع من تلك الا ذوي الكروش المنتفخة.. اما الشعب فليذهب الى الجحيم.. تماما مثلما فعل البعض ابان الحرب على غزة من توزيعهم للحلويات في الشوارع ظنا منهم ان الشعب الفلسطيني قد لا تقوم له قائمة الى الابد.. لكنهم فوجئوا بطائر الرعد وهو يبني عشه من جديد..

ان الثوب المتسخ يلفظه صاحبه لكي يستبدله بآخر نظيف.. واولئك سوف يتم استبدالهم بجيل من الاطفال الذين ينبتون من خلال الركام كالزنابق.. ولسوف تسوى قبورهم وتنقل عظامهم الى المزابل ولسوف يدوس الناس على قبورهم مثلما داسوا على قبور من سبقوهم.. وبقيت هذه الامة رافعة رأسها عزيزة على الموت المجاني ونهضت واستمرت في الارتفاع حتى قاربت رؤوسهم عنان السماء.. ومن لم يقرأ التاريخ فليعد اليه عله يجد ضالته فيما نقول..

انه الثوب المتسخ.. ولا ضير من ان يتسخ ثوبك فتقوم بغسلة ثانية او استبداله بجديد.. فلا بأس من أن يشوب ثوبك بعضا من البقع.. وليبق اولئك عراة لا يستر جسدهم سوى الخيانة التي تطل برأسها اليوم كما اطلت منذ زمن.. فزالت كما تزال الشوائب من على كأس الماء النظيف.. ولسوف يرى الذين ظلموا اي منقلب ينقلبون..


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى